تهريب الوقود في ليبيا.. قصة "الصندوق الأسود" وأول رد رسمي

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نمت عمليات تهريب الوقود في ليبيا خلال السنوات الأخيرة لتسجل أرقامًا مثيرة للجدل إلى حد كبير، في ظل محاولات قطاع النفط للتعافي من تداعيات الصراعات الأهلية على مرافق الإنتاج والتصدير.

وكشفت بيانات -وردت في تقرير أممي اطلعت منصة الطاقة المتخصصة (مقرها واشنطن) على تفاصيله- أن التجارة غير المشروعة تكبد طرابلس خسائر مليارية سنويًا، وسط اتهامات لميناء "بنغازي" بوصفه بوابة التهريب الأولى في البلاد.

ورغم نمو جذور تجارة التهريب منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، إلا أن التجارة زادت بشكل ملحوظ خلال السنوات الـ4 الأخيرة.

وتبدو هذه التجارة المشبوهة مكتملة الأركان، سواء عبر تورط أطراف داخلية أو تزايد عدد الشركات الخاصة وغير المعروفة وارتباطها بعملية الاستيراد.

تقرير الأمم المتحدة عن تهريب الوقود في ليبيا

أشار تقرير الأمم المتحدة عن تهريب الوقود في ليبيا لدلائل عدة تُشير إلى تجارة منظمة من شأنها نهب ثروات ودعم البلاد.

وخلص الخبراء ومعدو التقرير إلى أن النهج الذي تتبعه مؤسسة النفط الليبية حول "مقايضة الخام بالوقود"، يعد السبب الرئيس وراء نمو هذه الظاهرة.

وفسروا ذلك بأن ضعف قدرات التكرير المحلية تدفع بالبلاد إلى تصدير النفط الخام، ثم شراء واردات وقود ومنحها الدعم الحكومي اللازم لعدم تحميل المستهلك المحلي بأعباء مالية إضافية.

أزمة الوقود في ليبيا
طوابير أمام محطات الوقود في ليبيا - أرشيفية

وحتى هذه النقطة يبدو الأمر منطقيًا، لكن ما هو خارجًا عن المألوف كان إعادة تحميل الوقود المستورد والمدعوم لبيعه في السوق السوداء وخارج البلاد بأسعار أعلى.

ويبدو أن نقص الموارد المالية حال دون دفع فاتورة استيراد الوقود مباشرة دون مبادلته بالخام.

ولم تستفد، رابع أكبر الدول الأفريقية وسابع أكبر عضو يملك احتياطيات في منظمة أوبك، لم تستفد بعوائد بيعه في السوق السوداء وتهريبه بالكامل، إذ يذهب جزء من هذه العائدات إلى جماعات تابعة للفصائل المتنازعة داخليًا.

مبادلة النفط الليبي والوقود

طُرحت فكرة مبادلة النفط الليبي والوقود بشكل واضح قبل 4 سنوات، وكانت إحدى الخيارات المطروحة من قبل مؤسسة النفط لتجاوز أزمة نقص الدولار اللازم لدفع فاتورة واردات الوقود.

وزادت واردات ليبيا من المشتقات النفطية الروسية خلال هذه الآونة، إذ طرح رئيس المؤسسة الأسبق "مصطفى صنع الله" في أبريل/نيسان 2021 عملية المبادلة لمنع أزمة وقود كانت متوقعة في البلاد، بحلول مايو/أيّار من العام ذاته.

وفي 2022، تولى فرحات بن قدارة مسؤولية مؤسسة النفط الليبية، ومنذ ذلك الحين زادت وتيرة مبادلة الخام والوقود.

وخلال المدة من عام 2021 حتى 2023، سجلت عائدات المبادلة 8.65 مليار دولار، مرتفعة لما يزيد عن الضعف.

وربط تقرير الأمم المتحدة بين تجارة إعادة تهريب الوقود المستورد والمدعوم ماليًا من الحكومة الليبية، وبين الصراع السياسي الداخلي في البلاد، إذ كشف التقرير تورط قوات حفتر في الاستيلاء على جانب من عائدات التهريب من ميناء بنغازي.

ويُشار إلى أن عائدات قطاع النفط الليبي تشكل 95% من ميزانية البلاد.

أسطول ناقلات وشركات تجارة التهريب

اتفقت المعلومات التي رصدها خبراء أمميون مع التحليل السابق ذكره، إذ فقدت بيانات تتبع السفن أثر ناقلة المشتقات النفطية الحاملة لعلم الكاميرون "ماردي" نهاية مارس/آذار 2024، وعقب شهر من هذا التاريخ ظهرت الناقلة شمال ليبيا.

وكشف الخبراء أن هناك 48 ناقلة -من بينها "ماردي"- زارت ميناء بنغازي القديم 14 مرة حتى تاريخ صدور تقرير الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

وقالو إن هذه الناقلات تسببت في تهريب 13 ألف طن ديزل من ليبيا، خلال المدة من مارس/آذار 2022 وأكتوبر/تشرين الأول 2024.

احتياطيات حقل الشرارة النفطي في ليبيا
حقل الشرارة النفطي في ليبيا- الصورة من مؤسسة النفط

ومن جانب آخر، بدأ ظهور مثير للجدل لشركات غير معروفة لها يد في عملية تصدير النفط الخام واستيراد الوقود وإعادة تهريبه.

وتضمن ذلك، بدء تصدير الخام للمرة الأولى من قبل شركة "أركينو Arkenu" الليبية الخاصة، بخلاف المعتاد عليه من تولي المؤسسة الوطنية هذه المهمة.

وكشف تقرير الأمم المتحدة أن شركة "أركينو" على صلة بالجماعات المسلحة المتمركزة في شرق البلاد وتؤول لطريقة غير مباشرة لاستثمارات تابعة لنجل "خليفة حفتر"، وصدرت الخام -بإذن المؤسسة الوطنية- بقيمة تعادل 463 مليون دولار.

وتساءل معنيون عن كيفية تأمين شركة نشأت عام 2023 لعقود تصدير النفط الليبي، ومدى تورطها في أعمال غير قانونية.

وذكر التقرير الأممي أن تجارة تهريب الوقود في ليبيا شهدت ظهور 8 شركات -تتخذ غالبيتها من الإمارات مقرًا لها- ولا تصنف كشركات نفطية أو لتجارة السلع.

ورغم أن هذه الشركات أُسست حديثًا ولا تملك اسمًا في صناعة النفط العالمية، لكنها حصلت على موافقة رئيس المؤسسة الوطنية في ليبيا على توريد الوقود للبلاد.

بيانات واردات ليبيا من الوقود

بلغت واردات ليبيا من الوقود 5.5 مليون طن في 2020، ومع سريان نشاط نظام المبادلة قفزت إلى 10.35 مليون طن العام الماضي.

وزاد معدل الاستيراد من روسيا خلال العامين الأخيرين 2023 و2024 حسب بيانات كبلر، في ظل تحجيم نطاق صادرات موسكو بموجب العقوبات.

ويُتيح نظام المبادلة استيراد ليبيا لنحو 70% من احتياجات الديزل، طبقًا لتقرير الأمم المتحدة.

وقُدر الطلب على الوقود في ليبيا عام 2023 بنحو 11 مليون طن، ما يشير إلى أن استهلاك الفرد يصل إلى ألفي لتر (يعادل 3 أضعاف المتوسط العالمي).

ووفق الترتيب المرحلي، تُصدر مؤسسة النفط والشركات الخاصة التابعة لها النفط الخام وتتعاقد على واردات وقود بذات القيمة، وفور تلقي الشحنات تقر المؤسسة قيمة الدعم وتمنحها للموزعين والمستهلكين.

ويبدو أن الأسعار المخفضة تغري المنخرطين بتجارة تهريب الوقود في ليبيا، بإعادة بيع هذه الكميات المدعومة حكوميًا بأسعار أعلى للسوق المحلية وخارج البلاد أيضًا ما يثير أزمة محلية.

وانتقد محللون التوافق بين السلطات المتنازعة على رأس السلطة في ليبيا فيما يتعلق بتجارة تهريب ونظام مبادلة الخام والوقود، وسط اتهامات بتقاسم هذه الأطراف للعائدات غير القانونية، وفق ما أورده تقرير لفايننشال تايمز.

مؤسسة النفط الليبية
مقر مؤسسة النفط الليبية- الصورة من موقعها الإلكتروني

تجارة الصندوق الأسود

قال الباحث في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، ولفرام لاكر، إن نظام المبادلة حول تجارة الوقود إلى "صندوق أسود".

وبدأت طرابلس دخل في دائرة مفرغة، وكلما زادت وتيرة عمليات تهريب الوقود في ليبيا احتاجت البلاد لاستيراد المزيد من الإمدادات، وارتفع معها تكلفة الدعم.

وخاطب محافظ البنك المركزي الليبي رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة في مارس/آذار العام الماضي، مؤكدًا أن واردات الوقود تصل قيمتها إلى 8.5 مليار دولار سنويًا.

وأشار إلى أن تكلفة الدعم بلغت 12.5 مليار دولار خلال المدة من عام 2021 حتى 2023، يخصص لددعم الوقود 8.4 مليار دولار منها.

وأكد المسؤول المالي أن الدعم كلف خزينة الدولة المليارات خاصة أن غالبية الواردات يعاد تهريبها.

ومنذ مارس/آذار 2022، تورط ميناء بنغازي القديم في 185 عملية لتهريب الديزل، بإجمالي 1.125 مليون طن، وفق التقرير الأممي.

ويبدو أن موقف النائب العام المعلن مؤخرًا -بعد إجراء تحقيقات بوقف عملية المقايضة- سيغير المشهد، خاصة في ظل ضغوط محلية ودولية وتقارير أممية.

وطالب النائب العام مؤسسة النفط -منتصف يناير/كانون الثاني الماضي- بإلغاء نظام مبادلة الخام والوقود، واتباع نظام العقود المعلنة خلال الاستيراد، خاصة أن النظام تسبب في زيادة عمليات التهريب.

ووافق فرحات بن قدارة على إلغاء نظام المبادلة، إلا أنه ترك منصبه مطلع العام الجاري، وتعهد خلفه "مسعود سليمان" بوقف هذه العمليات بدءًا من الشهر الجاري رغم المخاوف من أزمة وقود إذا قلصت ليبيا فاتورة الواردات.

رد مؤسسة النفط الليبية

أصدرت مؤسسة النفط الليبية، بيانًا قبل ساعات، تنفي مزاعم تورط شخصيات نافذة في ليبيا في شبكات تهريب النفط وغسيل الأموال.

وأضافت أن التقرير المتداول لم يصدر عن لجنة العقوبات الدولية التابعة لمجلس الأمن، وأن المعلومات الواردة فيه غير دقيقة وغير موثقة من أي جهة رسمية.

وأوضحت أنها تعمل بالتنسيق مع الجهات المختصة محليًا ودوليًا لمكافحة تهريب النفط، وتدعم أي جهود دولية تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة التي تضر بالاقتصاد الوطني.

وقالت، أن مكافحة التهريب من اختصاص الجهات الأمنية، كما أن جميع عمليات البيع والتصدير تتم وفق الأطر القانونية المعتمدة وأن جميع الإتفاقيات معتمدة من الجهات المختصة حسب القانون، وتخضع لرقابة مشددة من الجهات الليبية والدولية ذات العلاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصادر:

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق