أشهر حسن أوريد، الكاتب والمفكر المغربي البارز، ورقة “الكونية” وهو يختبر التطورات التي تجري في العالم وخلقت التباساً في مفاهيم المثقف والسياسة، مشدداً على أن “أزمة الفعل السياسي أو أزمة المثقفين لا تعتبران شأناً مغربيا خالصا”، وزاد: “واهم من يعتقد ذلك… هي ظاهرة كونية تُطبع بالضرورة بخصوصية مغربية”.
أوريد، خلال لقاء ثقافي نظمه مركز الدراسات والأبحاث عزيز بلال، مساء الأربعاء، حول موضوع “المثقف والسياسي: أية علاقة؟”، استلهم عبارة “الشاعر ابن زمانه” وقال: “المثقف ابن زمانه ومكانه، لا يمكنه أن ينسلخ عن الزمن الذي يعيشه ولا الفضاء أو الحيز الذي يتنفّس فيه”، وتابع: “لا نستطيع الاستدلال بمثقفين سابقين لنحلّ قضايا آنية. أشعر بالكثير من الأسى تجاه بعض الشرائح التي يسكنها هذا الحنين”.
واستبعد صاحب “من أجل ثورة ثقافية بالمغرب” إمكانية استغناء أي مجتمع عن “المثقّفين كشريحة تضطلع بدور النقد والتنوير”، مردفا: “الأمر أشبهُ بسيارة تُساق بدون إنارة. لابد من عناصر تطرح الأسئلة ولها قدرة نقديّة يمكن أن تشكّل ضميراً، خصوصاً أمام الفراغ الذي أفضى إلى اللحظة الشعبوية وانهيار التوافق”، ومحذراً من كون “الشعبوية صارت تعدّ اليوم نسخة متحورة عن الفاشيّة”.
ومن الأشياء التي صارت “تنفّرُ” أيضاً، وفق المفكر المغربي، “احترافية السياسية.. لم تعد إنسانية”، موردا: “نعيش اليوم وضعاً معيناً لا أجرؤُ على تسميته بموت السياسة، لكنه إعلان لنهايتها؛ بمعنى أن ما تقوم به الأحزاب غير ذي جدوى. يمكن أن يصل الفاعل الحزبي إلى التدبير دون تغيير أي شيء.. وهذه الظاهرة ليست حكرا على المغرب”، واسترسل: “ينبغي العودة إلى الفعل السياسي كي ننجو من تيار يجرفنا نحو توجهات شعبوية أو سياسة غير مهيكلة”.
ومضى الكاتب شارحاً: “نعيش ضعف الهيئات الوسيطة كما نعيش ضعف السرديات، لابدّ أن يسهم المثقف في قدح وإشعال فتيل السياسة”، وأضاف: “نحتاج إلى المثقف لفهم العالم. لدينا مثقفون لا يقرؤون ولا يتابعون؛ عندما يقدّمون أجوبة يقومون بذلك انطلاقاً من إحالات على الماضي. الدليل أننا طرحت علينا قضايا كثيرة لم نستطع حلها. الأسرة مثلاً؛ إلى الآن لم نأت بجواب شاف حول مسألتها رغم مرور 20 سنة. ونحن نعيد الكرّة الآن”.
ودعا صاحب “الإغراء الأخير للغرب” إلى “التمييز بين المفكر والداعية، ومن ثمّ التمييز بين الفكر والمعتقد”، وواصل: “لا أطلبُ تجاوز المعتقد، لكني لا أحبذ خوض حوار مع الذين ينطلقون من المعتقد”، واستطرد: “نحتاج أيضا إلى التقنية مع أنها ليست فكراً”، رافضاً في الوقت نفسه “انتحال التقنوقراطي لصفة المثقف أو الترامي على مهمة السياسي”، موردا:
“التقنوقراط يمكنه تدبير قضايا معينة لكنه ليس بديلا عن السياسي في تفاعله مع الجماهير”.
كما توسّع الأكاديمي المغربي في تفكيك “الترابط” بين ممارس الثقافة ومحترفها، مسجلاً أن “المثقف أساسا هو شخص يمارس السياسة ببدلة مدنية، فيما يمارسها السياسي بشكلها الاحترافي”، وأردف: “عندما نستقرئ أقرب النماذج في الغرب نجد المثقف منخرطاً في الشأن السياسي إما نقديا أو عضويا أو ملتزماً؛ فهو مُزاول حتى لو لم يكن منخرطاً في الحزب أو في قواعد ممارسة السياسة”.
وخلص المتحدث إلى أننا “نعيش في سياق معولم، وبقدر ما نعيش عولمة الاقتصاد نعيش عولمة القضايا السياسية”، مواصلا: “المسائل التي تطرح في الغرب تلح علينا، والقضايا الرائجة لدينا تجد أصولها في الغرب، كعزوف الجماهير عن السياسية. هذا ليس أمرا حاصلاً لدينا فقط”، وأورد: “السياق العالمي يعرف اندحار السياسة وتواري الثقافة. هي ظاهرة بلغتنا بصورة من الصور”.
0 تعليق