طرحت ليزا أندرسون، أستاذة العلوم السياسية الأمريكية والرئيسة السابقة للجامعة الأمريكية بالقاهرة، في تحليل حديث نشرته مجلة "فورين أفيرز" سؤالًا جوهريًا: "كيف يمكن للقاهرة أن تصنع السلام وتقود العالم العربي من جديد؟".
وتجدر الإشارة إلى أن أندرسون، أستاذة العلاقات الدولية الفخرية بجامعة كولومبيا، تناولت في تحليلها المؤتمر الصحفي المشترك بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في فبراير. آنذاك، اقترح ترامب أن تسيطر الولايات المتحدة على غزة، وتُفرغها من سكانها البالغ عددهم نحو مليوني نسمة، وتُعيد تطويرها كوجهة سياحية تُعرف بـ"ريفييرا الشرق الأوسط".
ورأت أندرسون أن هذا المقترح مرفوض عربيًا، إذ يُعد بمثابة قبول للتطهير العرقي في غزة، ما وضع الملك عبد الله في موقف حرج، فاعترض وأشار إلى أنه ينتظر خطة بديلة تقدمها مصر.
مصر واستعادة الدور القيادي
رغم أن غزة تقع على حدود مصر، إلا أنها تركتها لعقود لإسرائيل، ثم لحماس. ومع ذلك، فإن الحرب الحالية تمنح مصر فرصة لاستعادة مكانتها في العالم العربي. ففي 4 مارس، كشفت القاهرة عن "رؤية شاملة لإعادة إعمار غزة"، وهي خطة تتألف من 112 صفحة، مزودة بخرائط ورسومات ذكاء اصطناعي، مع جدول زمني مدته خمس سنوات، وميزانية تُقدّر بـ53 مليار دولار.
ملامح الخطة المصرية:
- إعادة تطوير البنية التحتية
- توفير وحدات سكنية لـ 1.6 مليون شخص
- إنشاء ميناء تجاري، مركز تكنولوجي، مناطق صناعية، مطار، وفنادق شاطئية
خلافًا لادعاءات ترامب، تصرّ مصر على أن هذا التطوير ممكن دون تشريد سكان غزة، وهو جوهر الخطة.
ورغم أن إسرائيل رفضت الخطة فورًا، فإن جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي أيّدتاها، كما وصفها وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة بأنها "واقعية". أما واشنطن، فقد أرسلت رسائل متضاربة، إذ رفضها ترامب في البداية، قبل أن يصفها مسؤولون آخرون بـ"خطوة أولى حسنة النية".
إرث كامب ديفيد وتحديات السلام
أوضحت أندرسون أن اتفاقية كامب ديفيد (1978) أنهت الأعمال العدائية بين مصر وإسرائيل، لكنها كلّفت مصر غاليًا؛ فإلى جانب اغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981، عانت القاهرة عزلة عربية طويلة، وأصبحت تعتمد اقتصاديًا على واشنطن.
ورغم أن الاتفاقية جلبت لمصر أكثر من 50 مليار دولار من المساعدات العسكرية، و30 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية بين 1978 و2022، فإن فوائدها الاقتصادية كانت محدودة، حيث بقيت مصر تعتمد على المساعدات الخارجية، كما ارتفع دينها الخارجي من 40 مليار دولار في 2014 إلى أكثر من 160 مليار دولار في 2022.
لكن هذه المرة، تسعى مصر لقيادة مبادرة عربية، لا اتفاق منفصل كما حدث في كامب ديفيد.
التحديات الثلاثة أمام مصر
وفقًا لتحليل أندرسون، واجهت مصر ثلاثة تحديات رئيسية:
- إفشال خطة ترامب التي حوّلت النقاش من التطلعات الفلسطينية إلى مشروع تطوير عقاري.
- إثبات إمكانية إنشاء إدارة فلسطينية مؤقتة تعكس السعي الفلسطيني لإقامة دولة.
- ضمان استمرار تدفق التمويل الخارجي لدعم الاقتصاد المصري المتعثر.
من سيدفع تكلفة إعادة الإعمار؟
تعتقد أندرسون أن دول الخليج الغنية ستكون الممول الرئيسي، بينما ستطلب مصر نسبة من التمويل مقابل دورها كمقاول عام. كما دعت منظمة التعاون الإسلامي المجتمع الدولي إلى دعم الخطة ماليًا.
وفي سياق المنافسة الإقليمية، يبدو أن الصين قد تلعب دورًا بارزًا، خاصة مع تزايد نفوذها في مصر، حيث زار الرئيس عبد الفتاح السيسي بكين أكثر من واشنطن خلال فترة حكمه.
واختتمت أندرسون تحليلها بالإشارة إلى أن مصر، التي قادت السلام في المنطقة قبل 50 عامًا، تسعى اليوم لقيادة حل مستدام للصراع في غزة، مما قد يعيدها كقوة محورية في الشرق الأوسط.
0 تعليق