منذ دخول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في ٢٠ يناير الماضي، والعالم يفيق على تصريحات ومقترحات وقرارات تنذر بإعادة تشكيل النظام العالمي، ويطل على الإعلام يوميًّا بتصريحات ومقترحات صادمة، واضعًا العالم أمام اختيارات صعبة، وفارضًا ضغوطًا وتحديات جديدة تتطلب عملًا دؤوبًا مستمرًّا لمجابهتها.
جاء اقتراح ترامب الأخير بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وإنشاء ما وصفه بـ«ريفييرا الشرق الأوسط» في القطاع المطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط، صادمًا، وإن لم يكن مفاجئًا، فمخططات التهجير موجودة منذ عقود وتطل بوجهها القبيح بين الحين والآخر، لكنها صدرت هذه المرة علانية من رئيس أكبر دولة في العالم مصحوبة بإصرار على التنفيذ، وكأن أصحاب الشأن لا رأي لهم!!.
في اليوم الأول لحديث ترامب عن التهجير، كان هناك حديث متخوف شبه متشائم وسط تساؤلات بشأن قدرتنا على أن نقول لا لأمريكا؛ حاول البعض أن يحسبها بشكل علمي موازنًا بين ثمن الرفض وثمن القبول، لكن جاء الرد الرسمي حاسمًا برفض التهجير ورفض أي مخططات من شأنها تصفية القضية الفلسطينية، لم يأتِ الرد من مصر والأردن، اللتين وضعهما ترامب في قلب مقترحه العجيب، فقط، بل كان ردًّا عربيًّا وعالميًّا أيضًا.
كشفت الأيام الماضية عن قوة ماكينة الدبلوماسية المصرية ورسوخها عبر اتصالات على مستويات عدة، وبيانات قوية واضحة تؤكد ثبات موقف القاهرة وأنه لم يتغير مهما كانت الضغوط، وأوضحت أن السياسة التي اتّبعتها القاهرة منذ بدء حرب غزة كانت بعيدة النظر في إدراك مستهدفات إسرائيل من تلك الحرب.
ولأن التحدي كبير ومختلف، لم يكن الرد مجرد بيانات رفض، أو حشد التأييد العربي والدولي لدحض المخطط، بل أيضًا تضمن وضع حلول عملية بديلة، وأعلن الرئيس «عبدالفتاح السيسي» عزمه على تقديم تصور واضح لإعادة إعمار قطاع غزة يضمن بقاء الفلسطينيين على أراضيهم.
وسارع العرب للالتفاف حول الخطة المصرية، بقيادة الرئيس السيسي، الذي وقف بكل قوة وحزم رافضًا رفضًا قاطعًا لمخططات التهجير، وتمسك بثوابت الشعب المصري العظيم تجاه القضية الفلسطينية، وأعلن منذ اللحظة الأولى ما سمي ب«اللاءات المصرية الثلاث»، (لا للتهجير - لا لتصفية القضية - لا للوطن البديل)، وقبر المخطط من اللحظة الأولى، ووجدنا ملك الأردن، عبدالله الثاني، يقول لترامب: «علينا انتظار رؤية مصر».
واجتمع العرب في قمة مصغرة في الرياض، تمهيدًا لقمة طارئة تستضيفها القاهرة في ٤ مارس المقبل، بهدف صياغة موقف عربي واحد وقوي رافض للتهجير، والاتفاق على خطة واضحة لإعادة إعمار غزة.
تبدو ملامح الخطة الأساسية واضحة في إعادة استغلال الركام وإعمار القطاع في غضون فترة تتراوح بين ٣ و٥ سنوات، لكن يبقى التحدي الرئيسي أمامها هو توفير التمويل اللازم لذلك، والحصول على ضمانات بألا تدمر إسرائيل القطاع مرة أخرى والاتفاق على مَن يدير غزة، والأهم من ذلك الحصول على موافقة ترامب وتل أبيب على الخطة العربية لإعمار غزة، والتي أتوقع أن تتضمن رؤية أوسع لتحقيق السلام في المنطقة.
دفعت تصريحات ترامب الرئيس «عبدالفتاح السيسي» إلى الرفض القاطع لها والوقف بكل قوة وحزم في وجه الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وهو ما ساعد العرب على تلبية نداء مصر بالوحدة والتوحد ضدد استفزازات ساكن البيت الأبيض، ودفعهم إلى وحدة نادرة الحدوث، وجمعتهم على موقف واحد رافض للتهجير، وهو أمر يستحق أن نقول: شكرًا عبدالفتاح السيسي.. آملين أن تستمر وحدة العرب وأن تؤتي ثمارها في أمور أخرى، متجاوزة الخلافات والانقسامات المعتادة.
0 تعليق