المستشار خالد خلاف يكتب: خطوة إيجابية نحو حماية حقوق الموظفين

الحادثة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

صدر عن المحكمة الدستورية العليا المصرية حكمٌ بالغ الأهمية، يقضي بعدم دستورية البند (6) من المادة (69) من قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016، الذي كان يفرض إنهاء خدمة الموظف إذا انقطع عن العمل لمدة 30 يومًا غير متصلة خلال السنة دون إذن، وذلك دون منحه فرصة لتقديم عذر مشروع. 

قراءة قانونية في حكم المحكمة الدستورية العليا

يمثل هذا الحكم تحولًا كبيرًا في الفقه القانوني المصري فيما يتعلق بحقوق الموظفين، إذ يؤكد أن الوظيفة العامة ليست مجرد امتياز إداري يمكن سحبه بقرار جائر، بل هي علاقة قانونية تحكمها مبادئ العدالة والإنصاف.

يؤسس هذا الحكم لقاعدة جديدة في التعامل مع الموظفين، تقوم على ضمان إجراءات تحقيق عادلة قبل اتخاذ قرارات الفصل، ومنح الموظف فرصة حقيقية للدفاع عن نفسه وتقديم مبررات غيابه. في هذا السياق، تتطلب المرحلة القادمة تدخلًا تشريعيًا عاجلًا لتعديل قانون الخدمة المدنية بما يتماشى مع المبادئ الدستورية، ويحقق التوازن بين الحفاظ على الانضباط الإداري وحماية الحقوق الوظيفية للموظفين.

جاء الحكم في الدعوى رقم 99 لسنة 43 قضائية "دستورية"، والتي تم الفصل فيها يوم 8 مارس 2025، حيث قررت المحكمة عدم دستورية البند (6) من المادة (69) من قانون الخدمة المدنية. وقد صدر الحكم بناءً على طعن تقدّم به عدد من الموظفين الذين تم فصلهم بموجب هذا النص، حيث أكدوا أن الفصل التلقائي دون منحهم الحق في تقديم أعذار أو اللجوء إلى القضاء يتعارض مع الدستور المصري.

اقرأ أيضا

كان النص القانوني المطعون في دستوريته ينص على أن:"تنتهي خدمة الموظف إذا انقطع عن العمل بدون إذن مدة ثلاثين يومًا غير متصلة خلال السنة."

وبموجب هذا النص، كانت الجهات الحكومية ملزمة بفصل أي موظف تجاوز هذه المدة من الغياب المتفرق، بغض النظر عن أسباب تغيبه، وهو ما اعتبرته المحكمة الدستورية انتهاكًا للحقوق الدستورية الأساسية. فقد اعتمدت المحكمة في حكمها على أن النص الملغى كان يفرض قرينة قانونية غير عادلة، تفترض أن كل انقطاع عن العمل هو إهمال متعمد يستوجب الفصل، دون النظر إلى الظروف الخاصة بكل حالة.

استندت المحكمة في حكمها إلى عدد من المبادئ الدستورية الجوهرية، التي رأت أن النص القانوني الملغى كان ينتهكها بشكل واضح. من بين هذه المبادئ، مبدأ العدالة الإدارية، الذي يقتضي أن يكون لكل موظف الحق في الدفاع عن نفسه قبل توقيع أي عقوبة عليه. فالقانون الإداري يقوم على مبدأ أساسي وهو أن العقوبات التأديبية يجب أن تصدر بعد تحقيق إداري، وليس بناءً على افتراضات جامدة لا تأخذ في الاعتبار الظروف الفردية لكل موظف.

كما أكدت المحكمة أن النص يتعارض مع المادة 12 من الدستور المصري، التي تنص على أن "العمل حق لكل مواطن ولا يجوز فصله تعسفيًا". وبالمثل، فإن المادة 14 التي تؤكد أن الوظيفة العامة "حق يقوم على مبادئ الكفاءة والعدالة" تجعل من الضروري أن يكون الفصل قرارًا مستندًا إلى إجراءات موضوعية عادلة، وليس مجرد تطبيق آلي لنص قانوني جائر. بالإضافة إلى ذلك، رأت المحكمة أن النص يتناقض مع المادة 94 التي تنص على أن "الحق في التقاضي مكفول للجميع". إذ أن إنهاء خدمة الموظف دون إعطائه حق الطعن أو الدفاع عن نفسه يمثل اعتداءً على الضمانات الدستورية لحماية حقوق العاملين في الدولة.

بصدور هذا الحكم، أصبح لا يجوز لأي جهة حكومية تطبيق المادة (69/6) لفصل الموظفين مستقبلاً، وهو ما يعني أن قرارات الفصل التلقائي ستصبح باطلة قانونًا ما لم تستند إلى تحقيق إداري منصف. كما أن هذا الحكم يفرض على مجلس النواب المصري تعديل المادة (69)، بحيث يتم وضع ضوابط قانونية أكثر عدالة لفصل الموظف، تتضمن منحه حق تقديم عذر مشروع، وتطبيق مبدأ التدرج في العقوبات التأديبية.

يُعد هذا الحكم خطوة إيجابية نحو حماية حقوق الموظفين، لكنه في الوقت نفسه يفرض على الدولة واجب إصلاح المنظومة الإدارية لضمان عدم استغلال الثغرات القانونية. فلا بد أن يتضمن التعديل التشريعي إجراءات واضحة لقبول الأعذار المشروعة، مع وضع قائمة محددة للأسباب التي يمكن اعتبارها مبررًا للغياب، مثل الظروف الصحية الطارئة أو الأوضاع العائلية القاهرة. 

كما يجب أن تضمن التعديلات أن قرارات الفصل لا تصدر إلا بعد تحقيق إداري مستقل، مع منح الموظف فرصة الدفاع عن نفسه وتقديم المستندات التي تثبت مشروعية غيابه.

من الناحية العملية، يجب أن تُصدر الجهات الإدارية تعليمات واضحة لمسؤولي الموارد البشرية بعدم تنفيذ أي قرار فصل استنادًا إلى المادة (69/6)، وبدلاً من ذلك، يتعين إخضاع كل حالة غياب لفحص دقيق يراعي مبدأ الملاءمة الإدارية والعدالة التأديبية.

يؤكد هذا الحكم أهمية ضمان حقوق الموظفين في مواجهة القرارات الإدارية التعسفية، كما يضع الأساس لمراجعة قوانين الوظيفة العامة لضمان التوازن بين الانضباط الإداري والعدالة الوظيفية. 

وبينما يظل ضبط أداء الموظفين الحكوميين أمرًا ضروريًا لاستقرار المؤسسات العامة، فإن ذلك لا يجب أن يكون على حساب حقوق الأفراد في الدفاع عن أنفسهم والحصول على معاملة قانونية عادلة.
في النهاية، فإن الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا لا يضع فقط حدًا لممارسة قانونية ، بل يُلزم الدولة بإعادة النظر في سياسات التوظيف والتأديب، بحيث تصبح أكثر توافقًا مع المبادئ الدستورية الحديثة، وأكثر إنصافًا. 

تابع أحدث الأخبار عبر google news
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق