عاشت جهة الشمال الشهر الماضي حرائق متقاربة ضربت وحدة صناعية وسوقين في كل من طنجة وتطوان، ما دفع السلطات إلى التحذير من خطورتها والدعوة إلى تكثيف جهود مختلف المتدخلين للتحسيس والتوعية بسبل تجنب هذه الحوادث، خاصة على مستوى المدار الحضري.
وكان الحريق الذي شب في سوق بني مكادة بطنجة، وكبد التجار خسائر مادية جسيمة وشل الحركة التجارية في السوق المعروف بالرواج الكبير في شهر رمضان، حلقة جديدة ضمن سلسلة الحرائق التي تضرب الأسواق التجارية في المغرب.
وتأتي هذه الحوادث لتسائل مدى احترام هذه الفضاءات شروط ومعايير السلامة والوقاية من أسباب الحريق، إذ تفيد نتائج التحقيقات في مثل هذه الحرائق بأن العامل البشري والأخطاء في التعامل مع التجهيز ونقل الكهرباء أسباب رئيسية في نشوبها.
أحمد الطلحي، الخبير في البيئة والتنمية، أكد أن “هذه الحوادث في عمومها تكون ناتجة عن أخطاء بشرية عن علم أو جهل”، لافتا إلى أن هناك ضعفا كبيرا على مستوى تملك ثقافة الوقاية من الحوادث والمخاطر وعلى مستوى إدارتها عندما تقع.
وأضاف الطلحي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية: “بالنسبة لثقافة الوقاية من الحوادث والمخاطر دائما عندما نبني مشاريع لا ندمج عناصر وتجهيزات الوقاية من الحوادث، وإن وجدت لا نعمل على تجديدها وصيانتها بشكل منتظم أو بشكل جيد”.
أما بالنسبة لإدارة الحوادث فسجل المتحدث ذاته أن “السمة الغالبة في هذه الحالة أننا لا نعرف كيف نتصرف بشكل صحيح قبل وخلال وبعد حضور الجهات المختصة من عناصر الإطفاء والوقاية المدنية والأمن”، معتبرا أن “التصرفات غير السليمة تزيد من حجم الأضرار”.
ولتفادي تكرار هذه الحوادث في مختلف المشاريع الاستثمارية وفي المرافق العمومية خصوصا أوصى الخبير في البيئة والتنمية، من أجل التقليل من حجم الخسائر والأضرار إذا حدثت، بضرورة “التأكد من وجود عناصر وتجهيزات الوقاية من الحوادث ومواجهتها عند الترخيص للمشاريع، وأن تتوفر دفاتر تحملات خاصة بالوقاية بحسب نوعية النشاط، تحدد فيها الالتزامات والمسؤوليات بشكل واضح لكل الأطراف، وأن ينص فيها على ضرورة صيانة التجهيزات المتعلقة بالوقاية من الحوادث بشكل دوري”.
كما حث الطلحي على “فرض تدخل المهنيين والمختصين لتثبيت تجهيزات الوقاية من الحوادث ومواجهتها”، وشدد على “ضرورة القيام بحملات توعية واسعة في المرافق العمومية وانخراط الجميع في ضمان الوقاية من الحوادث والمخاطر؛ فضلا عن تنظيم عمليات المراقبة للمشاريع والمرافق العمومية بشكل دوري من قبل الجهات العمومية المختصة”.
وأكد المتحدث ذاته على “ضرورة تنظيم دورات تكوينية وتدريبية باستمرار لفائدة العاملين في هذه المشاريع والمرافق العمومية، تركز على كيفية التدخل لمواجهة الحوادث قبل حضور الهيئات المختصة، وكيفية مساعدة هذه الأخيرة في عملها، وكيفية تقديم الإسعافات الأولية للمشاركة السليمة في عمليات إنقاذ الضحايا”.
من جهته سجل يوسف شبعة الحضري، الفاعل والناشط المدني بمدينة طنجة، أن سوق بني مكادة الذي احترق قبل أيام “سوق حديث العهد بالمقارنة مع سوق كسبارطا الشهير بطنجة الذي تعرض لأكثر من حريق”.
وأفاد شبعة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، بأن الكثير من العاملين بسوق “كسبرطا” الذين عاشوا حرائق متعددة “يرجعون نشوب هذه الحرائق إلى لجوء أصحاب المحلات التجارية إلا اعتماد مولد كهربائي لأكثر من محل، ما يتسبب في ارتفاع الضغط الكهربائي”.
ولم يستبعد الناشط المدني أن يكون سبب حريق سوق بني مكادة “اعتماد مولد كهربائي لأكثر من محل على غرار سوق كسبراطا”، مؤكدا أن “هذا الحادث ينبغي أن يؤسس لقطيعة مع هذه الحوادث حتى لا تتكرر الكارثة”.
ودعا المتحدث ذاته إلى “ضرورة التنسيق بين رابطة التجار وباقي المتدخلين، كالمقاطعة والجماعة والسلطات المحلية، بشكل دوري، من أجل تدارس وضعية السوق من الناحية التدبيرية وكذا الأمنية”.
وأشار شبعة إلى أن “هذه الحوادث تطرح تساؤلات حول الأسواق الجديدة، مثل سوق ‘فندق الشجرة’، ومدى استجابتها لشروط السلامة والأمان، خصوصا أن هناك مجموعة من التدابير التي يتم اتخاذها قبل فتح المحلات أو الأسواق، مثل زيارة مصالح الوقاية المدنية والحصول على موافقتها قبل مزاولة أي نشاط تجاري”.
كما لفت الناشط المدني إلى أن “الشركة المفوض لها تدبير قطاع توزيع الماء والكهرباء تتحمل مسؤولية كبيرة عما يجري في أسواق القرب، بحكم أن هناك مراقبين للعدادات يمكنهم بسهولة الوقوف على الخروقات وتغريم المخالفين”، معتبرا أن “مثل هذه التجاوزات تساهم بشكل أو بآخر في تسجيل وتكرار مثل هذه الحرائق”، وفق تعبيره.
0 تعليق