ورزازات، المدينة السينمائية الساحرة، تخفي خلف أسوارها العتيقة وأقواسها الشامخة واقعا مريرا ينهش أحلام شبابها؛ فبينما تتلألأ أضواء الكاميرات في أستوديوهاتها العالمية، تئن المدينة تحت وطأة بطالة متفشية تلامس مستويات خطيرة، وتنمية متعثرة تركت شبابها فريسة لليأس والإحباط.. فهل تكفي شهرة “هوليود المغرب” لإنقاذ شباب ورزازات من شبح البطالة؟.
عشرات من الشباب الذين التقت بهم جريدة هسبريس الإلكترونية، خلال إعداد هذا الروبورتاج بمختلف أحياء مدينة ورزازات وجماعة تارميكت، تبدو وجوههم تحمل تعابير اليأس والإحباط وعيونهم تائهة تبحث عن بصيص أمل في أفق مظلم، ويتساءلون: هل قدرهم أن يكونوا مجرد أرقام في إحصائيات البطالة؟ هل كتب عليهم أن يعيشوا على هامش الحياة، محرومين من أبسط حقوقهم في العمل الكريم والمستقبل الواعد؟.
“نحن نموت ببطء هنا”، بهذه الكلمات القاسية والمؤلمة وصف عمر أوميمون، الشاب الثلاثيني الحاصل على شهادة جامعية في الاقتصاد، واقع شباب ورزازات.
وأضاف المتحدث ذاته بصوت يملأه الأسى: “قضيت سنوات طويلة في البحث عن عمل، طرقت كل الأبواب، وقدمت عشرات الطلبات؛ لكن دون جدوى، أشعر بأنني عبء على أسرتي وعلى المجتمع، وكل ما أتمناه هو فرصة عمل بسيطة تحفظ لي كرامتي وتؤمن لي قوت يومي”.
واقع الشاب عمر ليس استثناء؛ بل هو القاعدة في ورزازات، إذ إن العديد من الشباب والشابات يعانون من المصير نفسه، يحملون شهادات جامعية ودبلومات مهنية، لكنهم يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل أو يعملون في مهن لا تتناسب مع مؤهلاتهم.
“حصلت على دبلوم في التسيير الفندقي، وكنت أحلم بالعمل في أحد الفنادق الكبرى في المدينة”، كشفت أمنية البوعزاوي، شابة في الخامسة والعشرين من عمرها، التي استطردت قائلة: “لكن الواقع كان صادما، لم أجد أية فرصة عمل في مجالي، واضطررت إلى العمل كنادلة في مقهى بسيط، أشعر بالإحباط واليأس، وأحلامي تتبخر يوما بعد يوم”.
وأشارت المتحدثة ذاتها إلى أن فرص العمل المتاحة محدودة للغاية، وتتركز في قطاعات تقليدية لا تستوعب الأعداد المتزايدة من الخريجين؛ لأن القطاع السياحي، الذي يعتبر عصب الاقتصاد المحلي، يعاني من تقلبات موسمية ومن تداعيات الأزمات العالمية، مما يجعله غير قادر على توفير فرص عمل مستدامة للشباب، وفق تعبيرها.
إحصائيات غير رسمية تشير إلى أن نسبة البطالة في صفوف الشباب في ورزازات تتجاوز 40 في المائة؛ وهي نسبة تفوق بكثير المعدل الوطني، وتعكس حجم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المدينة.
الشباب الذين التقت بهم هسبريس في ورزازات لا يطالبون بمعجزات؛ بل يطالبون بحقوقهم الأساسية في العمل الكريم والحياة الكريمة وبمشاريع اقتصادية حقيقية قادرة على استيعاب طاقاتهم وقدراتهم، وتوفير فرص عمل مستدامة لهم، ويرفضون أن يكونوا مجرد أرقام في إحصائيات البطالة، ويصرون على أن يكون لهم دور فاعل في بناء مستقبل مدينتهم ووطنهم، يقول عمر أو ميمون أحد الشباب العاطلين عن العمل.
جريدة هسبريس الإلكترونية نقلت كل هذه المطالب إلى مسؤول في المجلس الإقليمي لورزازات، الذي أكد أن “الجهات المسؤولة تدرك حجم التحديات التي تواجه شباب ورزازات، وتعمل جاهدة على إيجاد حلول مستدامة لمشكلة البطالة”.
وأضاف المسؤول ذاته، الذي رفض الكشف عن هويته للعموم: “نحن بصدد إطلاق مجموعة من المبادرات والبرامج التي تهدف إلى دعم الشباب وتشجيعهم على إنشاء مشاريعهم الخاصة، وتوفير التكوين والتأهيل اللازمين لهم لدخول سوق الشغل”، لافتا إلى أن هناك “جهودا تبذل لتنويع الاقتصاد المحلي وجذب الاستثمارات في قطاعات واعدة مثل الطاقات المتجددة والصناعات التحويلية”.
وشدد المتحدث لهسبريس على أن “من يقول إن الإقليم يعيش تحت الصفر في التنمية فهو أعمى أو لا يرى المجهودات المبذولة في الإقليم من مختلف القطاعات المحلية والمركزية”، وفق تعبيره.
من جانبه، شكك محمد أوراغ، فاعل جمعوي في ورزازات، في جدية هذه الوعود، مؤكدا أن شباب هذه المدينة ومعهم الساكنة بشكل عام لم يلمسوا أي تغيير حقيقي على أرض الواقع.
وأضاف الفاعل الجمعوي سالف الذكر، في تصريح لهسبريس، بنبرة غضب: “لقد سئمنا من الوعود الكاذبة والتصريحات الرنانة، واليوم نريد أفعالا لا أقوالا.. نريد مشاريع حقيقية تخلق فرص عمل للشباب، وتنقذهم من براثن البطالة واليأس”.
وأضاف أوراغ: “ورزازات مدينة غنية بمواردها الطبيعية والبشرية، لكنها تعاني من سوء التدبير والتهميش”، لافتا إلى أنه “يجب على المسؤولين أن يتحملوا مسؤولياتهم، وأن يعملوا بجدية على تنمية المدينة وتوفير مستقبل أفضل لشبابها”.
وأكد المتحدث ذاته أن تنزيل أوراش تنموية كبرى بات ضرورة ملحة في ورزازات؛ مشاريع قادرة على تغيير وجه المدينة وتحويلها إلى قطب اقتصادي حقيقي، لافتا إلى “ضرورة أن تتجاوز هذه المشاريع القطاع السياحي التقليدي وأن تستثمر في قطاعات واعدة مثل الطاقات المتجددة والفلاحة الواحية والصناعات التحويلية، والتكنولوجيات الحديثة. ويجب أن تكون هذه المشاريع مصحوبة ببرامج دعم وتكوين للشباب، لتمكينهم من الاستفادة من الفرص المتاحة”.
ووجه العشرات من شباب ورزازات، عبر جريدة هسبريس الإلكترونية، نداء استغاثة إلى كل المسؤولين والفاعلين، مطالبين بالتدخل العاجل لإنقاذ مدينتهم من شبح البطالة والتهميش، مؤكدين أنهم لن يستسلموا لليأس، وأنهم سيواصلون النضال من أجل تحقيق أحلامهم وطموحاتهم، مؤكدين أن “صرخة شباب ورزازات هي صرخة جيل كامل يطالب بحقه في العيش الكريم والمستقبل الواعد، فهل من مجيب”.
أمام هذا الوضع المتأزم، وتعثر المشاريع التنموية، وتزايد صرخات الشباب المطالبة بالتغيير، تتعالى الأصوات في ورزازات منادية بضرورة تدخل ملكي عاجل، حيث يرى العديد من أبناء المدينة أن زيارة ملكية للمنطقة قد تساهم في تحريك عجلة التنمية، وإعطاء انطلاقة جديدة لمشاريع تنموية تلامس احتياجات السكان، وتستجيب لتطلعات الشباب.
كما يطالب العديد من الفاعلين المحليين بضرورة فتح تحقيق معمق وشامل في أسباب التعثر التنموي الذي تعاني منه ورزازات، وتحديد المسؤوليات، ومحاسبة كل من يثبت تورطه في عرقلة المشاريع أو تبديد الأموال العمومية، معتبرين أن هذا التحقيق ضروري لاستعادة الثقة بين المواطنين والسلطات ولضمان الشفافية والمساءلة في تدبير الشأن العام.
0 تعليق