على وقع التحولات الاقتصادية الكبرى التي يشهدها العالم، ومع تصاعد موجات التحول نحو الطاقة النظيفة، تقف مصر عند مفترق طرق استراتيجي، تسعى من خلاله إلى فرض نفسها لاعبًا رئيسيًا في صناعة السيارات الكهربائية.
ولم يعد الحديث عن هذا القطاع مجرد طموح، بل بات مشروعًا قوميًا مدعومًا بخطط واضحة، واستثمارات ضخمة، وحوافز غير مسبوقة، في محاولة لصياغة مستقبل جديد لصناعة السيارات في البلاد، لكن إلى أي مدى استطاعت مصر أن تخطو خطوات فعلية في هذا الاتجاه؟ وهل ستنجح في أن تصبح مركزًا إقليميًا لهذه الصناعة خلال السنوات القليلة المقبلة؟
صناعة السيارات الكهربائية.. من الحلم إلى التخطيط
لم يكن الدخول إلى عالم السيارات الكهربائية قرارًا عشوائيًا، بل جاء كجزء من استراتيجية شاملة تستهدف توطين الصناعة، وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتعزيز قدرة مصر على المنافسة إقليميًا ودوليًا.

ويشكل عام 2025 نقطة التحول الأهم، حيث بدأت تتبلور معالم هذه الاستراتيجية عبر عدد من المشاريع الكبرى، التي تمثل اللبنة الأساسية لصناعة وطنية ذات قيمة مضافة حقيقية.
اتفاق شركة "بايك" الصينية
على رأس هذه المشاريع، يأتي الاتفاق الذي وقعته الحكومة المصرية مع شركة "بايك" الصينية، والذي يهدف إلى إنتاج 20 ألف سيارة كهربائية سنويًا في المرحلة الأولى، مع خطة لرفع الإنتاج إلى 50 ألف سيارة بحلول 2030، ورفع نسبة المكون المحلي تدريجيًا لتصل إلى 60%.
لكن المشروع الأبرز، والذي يمثل عودة قوية للصناعة الوطنية، هو إحياء شركة النصر للسيارات، التي باتت في صدارة المشهد عبر شراكتها مع عملاق الصناعة الصيني "دونغ فينغ"، بهدف إنتاج أول سيارة كهربائية تحمل شعار "صُنع في مصر".
هذه الخطوة، التي طال انتظارها، تعني أن البلاد في طريقها لاستعادة مكانتها الصناعية، بعد عقود من التراجع، وهذا يبرز قيمة مصر الصناعية، ويخلق تحديات جديدة من شأنها وضع مصر في مصاف الدولة الصناعية المتقدمة.
هل تنجح مصر في سباق السيارات الكهربائية؟
على الرغم من الخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها، إلا أن الطريق نحو صناعة سيارات كهربائية وطنية ليس مفروشًا بالورود، إذ يواجه المشروع عددًا من التحديات، أبرزها:
- البنية التحتية للشحن الكهربائي: لا تزال محطات الشحن محدودة، رغم الجهود المبذولة لتوسيع انتشارها في المدن الكبرى وعلى الطرق السريعة.
- التكلفة الإنتاجية والمنافسة العالمية: على الرغم من الحوافز المقدمة، تبقى تكلفة إنتاج السيارات الكهربائية في مصر مرتفعة مقارنة بالصين أو أوروبا، وهو ما يضع تحديًا أمام تنافسية المنتج المصري.
- التكنولوجيا والتصنيع المحلي: لا يزال الاعتماد على استيراد البطاريات والمكونات الأساسية يمثل عائقًا أمام تحقيق الاكتفاء الذاتي، ما يتطلب استثمارات ضخمة في البحث والتطوير.
محفزات لإنعاش صناعة السيارات الكهربائية في مصر

إدراكًا لهذه التحديات، كثفت الحكومة جهودها لتقديم حزمة من الحوافز، في محاولة لجذب الاستثمارات، وتعزيز التصنيع المحلي، وتشمل هذه الحوافز:
- إعفاءات جمركية وضريبية على مستلزمات الإنتاج، لتخفيف الأعباء المالية على المصانع الناشئة.
- برامج تمويل ودعم مباشر للشركات التي تستثمر في تصنيع السيارات الكهربائية محليًا.
- توسيع شبكة محطات الشحن بالتعاون مع القطاع الخاص، لضمان جاهزية البنية التحتية.
- إطلاق مبادرات لتدريب الكوادر الفنية، لتأهيل جيل جديد من المهندسين والفنيين المتخصصين في صيانة وتشغيل السيارات الكهربائية.
صناعة السيارات الكهربائية تحت قبة البرلمان
وفي هذا السياق، يناقش مجلس الشيوخ المصري، اليوم الأحد، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، مستقبل هذه الصناعة، بناءً على طلب تقدم به النائب عمرو نبيل وأكثر من 20 عضوًا، لاستيضاح سياسة الحكومة بشأن التحول إلى السيارات الكهربائية.
وقال النائب عمرو نبيل، إن مصر تمتلك فرصة ذهبية لتكون مركزًا إقليميًا لهذه الصناعة، لكنها بحاجة إلى خطة وطنية متكاملة تشمل تقديم دعم مالي مباشر للمصانع، وتشجيع إنشاء مصانع بطاريات محلية، إلى جانب الاستثمار في الأبحاث والتطوير لضمان اللحاق بركب المنافسة العالمية.
أكد نبيل على أهمية تسريع وتيرة توطين صناعة السيارات الكهربائية في مصر، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة لن تسهم فقط في خفض التكلفة النهائية للسيارات، بل ستفتح أيضًا فرصًا جديدة للتوظيف وتعزز القدرة التنافسية للمنتجات المصرية على المستوى العالمي.
توطين الصناعة يمتد إلى الصناعات المغذية
وأشار إلى أنه رغم مرور أكثر من عامين على صدور القانون رقم 162 لسنة 2022، الذي أنشأ المجلس الأعلى لصناعة السيارات وصندوق تمويل صناعة السيارات صديقة البيئة، لا تزال هناك تساؤلات حول مدى تنفيذ الاستراتيجيات المرتبطة به، خاصة فيما يتعلق بالحوافز المقدمة لدعم التصنيع المحلي والاستثمارات الموجهة لهذا القطاع الحيوي.
وأوضح النائب أن توطين صناعة السيارات الكهربائية لا يقتصر على إنتاج المركبات فقط، بل يشمل أيضًا دعم الصناعات المغذية مثل تصنيع البطاريات، المحركات الكهربائية، ومكونات الشحن، وهو ما سيوفر آلاف فرص العمل، ويضع مصر في موقع متقدم كمركز إقليمي لصناعة السيارات الكهربائية في الشرق الأوسط.
يأتي هذا النقاش في إطار الجهود المستمرة لتطوير قطاع السيارات في مصر، وتحقيق الاستفادة القصوى من الإمكانيات المتاحة لتسريع التحول نحو الطاقة النظيفة، وتعزيز موقع البلاد في صناعة السيارات الكهربائية عالميا.
السيارات الكهربائية.. قاطرة نحو الاستدامة البيئية

لا يقتصر الرهان على السيارات الكهربائية على البعد الاقتصادي فحسب، بل يمتد ليشمل البعد البيئي أيضًا، حيث تسهم هذه السيارات في:
- خفض الانبعاثات الكربونية، مما يحسن جودة الهواء ويحد من التلوث البيئي.
- تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، مما يخفف الضغط على الميزانية العامة للدولة، ويعزز أمن الطاقة الوطني.
- دعم أهداف مصر للتنمية المستدامة، خاصة في ظل التزام الدولة بتقليل بصمتها الكربونية وزيادة استخدام الطاقة المتجددة.
ماذا عن مستقبل صناعة السيارات الكهربائية في مصر؟
مع اقتراب عام 2025، يبدو أن مصر تسير على الطريق الصحيح نحو دخول عالم السيارات الكهربائية، لكن نجاح التجربة يتطلب مزيدًا من الجهود لضمان استدامتها، فمع زيادة عدد المشروعات، وتوسع حجم الاستثمارات، وتقديم حوافز أكبر لجذب المستثمرين، تبقى الفرصة متاحة أمام البلاد لتحقيق حلم طال انتظاره، بأن تصبح مركزًا إقليميًا لصناعة السيارات الكهربائية في الشرق الأوسط.
ومع كل خطوة تخطوها مصر في هذا المضمار، يبقى السؤال الأهم: هل نشهد خلال السنوات المقبلة سيارة كهربائية مصرية تنافس في الأسواق العالمية، وتحقق حلم التصنيع المحلي، أم أن التحديات ستظل عقبة أمام هذا الطموح؟ الأيام وحدها كفيلة بالإجابة.
0 تعليق