أصبحت "الأسطح الباردة" أكثر انتشارًا في الدول الحارة لتبريد المباني على مدار عدّة قرون، خاصةً مع اقتراب أشد أوقات السنة حرارة.
فقد لجأ العديد من الدول إلى طلاء الأسطح باللون الأبيض ليعكس ضوء الشمس؛ ومع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، يبحث العلماء والحكومات بشكل متزايد عن أشكال جديدة من الطلاء الأبيض بوصفه طريقة تبريد رخيصة وسهلة المنال.
ووفق المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، طُليَت مئات الأسطح في المستوطنات غير الرسمية في ولاية غوجارات الغربية في الهند بطلاء أبيض عاكس على مدى الشهرين الماضيين.
وتشكل هذه الجهود، التي تشمل 400 أسرة في أحمد آباد، جزءًا من تجربة علمية عالمية لدراسة كيف تؤثّر الحرارة الداخلية في صحة الناس ونتائجهم الاقتصادية في البلدان النامية، وكيف يمكن أن تساعد "الأسطح الباردة".
تداعيات تغير المناخ في الهند
مع تسبُّب تغير المناخ في جعل فصول الصيف في الهند أكثر تطرفًا، عانت مدينة أحمد آباد من درجات حرارة تزيد على 46 درجة مئوية (115 فهرنهايت) في السنوات الأخيرة.
وقالت عالمة الأوبئة في جامعة هايدلبرغ في ألمانيا، أديتي بونكر، التي تقود المشروع، بدعم من مؤسسة ويلكوم ترست البريطانية: "تقليديًا، كان المنزل هو المكان الذي يأتي إليه الناس للبحث عن المأوى والراحة ضد العناصر الخارجية".
وتابعت: "الآن، يعيش الناس في ظروف سكنية محفوفة بالمخاطر، حيث الشيء الذي كان من المفترض أن يحميهم يزيد -في الواقع- من تعرّضهم للحرارة".
وفي حي فانزارا فاس الفقير في منطقة نارول بالمدينة، الذي يضم أكثر من 2000 مسكن، معظمها منازل دون تهوية من غرفة واحدة، يقول السكان الذين هم جزء من المشروع، مثل نيهال فيجايبهاي بهيل، إنهم لاحظوا فرقًا بالفعل.
قالت بهيل، التي طُليَ سقف بيتها في يناير/كانون الثاني: "ثلاجتي لم تعد تسخن، والمنزل يبدو أكثر برودة.. أنام بشكل أفضل بكثير، وفاتورة الكهرباء الخاصة بي انخفضت".
ومن خلال طلاء الأسطح بطبقة بيضاء تحتوي على أصباغ عاكسة للغاية مثل ثاني أكسيد التيتانيوم، ترسل "بونكر" وفريقها المزيد من إشعاع الشمس إلى الغلاف الجوي وتمنع امتصاصه، وفق ما نقلته وكالة رويترز.

وقالت بونكر: "في الكثير من هذه المنازل ذات المستوى الاجتماعي والاقتصادي المنخفض، لا يوجد ما يمنع انتقال الحرارة إلى الأسفل.. لا يوجد حاجز عازل من السقف".
وستستمر التجربة في أحمد آباد لمدّة عام واحد، وسيجمع العلماء بيانات الصحة والبيئة الداخلية من السكان الذين يعيشون تحت سقف بارد، ومن أولئك الذين لا يعيشون تحت سقف بارد.
ووفق المعلومات التي اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة، هناك مواقع أخرى للدراسة في بوركينا فاسو والمكسيك وجزيرة نيوي في جنوب المحيط الهادئ، وتغطي مجموعة متنوعة من مواد البناء والمناخ.
وقالت بونكر، إن النتائج الأولية للتجربة التي أجريت في بوركينا فاسو تُظهر أن الأسطح الباردة خفضت درجة الحرارة الداخلية بمقدار 1.2 درجة مئوية في المنازل ذات الأسقف المصنوعة من الصفيح والطين، و1.7 درجة مئوية في المنازل ذات الأسقف المصنوعة من الصفيح على مدى عامين؛ وهو ما أدى في وقت لاحق إلى خفض معدل ضربات قلوب السكان.
الطلاء الأبيض والأسطح الباردة
منذ سبعينيات القرن الماضي، كان العلماء والمصنّعون يطورون دهانات أكثر بياضًا للمساعدة في عكس ضوء الشمس والحفاظ على برودة المباني والأسطح الأخرى.
وتحافظ الدهانات البيضاء المتوافرة تجاريًا على برودة المباني أكثر من الدهانات الداكنة؛ لأنها تعكس 80-90% من أشعة الشمس.
ومع ذلك، يحتوي معظمها على ثاني أكسيد التيتانيوم، الذي يمتص نحو 10% من ضوء الشمس، لذلك لا يمكنها خفض درجات الحرارة إلى ما دون المستوى المحيط.
وكانت المنازل المطلية بطلاء عاكس للشمس أكثر برودة بدرجة واحدة من تلك ذات الأسطح غير المطلية، وفقًا لدراسة أجراها المعهد الهندي للصحة العامة عام 2020.
وفي عام 2016، وجدت دراسة هندية مماثلة أن السطح الأبيض يخفض درجة حرارة الهواء الداخلي، في المتوسط، بمقدار 2.1 درجة مئوية. وقالت الدراسة: إن النتائج "تُثبت أن السطح الأبيض له تأثير كبير بخفض درجات حرارة الهواء الداخلي في المباني".
وقال الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون في تصريح سابق عام 2019، إن طلاء سقف المبنى باللون الأبيض يمكن أن يقلل درجة الحرارة الداخلية بما يصل إلى 7 درجات.
ونفى أنجالي جايسوال، من مجلس الدفاع الأميركي عن الموارد الطبيعية، هذا الرقم، إذ أشرف على مشروع تجريبي في مدينة أحمد آباد، غرب الهند، حيث تمّ طلاء أكثر من 3 آلاف سطح بالجير الأبيض في عام 2017.
وقال، إن الأسطح الباردة يمكن أن تخفض درجات الحرارة الداخلية بمقدار 2-5 درجات مئوية، مقارنةً بالأسطح التقليدية، بحسب ما نقلته منصة "ذا ويك" (The Week).

في عام 2014، أجرت مجموعة من جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا تجارب على طبقات من الأسطح العاكسة من أجل تبريد الأسطح؛ ولكن هذه العمليات كانت أكثر كثافة وتكلفة "من مجرد وضع بعض الطلاء".
وبإلهام من هذا العمل، طوّر باحثو جامعة بيردو بولاية إنديانا طلاءً جديدًا، بنهج هجين ما يزال يشتمل على الجانب العاكس، باستعمال مركبات مختلفة لا تمتص الأشعة فوق البنفسجية.
وتعكس تركيبة الطلاء 98.1% من ضوء الشمس والإشعاع الشمسي، في الوقت نفسه الذي يحرّف فيه الحرارة تحت الحمراء، ولأنه يمتص حرارة أقل مما ينبعث منها، فإن السطح المطلي به يبرد إلى ما دون درجة الحرارة المحيطة.
ووجد الباحثون أن استعمال هذا الطلاء لتغطية مساحة سقف تبلغ نحو 1000 قدم مربع، يُمكن أن يؤدي إلى قوة تبريد تبلغ 10 كيلوواط.
وقال شيولين روان من جامعة بيرديو، المخترع الرئيس وأستاذ الهندسة الميكانيكية: "هذا أقوى من مكيفات الهواء المستعملة في معظم المنازل".
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
- انتشار مشروع الأسطح الباردة في الهند من وكالة رويترز.
- الطلاء الأبيض لتبريد المباني من منصة "ذا ويك".
0 تعليق