اقرأ في هذا المقال
- أداء ضعيف لقطاع الوقود الأحفوري على مؤشر ستاندرد آند بوز 500 الأبرز في أميركا.
- صناديق استثمار كبرى تُقيّد استثماراتها في أسهم شركات الوقود الأحفوري.
- انخفاض تكاليف الطاقة المتجددة يزيد من قدرتها التنافسية مع الوقود الأحفوري.
- جدل حول تقييم موقف ترمب وآثاره المحتملة في إنعاش صناعة الوقود الأحفوري.
- بعض الآراء ترى مسار تحول الطاقة قد نضج بما فيه الكفاية ولم يعد بحاجة إلى دعم.
- آراء أخرى تنتقد المبالغات وترصد مظاهر الدعم الحكومي غير المحسوبة عند المؤيدين.
واجهت صناعة الوقود الأحفوري تحديات في الأسواق المالية الأميركية خلال العام الماضي، مع عزوف صناديق الاستثمار وضعف أحجام التداول وتراجع القيمة السوقية، وسط مخاوف حول مستقبل الصناعة في عالم يُحاط بالغموض وعدم اليقين.
وبحسب تحليل حديث، اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)؛ فقد سجّلت الصناعة واحدًا من أدنى مستويات الأداء بين القطاعات على مؤشر ستاندرد آند بورز (S&P 500) خلال الأشهر الـ12 الماضية حتى يناير/كانون الثاني 2025.
وعادة ما يُنظر إلى أداء صناعة الوقود الأحفوري في الأسواق المالية الأميركية بصفته مؤشرًا على حالة الصناعة، وما إذا كانت تواجه تحديات ومخاطر أم تواجه ازدهارًا وفرصًا، لكن التوسع فى الاعتماد على أداء الأسهم ينطوى على مخاطر تحليلية.
ويقيس مؤشر ستاندرد آند بورز أداء أكبر 500 شركة أميركية متداولة في البورصات من حيث القيمة السوقية، التي تمثل 80% من القيمة الإجمالية لسوق الأسهم في الولايات المتحدة.
أداء صناعة الوقود الأحفوري
ظل أداء صناعة الوقود الأحفوري في سوق الأسهم من بين أضعف القطاعات على مدار العام الماضي، كما سجّل أضعف عودة للنمو بين قطاعات مؤشر ستاندرد آند بورز 500 منذ آخر هبوط حاد لسوق الأسهم أواخر عام 2022.
وكان أداء القطاع أقل من أداء المؤشر في 7 سنوات، مع تحقيقه أدنى عائد وأعلى تقلب على الإطلاق بين جميع القطاعات خلال 10 سنوات، بحسب التحليل المنشور على موقع سستينابول فيوز المتخصص (sustainable views).
كما شكّلت القيمة السوقية لصناعة الوقود الأحفوري 3.1% فقط من إجمالي القيمة السوقية للمؤشر في نهاية يناير/كانون الثاني 2025؛ ما يقل بكثير عن مستوياتها التي اقتربت من 30% في عام 1980.
وكان من اللافت للنظر أن بعض صناديق الاستثمار الكبرى التي تبلغ أصولها الإجمالية تريليونات الدولارات، قد اتخذت قرارات بالحد من الاستثمار في أسهم الوقود الأحفوري العام الماضي.
هل تمر الصناعة بأزمة ثقة؟
فتح الأداء الضعيف لشركات الوقود الأحفوري المدرجة في الأسواق المالية الأميركية، الباب أمام تفسيرات مختلفة للخبراء والمراقبين للسوق.
ففي الوقت الذي ذهب خلاله بعضهم إلى أن هذا الأداء يعبّر عن أزمة طارئة لن تلبث الصناعة كثيرًا حتى تتجاوزها وتصحح مسارها، ذهب آخرون إلى أنها أزمة ثقة بمستقبل الوقود الأحفوري في عالم محاط بالغموض.
ويعتقد الذين يرونها أزمة ثقة، ومنهم محلل التمويل في معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي دان كوهن، أن الصناعة تواجه ضغوطًا تنافسية في السوق مع بدائل الطاقة المتجددة التي أحرزت تقدمًا واسعًا في أوروبا خلال السنوات الماضية.

ففي عام 2024، تجاوز توليد الطاقة الشمسية في أوروبا للفحم، كما استمرت طاقة الرياح في التفوق على الغاز الطبيعي؛ ما أدى إلى انخفاض إنتاجه في القارة للعام الخامس على التوالي.
كما لا يزال الطلب على الغاز المسال في أوروبا أقل بكثير من قدرات إعادة التغويز التي تمتلكها القارة، حيث تصطدم جهود الشركات للاستفادة من أزمة الحرب الأوكرانية بتسارع مسار تحول الطاقة.
على الجانب الآخر؛ فإن توقعات بعض شركات الوقود الأحفوري، مثل شركة النفط البريطانية بي بي، حول اقتراب ذروة الطلب على النفط، أثارت مخاوف بعض المستثمرين من التوسع في الاستثمار بالقطاع، على الرغم من وجود توقعات أخرى معاكسة في السوق ولا ترى مسألة الذروة في الأفق المتوسط أو الطويل.
الدعم السياسي لم يمنع هبوط الفحم
أمام هذه التحديات، ما زالت صناعة الوقود الأحفوري تعاني ضعف القدرة على التكيف مع تحولات السوق، كما أنها ما زالت تقنياتها الرئيسة في التقاط الكربون تخزينه تكافح لتحقيق الجدوى الاقتصادية منها.
كذلك، تواجه الخطط الاحتياطية للصناعة بالتحول إلى صناعة البتروكيماويات مخاطر فائض المعروض وهوامش الأرباح الضعيفة، بحسب محلل معهد اقتصادات الطاقة دان كوهن.
ورغم انفتاح الأمل بين الفاعلين في صناعة الوقود الأحفوري بانتخاب دونالد ترمب الذي رفع شعار "احفر يا عزيزي احفر"؛ فإن أزمة الصناعة ما زالت أكبر من السياسة، بحسب المحلل.
ويعتقد كوهن أن الصناعة تواجه تحولات وتهديدات بنيوية في قطاعات الطلب الرئيسة، ولا يمكن للدعم السياسي أن يوقفها، وإن استطاع أن يبطئ وتيرتها؛ فالأزمة في السوق الذي يدير ظهره وليس السياسة، على حد تعبيره.
ويضرب المحلل مثلًا بصناعة الفحم الأميركية التي حظيت بدعم سياسي عام 2017؛ ما دفع بعض المحللين للإفراط في توقع عودة هائلة للفحم، لكن الضغوط التنافسية المتزايدة مع مصادر الطاقة الأرخص أدت إلى إخراجه من السوق تدريجيًا.
وانخفضت قدرة توليد الكهرباء بالفحم في الولايات المتحدة بالفعل إلى النصف في عام 2023، كما واصلت الانخفاض في عام 2024، لكن ترمب الذي تسلّم السلطة في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، وعد بدعم الفحم إلى جانب النفط والغاز.
ورغم أوجه الاختلاف بين أسواق الفحم في الولايات المتحدة وأسواق النفط والغاز العالمية؛ فإن الدعم السياسي لم يمنع الفحم من الهبوط؛ بسبب قوة ظروف السوق غير المواتية؛ ما قد يتكرر في حالتي النفط والغاز بصور مختلفة.
ويمكن للظروف السياسية الداعمة لصناعة الوقود الأحفوري، أن تؤخر مسار تحول الطاقة، لكن هذا المسار أثبت نفسه في السوق ولا يمكن للسياسة وحدها أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء، بحسب المحلل كوهن.
مغالطات المناهضين للوقود الأحفوري
يري خبير أسواق الطاقة الدكتور أنس الحجي، أن أغلب المؤيدين لمسارات تحول الطاقة في أوروبا وأميركا يروجون مغالطات ومبالغات حول نضج تقنيات الطاقة المتجددة وقدرتها على منافسة مصادر الوقود الأحفوري دون دعم حكومي.
ورغم اعتراف هؤلاء بأن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية المناخ -مؤخرًا- يمثل ضربة قوية لمسار تحول الطاقة؛ فإنهم يعتقدون أن هذا المسار أقوى من أي معارضة سياسية ولو كانت من أكبر دولة في العالم؛ لاعتقادهم أن قوى السوق والتقنيات هي التي تحكم المنافسة وليس السياسة.
على العكس من ذلك، يرى الحجي أن ترمب استطاع أن يؤثر في الدول الأخرى عن طريق الحروب التجارية من جهة والانسحاب من مفاوضات المناخ من جهة أخرى؛ ما قد يعطي دعمًا كبيرًا للصين والهند والدول النفطية خلال مفاوضات المناخ.
كما قد يجعل بعض الدول، وبينها دول أوروبية، تتغاضى عن التزام شركاتها بالمتطلبات المناخية؛ ما سيؤثر في تقدم مسارات تحول الطاقة بصورة أكبر، وإن كانت لن توقفها.

ويرى الحجي أن اعتقاد بعضهم بنضج تقنيات الطاقة المتجددة وعدم حاجتها للدعم الحكومي، هو مجرد ادعاء؛ لأن مشروعات تحول الطاقة كلها لم تنجح حتى الآن في منافسة الوقود الأحفوري في الأسواق الحرة.
كما أن كل البيانات المجمعة من الولايات المتحدة وأوروبا تشير إلى ارتفاع التكلفة خلال السنوات الماضية، وأن جزءًا كبيرًا من انخفاض تكلفة الطاقة الشمسية يعود لقيام الحكومة الصينية بدعم المصانع والصادرات، وهو أمر مكلف، إذ تقدم الأرض مجانًا في بعض المناطق، كما تتكفّل الحكومات عوضًا عن الشركات بربط المشروعات بشبكات الكهرباء، وكلها تكاليف لا تحتسب عند المؤيدين.
كما يُغفِل هؤلاء تغيير القوانين لصالح المعاملة التفضيلية لمشروعات الطاقة المتجددة، كما حصل في ولاية تكساس على سبيل المثال؛ حيث غُيِّرت القوانين لمنح الكهرباء المولدة من الرياح أولوية مهما كانت الكمية وبغض النظر عن خسائر الكهرباء المولدة من مصادر أخرى.
وإذا أخفقت محطات الرياح في توفير الكمية التي وعدت بها؛ فليست هناك عقوبات عليها، في حين تنص القوانين نفسها على غرامات كبيرة بالنسبة للمحطات العاملة بالغاز إذا لم تفِ بتعهداتها.
والأهم من هذا كله -بحسب الحجي- أن انخفاض التكاليف الذي يتكلم عنه المؤيدون لتحول الطاقة، لا يشمل تكاليف محطات الغاز الاحتياطية التي تبنى لتغطية فترات انقطاع الكهرباء من الطاقة الشمسية والرياح في أثناء ظروف الطقس غير المواتية.
أما بالنسبة لضعف أداء صناعة الوقود الأحفوري في الأسواق المالية؛ فيعتقد الحجي أنه أمر طارئ ولن يدوم كثيرًا، مع توقعه بأن تؤدي سياسات ترمب إلى ارتفاع الطلب على المنتجات النفطية والغاز بصورة أعلى من المتوقع في السوق.
كما يتوقّع خبير أسواق الطاقة عودة الشركات والبنوك والصناديق للاستثمار في صناعة النفط والغاز دون خوف من رد فعل حكومي أو من بعض المستثمرين أو من وسائل الإعلام التي دأبت على شيطنة الوقود الأحفوري خلال السنوات الماضية.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
- تحليل أداء صناعة الوقود الأحفوري في الأسواق المالية من (sustainable views).
- نقد مغالطات ومبالغات المروجين لمسارات تحول الطاقة من مقال أنس الحجي.
0 تعليق