شريف عارف يكتب: أوهام.. «أبراج الحمام»!

الوطن 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

عبر التاريخ العسكرى الحديث، كانت المدرعات -وستظل- عنصر الحسم الرئيسى فى المعارك البرية.

كل جيوش العالم تقاس بأعداد المدرعات عموماً، بحجم الدبابات وقدراتها على وجه التحديد.

التاريخ.. الساعات الأخيرة من مساء 5 أكتوبر 1973

لم يكن القلق الذى سيطر على عدد من قادة إسرائيل قبل انطلاق حرب أكتوبر بساعات منحصراً فى تل أبيب فقط.. كانت المعلومات قد تناثرت بسرعة البرق إلى الجبهة الجنوبية وهناك التقط العميد محلى «بينو» نائب مدير المدرعات الإسرائيلية بسيناء المعلومات الواردة بشغف واهتمام بالغ..

قذيفة مصرية تنهى أسطورة «الجنرال الحديدى» صاحب الفضل فى إعداد خطة تحريك المدرعات الإسرائيلية فى سيناء

كان «بينو» نائباً للجنرال «ألبرت ماندلر» مدير المدرعات الإسرائيلية بجبهة سيناء، والذى اشتهر بلقب «الرجل الحديدى» وهو -أيضاً- صاحب الفضل فى إعداد خطة تحريك المدرعات الإسرائيلية فى سيناء.. والتى أطلق عليها اسم «أبراج الحمام»!

اعتمدت الخطة -التى أعدها ماندلر- فى الأساس على تحريك المدرعات فى أقصى سرعة ممكنة إلى الضفة الشرقية.. بمجرد ورود معلومات عن احتمالات عبور المصريين للمانع المائى.. وبالفعل بدأ «بينو» فى تنفيذ خطة «برج الحمام».. كانت عقارب الساعة تشير إلى الساعة 1405، عندما اتصل الجنرال «جونين» قائد جبهة سيناء «بألبرت ماندلر» وقال له: «لقد حان الوقت لتنفيذ خطة «أبراج الحمام».. لم يتمالك «ماندلر» نفسه وردد بتوتر على جونين قائلاً: «نعم لقد حان الوقت.. إن المصريين يمطروننا الآن بقنابل».. كان ماندلر يعتقد أن النيران المصرية المتصاعدة هى مجرد معركة خاطفة أو عملية محدودة.. وغاب عن «الرجل الحديدى» أن مصر استطاعت أن تعبر بعزيمتها من الهزيمة إلى النصر وأنها فى طريقها لتدمير «أبراج الحمام»!.. المثير فى الحدث أن يوم الأحد السابع من أكتوبر، كان محدداً للاحتفال بتوديع مخطط «أبراج الحمام» بنقله من منصبه فى قيادة مدرعات سيناء إلى هيئة أركان جيش الدفاع الإسرائيلى.. ظل «ألبرت ماندلر» الجنرال المدلل لكثير من قادة إسرائيل، فهو من الرعيل الأول لقادة آل صهيون. وساهم بجهد كبير فى الجيش الذى سعى «بن جوريون» إلى تكوينه من العصابات الإسرائيلية المختلفة ومنها «الهاجاناه» و«الأرجون».. واشترك «ألبرت» منذ ذلك الحين فى كل المواجهات العربية الإسرائيلية بدءاً من حرب فلسطين إلى أن أصبح قائداً لأحد الألوية المدرعة فى حرب يونيو 1967.. تحولت أحلام «الجنرال الحديدى» بين يوم وليلة إلى سراب.. فخلال اليوم الذى كان مقرراً أن يحتفل فيه بتوديع جبهة سيناء كانت القوات المصرية تحتل المواقع التى كان من المفترض أن تتمركز فيها المدرعات الإسرائيلية وفقاً للتحركات المحددة فى خطة «برج الحمام».. وبين دقيقة وأخرى كان «ماندلر» يتلقى معلومات لا تنذر بأى خير مما دفعه إلى الاتصال بقيادته ليخبرهم بأنه اشتبك فى أول أيام المعركة بنحو ثلاثمائة مدرعة ولم يتبق منها سوى أربع فقط مع أول ضوء فى اليوم التالى.

نهاية الأسطورة

وظلت الخسائر تتوالى يوماً بعد يوم حتى جاء يوم الخميس 18 أكتوبر1973.. وفى هذا اليوم كان «جونين» قائد جبهة سيناء يحلق بطائرة مروحية لتفقد المواقع ومتابعة سير العمليات الحربية على الجبهة.. ومن الطائرة أجرى اتصالاً لاسلكياً مع «ألبرت ماندلر» داخل المصفحة التى يتجول بها داخل الموقع وبعد ثوان معدودة من المحاولة انقطع الاتصال اللاسلكى وانزعج «جونين» من انقطاع الاتصال بـ«ألبرت وقال: «يبدو أن هناك أمراً ما»!

صدق حدس «جونين»، فقد رصدت عناصر الاستطلاع المصرية موقع الرجل الحديدى وانطلقت قذيفة مصرية مباشرة إلى المصفحة الإسرائيلية، التى يستقلها مخطط «أبراج الحمام» لتنفجر على الفور وبداخلها الرجل الحديدى وعدد من الضباط الإسرائيليين.. وتنتهى إلى الأبد أسطورة «أبراج الحمام» هى ومخططها فى يوم واحد!

لم يكن إعداد المدرعات المصرية للوقوف أمام المدرعات الإسرائيلية أمراً سهلاً فقد تطلب الأمر سنوات طويلة من الجهد والصبر بحثاً عن أفضل السبل للمقاومة ورفع الكفاءة للمعدات الشرقية.

فقدوا السيطرة

فى عددها الصادر فى يونيو 1975 قالت مجلة «ناشيونال ديفنس» الأمريكية: «كانت معارك الدبابات المصرية والإسرائيلية شديدة الضراوة ولم يتعود الإسرائيليون خوض هذه الحروب وقد أظهرت المعارك التى دارت فى القطاع الأوسط أن المصريين لم يكونوا على الإطلاق أقل مستوى من الإسرائيليين».

الصحفى «تشارلز ويكبر دج» الذى خدم بالجيش البريطانى خلال الحرب العالمية الثانية وقام بتغطية معظم الحروب التى نشبت منذ ذلك الحين قال فى دراسة عن معارك المدرعات فى سيناء: «أكثر من 2000 دبابة اشتركت فى هذه الحروب فوق رمال سيناء عام 1973 ولا يعلم أحد على وجه الدقة كم عددها وهو عدد يزيد عن الدبابات التى اشتركت فى معركة العلمين، واستمرت معركة سيناء دبابات أمام دبابات لمدة ستة أيام، عندما بدأت تخف حدتها نتيجة الإنهاك التام ونفاد الوقود والذخيرة بعد أن دار القتال بينهما فى منطقة القطاع الأوسط فوق رقعة من الأرض يبلغ طولها 40 ميلاً وعرضها 25 ميلاً، وعلى الرغم من أن المصريين تجاوزوا نطاق الحماية الجوية التى وفرتها لهم شبكة الصواريخ المضادة للطائرات مما ساعد الطيران الإسرائيلى على العمل ضدهم إلا أن المدرعات الإسرائيلية لم تتمكن من السيطرة على الموقف!

تلك هى الحقيقة المأساوية.. التى لم تستطع إسرائيل إدراكها فى ذلك الحين..!

قائد دبابات النصر

اللواء كمال حسن على قائد المدرعات: السادات كانت لديه «نية مؤكدة» للحرب.. وربما كانت شاغله الأول والأخير

قبل نحو ١٥ شهراً من حرب أكتوبر المجيدة وخلال مرحلة الإعداد الرئيسية.. اختار الرئيس أنور السادات القائد الأعلى للقوات المسلحة اللواء أ. ح كمال حسن على مديراً لإدارة المدرعات المصرية.. كان المدير الجديد واحداً من أبرز القادة الذين عاصروا جولات الصراع مع إسرائيل كاملة منذ عام ١٩٤٨، فهو من مواليد ۱۸ سبتمبر ۱۹۲۱ تخرج فى الكلية الحربية عام ١٩٤٢، ثم التحق بمدرسة المدرعات مدرساً للملاحة البحرية والإشارة.. وفى حرب ١٩٤٨ تولى أركان حرب أورطة دبابات شُكلت حديثاً للعمل فى فلسطين واشترك فى عمليات خان يونس ومعركة التيه ٨٦ ومعركة رفح التى أصيب فى ذراعه اليسرى فيها وأعيد للوطن، ثم سافر إلى إنجلترا والتحق بمدرسة المدرعات البريطانية عام ٤٩ - ١٩٥٠.. وبعد ثورة ١٩٥٢ أسند إلى كمال حسن على العمل برئاسة سلاح المدرعات.. وفى عام ١٩٥٥ التحق بكلية أركان حرب، ثم تولى أركان حرب سلاح المدرعات لشئون التدريب عام ١٩٥٦.. بعدها سافر إلى الاتحاد السوفييتى فى بعثة قادة ألوية، وفى يونيو ۷۰ تولى قيادة اللواء السورى المدرع ۷۰، فكان أول ضابط مصرى يقود تشكيلاً سورياً على مستوى لواء.. عمل كمال حسن على مدرساً بكلية أركان الحرب حتى عام 1962، ثم اختير مديراً للعمليات فى حرب اليمن، وبقى هناك إلى يناير عام 1965 وأصيب للمرة الثانية.. وفى يوليو عام 1966 عهد إليه قيادة اللواء المدرع الثانى ودخل به معركة من أهم معارك ١٩٦٧ أمام مضيق الجدى.. وأصيب للمرة الثالثة، ونقل نائباً لمدير شئون الضباط، وبعد تمام شفائه تولى رئاسة أركان إحدى الفرق المدرعة ثم عهد إليه بقيادتها، وبعد ثورة ١٥ مايو عام ١٩٧١ تولى رئاسة أركان المدرعات.

غلاف عين الجمل

فى العسكرية الحديثة قالوا إن الدبابات بالنسبة للمشاة والمدفعية هى الغلاف الصلب لعين الجمل.. ولذلك كانت الدبابات المصرية هى الدرع التى تحطمت فوقها موجات الهجوم الإسرائيلى المضاد على طول الجبهة..

الدبابات المصرية «غلاف عين الجمل» استمدت عناصر تفوقها من خلال التعاون الراقى بينها وبين المشاة والمدفعية المضادة للدبابات والمدفعية.. وهناك رجال كثيرون أظهروا من دقة التخطيط والتنفيذ ما يفوق الخيال

استمدت الدبابات المصرية عناصر تفوقها من خلال التعاون الراقى بينها وبين المشاة والمدفعية المضادة للدبابات والمدفعية، وحققت الدبابات المصرية من خلال التنسيق مع الأسلحة الأخرى أعلى صور المناورة طبقاً لحجم هجوم العدو..

مدرعات الجيش المصرى تصنع بطولات تفوق الخيال من خلال التنسيق مع الأسلحة الأخرى

وفى البطولات الخارقة لرجال المدرعات، هناك رجال كثيرون أظهروا من دقة التخطيط والتنفيذ ما يفوق الخيال.. ومنهم على سبيل المثال البطل «البرشى» الذى غير دبابته ثلاث مرات أثناء القتال، فى المرتين السابقتين على استشهاده كانت دبابته تصاب، فيتركها ويستقل دبابة جديدة مستمراً فى القتال عبر معارك القطاع الأوسط، وكان له شرف الاشتراك فى تدمير اللواء الإسرائيلى المدرع ۱۹۰ بقيادة «عساف ياجورى»، ذلك اللواء الذى تجدد أيضاً ثلاث مرات أثناء القتال وقد دمرته قواتنا مرتين، وأسرت قائده فى هجومه الأخير علينا.

«عشان إسرائيل تعرف إننا حنحارب»

كان الرئيس أنور السادات لديه النية المؤكدة للحرب، وربما كانت شاغله الأول والأخير -كما يذكر الفريق أول كمال حسن على- فى مذكراته المهمة «محاربون.. ومفاوضون».. فيقول: «لم يصارح السادات أحداً بما فى نفسه، ولكننى كنت أحس أن هذا هو شاغله الأول والأخير. ومما أذكره فى هذا المجال، وكنا فى عام ۷۱، وفى إحدى المناورات البرمائية فى صيف ۷۱ قامت بها قوة كتيبة برمائية تحركت من الميناء والمسافة حوالى ٣٦ كم غرب الإسكندرية، وكان مفروضاً أن تنزل هذه القوة فى سيدى كرير، وفى هذه المنطقة تم إنشاء منطقة يجلس فيها مشاهدو المناورة، وعلى رأسهم الرئيس أنور السادات، وفى الواقع أننى لم أكن وحدى الذى لاحظ أن السادات يحاول أن يلفت النظر أو كما نقول بالعامية «يعمل منظر»، ولكن عندما شاء المصورون أن يأخذوا له بعض الصور بين الضباط فإذا به يصيح فيهم قائلاً:

«السادات» للمصورين فى مناورة برمائية: «صوروا عملية الإنزال.. عشان إسرائيل تعرف فعلاً إننا بنستعد للحرب!»

«لا صوروا القوات اللى حتنزل دلوقت من البحر، صوروا عملية الإنزال عشان إسرائيل تعرف فعلاً إننا بنستعد للحرب!» وطبيعى أنه فى عام ٧١ لم يكن لدى أى من القادة أى انطباع فعلى بأن هناك قراراً بالدخول فى معركة عام ۷۳، رغم أن التدريب لدخول المعركة غير المعروفة التاريخ يتم بكل حرص وكل دقة وجدية، فقد كان تدريب القوات المسلحة الذى يتم عادة فى سنتين فى وقت السلم يتم فى ستة أشهر فقط، وهو جهد خارق للعادة لا يدانيه سوى جهد المعركة ذاتها..

مصرع مخطط «أبراج الحمام»

بعد أيام قليلة من الحرب، حاولت إسرائيل القيام بهجوم مضاد على القوات المصرية المتقدمة، مما استدعى أن ينتقل الجنرال ديفيد بن أليعازر رئيس الأركان العامة إلى المركز الأمامى للقيادة الجنوبية فى «أم مرجم» صباح السبت ۱۳ أكتوبر.

استقل بن أليعازر طائرته الهيليكوبتر وبرفقته الجنرال حاييم بارليف الذى تم استدعاؤه قائداً للقيادة الجنوبية متجهين إلى الطاسة. وهى -كما يذكر المؤرخ العسكرى جمال حماد- مركز القيادة الأمامى للقطاع الأوسط، الذى كان يتولى قيادته الجنرال شارون، والتى اختيرت مقراً لاجتماع القادة برئيس الأركان العامة نظراً لموقعها المتوسط فى الجبهة، وطار الجنرال جونين بطائرة هيليكوبتر أخرى وبرفقته الجنرال عيزرا وایزمان قائد القوات الجوية الأسبق والرئيس السابق لفرع العمليات برئاسة الأركان العامة، وكان واحداً من القادة البارزين السابقين الذين تم استدعاؤهم من الاحتياط لمعاونة رئيس الأركان فى أثناء الحرب، وجرت محادثة باللاسلكى بين الجنرال جونين فى أثناء وجوده فى الطائرة والجنرال «ألبرت ماندلر» قائد المنطقة الجنوبية الذى كان وقتئذ يستقل مركبة قيادته بالقرب من أحد مراكز المراقبة فى الخط الأمامى من قطاعه، بسبب العمليات التى جرت صباح ذلك اليوم على قطاع الجيش الثالث، والتى لم يكن الجنرال ماندلر راضياً عن نتائجها. خلال الساعات السابقة، تم الاتفاق بين جونين وماندلر على اللقاء معاً لاستكمال بحث الموضوع فى الموقع الذى كان يتحدث منه ماندلر، وكان يقع على أحد المفارق الجانبية للطريق المؤدى إلى ممر الجدى، وذلك عقب انتهاء الاجتماع الذى سيعقده رئيس الأركان العامة فى الطاسة. وحدد ماندلر لجونين الاسم الكودى الموجود على الخريطة لمكان لقائهما المنتظر. ووجه جونين سؤالاً آخر إلى ماندلر ولكنه لم يتلق جواباً، فقال على الفور لرفيقه فى الطائرة الجنرال وايزمان: لقد حدث شىء لألبرت. فرد عليه وايزمان: «ما هذا الهراء أيها الأحمق؟». ولكن جونين أحس بانقباض مفاجئ، وقال: «ما دام ألبرت لم يرد على سؤالى فهذا يعنى شيئاً واحداً أنه مات». وحاول عامل اللاسلكى بالطائرة أن يحصل على إجابة ولكن دون جدوى. وعندما هبطت الطائرة الهيليكوبتر فى مقر قيادة شارون بالطاسة كانت تنتظر جونين رسالة من نائبه يخطره فيها بأن الجنرال ألبرت ماندلر قد قتل بقذيفة مصرية.

الهروب من الحقيقة

خلال ساعات أعلن متحدث عسكرى إسرائيلى أن إسرائيل لم تسمح للمراسلين الأجانب بتغطية القتال فى الميدان لأن لدينا أناساً من بلدنا يكفون للقيام بهذا العمل! وقال المتحدث موجهاً حديثه للصحفيين الأجانب «إن لدينا الكفاية من المصورين والصحفيين وهم من الاحتياطى المستدعى وبوسعهم القيام بهذا العمل وتستطيعون أن تأخذوا منهم ما تحتاجونه»!

وأضاف أننا لا نريد المخاطرة بأرواح الأجانب فى الوقت الذى لدينا فيه ما يكفى من رجالنا للقيام بهذا العمل، وقال المتحدث إن المراسلين الأجانب يتحتم عليهم الحصول على تقارير القتال من برقيات الصحفيين المحليين أو العسكريين التى يذيعها الراديو الإسرائيلى.

تدمير نفسى

فى ذلك الوقت بدأ يتكشف للعالم حجم الهزيمة التى لحقت بإسرائيل، وذكر مراقبون أجانب أن حالة من القلق تنتشر بين أفراد الشعب الإسرائيلى، إزاء الصمت المطلق للسلطات العسكرية بالنسبة لعدد الضحايا الذين تكبدتهم إسرائيل حتى هذا التاريخ فى الحرب الجديدة بالشرق الأوسط. والسؤال المشترك الذى يتردد الآن هو.. هل هناك تكتم على الأرقام لأن عدد القتلى والجرحى كبير جداً. وهناك شائعات تقول إن أكثر من ٤٠٠ إسرائيلى قتلوا حتى هذا التاريخ فى القتال، أى أكثر من نصف الخسائر التى منيت بها إسرائيل فى حرب ١٩٦٧.. ومع ذلك فإن مستشفيات تل أبيب والمدن الأخرى الكبيرة لم تكتظ بعد، لكن هناك تكهنات تشير إلى أن عدداً أكبر من الجرحى ما زال موجوداً فى مستشفيات الميدان فى مناطق الجبهة وهى مناطق لم يسمح لأى صحفى أجنبى بدخولها، وقد تم منع مصورى الصحف الأجنبية من التقاط صور القتلى أو الجرحى الإسرائيليين.

نجاح مذهل لـ«م. د»

حاولت المدرعات الإسرائيلية القيام بهجمات مضادة موسعة، حيث أوقفتها الصواريخ المضادة للدبابات التى كان يطلقها المصريون بمهارة ودقة، على مختلف المسافات..

محاولات يائسة للمدرعات الإسرائيلية للقيام بهجمات مضادة أوقفتها الصواريخ المصرية

وخلال قتال بالغ العنف، كانت المدرعات الإسرائيلية تقوم بمحاولات يائسة لفك حصار الحصون دون جدوى، واتضح -أخيراً- للقيادة الإسرائيلية أن ثمن هذه المحاولات أصبح باهظاً جداً.. فقد خلف الجيش الإسرائيلى عندما حاول اختراق طوق الحصار المفروض على أحد الحصون، نحو ٤٠ دبابة وعدداً من الآليات المدرعة، كما أصيب عدد كبير خلال محاولة أخرى لإنقاذ نحو ۲۰۰ جندی محاصرین.

أوهام الماضى

كانت ذكريات حرب ١٩٦٧ لا تزال تطوف بخيال الجنرال «جونين»، حينما وقع سيفه المدرع القاطع فى قلب أكبر تشكيل برى مصرى فى شبه جزيره سيناء، ليخترقه ويقطع أوصاله فى سرعة خاطفة، فى يوم قتال واحد، وبذلك كان أول من وصل إلى القناة على رأس قواته التى رابطت منذ ذلك الحين على ضفتها الشرقية.. تباً لهؤلاء المصريين!..

هذا هو الفرق الذى لم يدركه «جونين» -كما يذكر المؤرخ العسكرى محمد فيصل عبدالمنعم- فحينما عرضت عليه الصور الجوية التى التقطها سلاح الجو الإسرائيلى فى أول ضوء، لاحظ أن معظم الجسور التى قصفها وأعطبها قد جرى إصلاحها أثناء الليل، ولم يتوقف تدفق هؤلاء المشاة طوال الليل إلى سيناء.. عامل اللاسلكى يصرخ.. أحد القادة يطلبه بإلحاح: إنهم يطلقون علينا جحيماً من «الشموليكات».. كان الجيش الإسرائيلى يطلق على صواريخ ساجر «اسم «شموليك».. أين سلاحنا الجوى؟!

كيف أُسر «عساف ياجورى»؟

يصف الخبير العسكرى الإسرائيلى «زئيف شيف»، مشهداً من القتال على الجبهة، بين مدرعات إسرائيلية، ومشاة مصريين.. قائلاً: «فى أول صدام مع المصريين اشتعلت ۸ دبابات دفعة واحدة.. وفى خلال دقائق، اشتعلت ۱۰ دبابات أخرى.. وشاع اضطراب هائل بين صفوفنا..

«زئيف شيف»: قصف شديد من مدافع الميدان المصرية والقواذف المضادة للدبابات أجبر القوة الإسرائيلية على التراجع.. وبقيت الدبابات فى الصحراء وبداخلها الجرحى والقتلى!

بينما يقوم المصريون بتوجيه قصف شديد من مدافع الميدان والقواذف المضادة للدبابات لتتراجع بقية القوة الإسرائيلية بعيداً عن خط المياه.. وتبقى الدبابات فى الصحراء وبداخلها الجرحى والقتلى.. وليس أمامنا أمل فى إنقاذهم.. كانت الضرية قوية.. ومع ذلك لم ينته الأمر.. ما زال أمامنا الكثير من المفاجآت.. والآن تتقدم مدرعات الجنرال «ناتكه».. الذى لا يفلت هو الآخر من مصير مماثل لمدرعات الجنرال «بين».. تشتعل ۱۰ من دبابات «ناتكه» نتیجة تدميرها بالشموليكات.. وفى هذا الجحيم تصاب دبابة أحد قادة اللواءات المدرعة: الكولونيل «عساف یاجورى»، الذى ما إن يخرج من دبابته المحترقة حتى ينقض عليه من كل ناحية عشرات من الجنود المصريين ويأخذوه أسيراً.

مدرعاتهم تتآكل

يقول «زئيف شيف»: «لقد أخذت مدرعاتنا فى التفتت والتآكل، وكانت معظم الخسائر من جراء قصف المشاة المصريين الذين استخدموا الصواريخ المضادة للدبابات، سواء بقواذف محمولة على الكتف أو من على الأرض أو تلك التى قاموا بتركيبها فوق حاملات الجند المدرعة وعربات الجيب ولكن معظمها كان محمولاً مع الجنود فى حقائب صغيرة.. جندیان فقط.. هما من يشكلان وحدة الصواريخ المتحركة لدى المصريين.. أحدهما يثبت الصواريخ ويشد الأسلاك ويوصل الصمامات، والثانى يبعد عنه بضع عشرات من الأمتار ويقوم بتوجيه الصاروخ إلى هدفه بمساعدة جهاز توجيه «بيريسكوب» وهكذا ظل المشاة المصريون يتقدمون ببطء، بينما يسحقون فى طريقهم المدرعات الإسرائيلية. وتصبح الصورة كئيبة، والخسائر فى الدبابات عظيمة، لدرجة أنه بعد ظهر اليوم الثانى للقتال يتضح أن ما تبقى لدينا فى سيناء من الدبابات أقل من نصف تلك التى كانت هناك عندما نشبت الحرب..!

هوامش:

 الندوة الاستراتيجية بمناسبة مرور 25 عاماً على حرب أكتوبر المجيدة «المحور العسكرى» - إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة.

 مجموعة خطب وأحاديث الرئيس محمد أنور السادات خلال الفترة من سبتمبر 1970 وحتى نهاية ديسمبر عام 1974- وزارة الإعلام المصرية، الهيئة العامة للاستعلامات.

 «محاربون ومفاوضون» - مذكرات الفريق أول كمال حسن على.

 المعارك الحربية.. على الجبهة المصرية فى حرب أكتوبر - اللواء جمال حماد.

 

2722541261730046743.jpg

3707472191730046740.jpg2385533191730046735.jpg

 

 

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق