اقرأ في هذا المقال
- • العراق يركّز على تعزيز إنتاجه المحلي من الطاقة، خصوصًا في مجال تطوير الغاز
- • العراق أبرم صفقة مع شركة توتال إنرجي الفرنسية لزيادة إنتاجه المحلي من الغاز
- • الاستثمارات الدولية في مشروعات الطاقة تباطأت بسبب عدم الاستقرار السياسي في العراق
- • العراق يبحث حاليًا عن مجموعة من مصادر الطاقة البديلة لتقليل الاعتماد على الواردات الإيرانية
أحرز العراق تقدمًا كبيرًا في تنويع مصادر الطاقة لديه لتقليل الاعتماد على الغاز الإيراني، وهي خطوة مهمة للتخفيف من تأثير العقوبات المحتملة في إمدادات الطاقة من طهران.
وتشمل الإنجازات البارزة تجديد واردات الكهرباء من تركيا بعد انقطاع دام 3 سنوات، مع افتتاح خط نقل بطول 115 كيلومترًا في يوليو/تموز 2024، الذي يسلّم 300 ميغاواط إلى شمال بغداد.
بالإضافة إلى ذلك، بدأ العراق في استيراد الكهرباء من الأردن عبر خط نقل بطول 340 كيلومترًا، ويعمل على ربط شبكته بشبكة كهرباء مجلس التعاون الخليجي، ومن المتوقع أن يكتمل بحلول عام 2025.
وتُعدّ هذه المبادرات مهمة لتأمين إمدادات طاقة أكثر استقرارًا وتنوعًا، بدلًا من الاعتماد على الغاز الإيراني.
استئناف صادرات النفط
إلى جانب الشراكات الإقليمية، فإن استئناف صادرات نفط كردستان في فبراير/شباط 2025 عبر ميناء جيهان التركي يوفر للعراق مصدرًا بديلًا للطاقة والإيرادات.
وتركّز بغداد على تعزيز إنتاجه المحلي من الطاقة، خصوصًا في مجال تطوير الغاز، على الرغم من أن المشروعات الكاملة من المتوقع أن تستغرق من 3 إلى 5 سنوات.
وتشكّل هذه الجهود جزءًا لا يتجزأ من إستراتيجية بغداد طويلة الأجل للحدّ من الاعتماد على واردات الطاقة الإيرانية وضمان أمن الطاقة.
الرد العراقي على العقوبات الأميركية
لمواجهة هذه الضغوط، يبحث العراق عن سبل لتخفيف آثار العقوبات الأميركية، ومن أجل استيراد الغاز الطبيعي، تتفاوض الحكومة مع دول مثل المملكة العربية السعودية والكويت وتركمانستان.
وأبرم العراق صفقة مع شركة توتال إنرجي الفرنسية (TotalEnergies) لزيادة إنتاجه المحلي من الغاز، ويُجري مفاوضات لتأمين إمدادات الغاز من قطر والجزائر.
وعلى الرغم من أن هذه الجهود سوف تستغرق سنوات لتؤتي ثمارها، فإنها ضرورية لخطّة الطاقة العراقية طويلة الأجل.
لذلك، تحاول بغداد تعزيز البنية التحتية للكهرباء وتقليص خسائر الطاقة، بالإضافة إلى السعي إلى استيراد الغاز.
وبحلول عام 2030، تريد البلاد توليد 30% من كهربائها من مصادر متجددة، وتعهدت بركيب 12 غيغاواط من الطاقة الشمسية.
ومن المرجح أن تستمر احتياجات العراق من الطاقة في الأمد القريب في الاعتماد على الواردات الإيرانية، على الرغم من أن مبادرات الطاقة المتجددة هذه تبدو واعدة، وذلك لأن المشروعات الأخرى ما تزال في المراحل الأولى من التطوير.

العوائق الداخلية أمام تنويع مصادر الطاقة
تعوق القضايا المحلية إستراتيجية تنويع مصادر الطاقة في بغداد، حيث تعصف المشكلات المالية بقطاع الطاقة في البلاد، وتتعامل وزارة الكهرباء مع نسبة غير متوازنة بين التكاليف والإيرادات بسبب الفساد المستشري وتحصيل الفواتير غير الفعّال.
بدورها، تعوق قيود الموازنة هذه قدرة الحكومة على الاستثمار في التحسينات الأساسية للبنية الأساسية للطاقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشبكة الكهربائية القديمة في العراق تشكّل عقبة كبيرة، وبسبب سنوات من نقص الاستثمار، تجد الشبكة صعوبة في استيعاب مصادر الطاقة الجديدة.
وتوضح الخسائر التقنية والتجارية الإجمالية الكبيرة في بغداد، التي قد تصل إلى 55% في عام 2023، مدى عدم فعالية النظام الحالي.
وبسبب هذا، فإن دمج المصادر الجديدة -مثل الطاقة المتجددة أو الواردات الإقليمية- دون تحسينات كبيرة أمر صعب.
ويواجه العراق صعوبات في استعمال ومعالجة الغاز من احتياطياته النفطية، وتُعدّ قدرة البلاد على استعمال إنتاج الغاز المحلي لتلبية الطلب على الطاقة محدودة، بسبب البنية التحتية الرديئة لمعالجة الغاز.
وقد نجم التأخير في اتخاذ القرارات وتنفيذ سياسة الطاقة عن عدم التعاون بين حكومة إقليم كردستان وحكومة العراق الاتحادية.
العقبات التنظيمية والسياسية
يعاني قطاع الطاقة في العراق من مشكلات الحوكمة والتنظيم، فمشروعات الطاقة تفتقر إلى إطار تنظيمي واضح، وكثيرًا ما يؤدي التدخل السياسي إلى تأخير تنفيذها.
وتشترك حكومة إقليم كردستان والحكومة الاتحادية في سياسة الطاقة، وهو ما قد يؤدي إلى ازدواجية الجهود وانعدام الكفاءة.
من ناحية ثانية، تزداد محاولات بغداد لتحديث بُنيته الأساسية وتنويع مصادر الطاقة صعوبة، بسبب غياب سياسة طاقة متماسكة.
فضلًا عن ذلك، تباطأت الاستثمارات الدولية في مشروعات الطاقة بسبب عدم الاستقرار السياسي في البلاد.
ومن الصعب اجتذاب الاستثمارات الأجنبية بسبب المخاوف الأمنية المستمرة، خصوصًا في مناطق التي تحتضن البنية الأساسية للطاقة.
ولتحسين مناخ الإصلاحات في قطاع الطاقة، يتعين على بغداد أن تعالج هذه المخاوف المتعلقة بالحوكمة والتنظيم.

الغاز الإيراني إلى العراق
على الرغم من هذه التطورات، ما يزال أمام بغداد طريق طويل قبل أن تتمكن من استبدال الغاز الإيراني إلى العراق، وهي واردات قصيرة الأجل.
وأشار وزير الكهرباء في يناير/كانون الثاني 2025 إلى أن البلاد ستظل تعتمد على الغاز الإيراني لتلبية ما يقرب من نصف احتياجاتها، على الرغم من استيراد الغاز من تركمانستان.
وهذا يؤكد مدى صعوبة قطع جميع محطات الربط الكهربائية الإيرانية قريبًا.
في المقابل، ما يزال عدم الكفاءة والافتقار إلى البنية الأساسية التي يمكن أن تسهّل التخلّي الكامل عن الواردات الإيرانية يؤرّق قطاع الطاقة في البلاد.
إضافة إلى ذلك، تفرض الولايات المتحدة ضغوطًا هائلة على العراق، لتقليل اعتماده على النفط الإيراني.
وقد ألغت إدارة ترمب إعفاء العراق من العقوبات التي سمحت له بشراء الغاز والكهرباء من إيران في 6 فبراير/شباط 2025.
وتُعدّ هذه السياسة أحد مكونات حملة "الضغط الأقصى" الأكبر بموجب مذكرة الأمن القومي الرئاسية (إن إس إن-2).
وقد يؤدي إلغاء الإعفاء إلى قطع ما يقرب من 40% من إمدادات الكهرباء في العراق، وهو ما قد يتسبب في انقطاعات واسعة النطاق للتيار، خصوصًا خلال فصل الصيف.
ونظرًا لأن انقطاع التيار الكهربائي كان سببًا في اندلاع الاحتجاجات تقليديًا، فإن نقص الطاقة بهذا الحجم قد يؤدي إلى تفاقم الاضطرابات السياسية في العراق.
استكشاف مصادر الطاقة البديلة
يبحث العراق، حاليًا، عن مجموعة من مصادر الطاقة البديلة لتقليل الاعتماد على الواردات الإيرانية.
وحسبما ذكرنا سابقًا، بدأت البلاد في استيراد الكهرباء من الأردن في مارس/آذار 2024، واستأنفت الاستيراد من تركيا في يوليو/تموز 2024.
بالإضافة إلى ذلك، يحاول العراق ربط نظامه بالشبكة الكهربائية لمجلس التعاون الخليجي، الذي من المقرر أن ينتهي بحلول نهاية عام 2025.
ومن أجل تقليل الاعتماد على الكهرباء الإيرانية، فإن علاقات التعاون الإقليمية هذه في مجال الطاقة تُعدّ ضرورية.
ويتفاوض العراق على استيراد الغاز الطبيعي مع دول، بما في ذلك المملكة العربية السعودية والكويت وتركمانستان، بالإضافة إلى روابط الشبكة الإقليمية.
وإضافةً إلى المناقشات مع قطر والجزائر، يُجري العراق مفاوضات للحصول على 20 مليون قدم مكعبة من الغاز من تركمانستان.
وقد أبرم العراق شراكة مع شركة توتال إنرجي لتعزيز إنتاجه المحلي من الغاز الطبيعي إلى 70 مليون قدم مكعبة، ورغم أن أغلب هذه المشروعات قد تستغرق سنوات حتى تكتمل، فإن هذه الجهود ستساعد العراق في تنويع مصادره من الطاقة.
على صعيد آخر، يركّز العراق على الطاقة المتجددة، ومن أجل تحقيق هدفه المتمثل في توليد 30% من الكهرباء من مصادر متجددة بحلول عام 2030، تعتزم البلاد تركيب 12 غيغاواط من الطاقة الشمسية.
وفي حالة نجاح هذه المشروعات، فإنها تساعد العراق في تحقيق استقلاله في مجال الطاقة، وتقليل اعتماده بشكل كبير على مصادر الطاقة التقليدية.
تمديد الإعفاء الأميركي ومستقبل الطاقة في العراق
سيواجه العراق صعوبة في إقناع إدارة ترمب بالإبقاء على إعفاء استيراد الطاقة الإيرانية.
ويسلّط انتهاء الإعفاء في فبراير/شباط 2025 الضوء على الصعوبات التي يواجهها العراق في إيجاد التوازن بين احتياجاته من الطاقة والضغوط الأميركية.
إزاء ذلك، يتعين على العراق أن يُظهِر تقدمًا ملموسًا في تنويع مصادر الطاقة من أجل تجديد الإعفاء.
وقد يكون العراق قادرًا على التفاوض على تمديد قصير الأجل من خلال جهوده لتأمين واردات الغاز من المملكة العربية السعودية وتركمانستان، وتوسيع قدرة الطاقة المتجددة لديه، وإقامة محطات ربط كهربائي جديدة مع الأردن وتركيا.
ومن المرجّح أن يخضع أيّ تمديد للجهود الجارية التي يبذلها العراق لتقليل اعتماده على الطاقة الإيرانية، وسوف يتطلب تحقيق أمن الطاقة على المدى الطويل وتلبية متطلبات الكهرباء العاجلة من الحكومة العراقية إيجاد توازن دقيق.
ومن أجل الحفاظ على الأمن ومنع نقص الكهرباء الذي يمكن أن يؤدي إلى الاضطراب السياسي، سوف يحتاج العراق إلى تنويع مصادر الطاقة.
الخلاصة
على الرغم من وجود عقبات تتطلب المعالجة، فإن بغداد تُحرز تقدمًا كبيرًا نحو تنويع مصادر الطاقة.
ومن خلال التحالفات الإقليمية، واستيراد الغاز، ومشروعات الطاقة المتجددة، تحاول البلاد تقليل اعتمادها على الطاقة الإيرانية.
وفي الوقت نفسه، يواجه العراق تحديات كبيرة، بما في ذلك البنية الأساسية المحدودة، والظروف السياسية غير المستقرة، والقيود المالية.
وتُعدّ محاولات بغداد لترقية صناعة الطاقة وإيجاد مصادر بديلة للطاقة ضرورية لأمن الطاقة في المستقبل، حتى لو كان الطريق إلى الاستقلال في مجال الطاقة طويلًا ومعقدًا.
وستُقيَّم جهود بغداد على أساس قدرتها على إدارة المطالب الجيوسياسية من الولايات المتحدة وإيران، مع إيجاد التوازن بين متطلباته الفورية من الطاقة وأهدافه في تنويع مصادرها على المدى الطويل.
الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".
* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق