المسطرة الجنائية تفتح قنوات التواصل القضائي مع الرأي العام لضمان الشفافية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

من أبرز المقتضيات الجديدة في الشق المتعلق بهدف “تقوية الثقة في المَحاضر التي تنجزها الشرطة القضائية لتحقيق الثقة والمصداقية لأداء العدالة الجنائية”، أكد مشروع القانون 03.23 بتغيير وتتميم القانون 01.22 المتعلق بالمسطرة الجنائية على “تخويل النيابة العامة إمكانيةَ إطلاع الرأي العام على القضية والإجراءات المتخذة فيها، دون تقييم الاتهامات الموجهة إلى الأشخاص المشتبه فيهم والمتهمين. ويتولى أحد قضاة النيابة العامة مهمة ناطق رسمي للمحكمة للتواصل مع الرأي العام”، وفق منطوق المادة 15 من المشروع الجديد.

ووفق ما طالعته هسبريس في المادة المذكورة، التي تدخل ضمن “الإجراءات المستحدَثة بمقتضى المشروع”، فإن المسطرة الجنائية الجديدة، التي صادق عليها مجلس الحكومة نهاية غشت المنقضي، أوردت “غيْرَ أنه يجوز للنيابة العامة، عند الاقتضاء، إطلاع الرأي العام على القضية والإجراءات المتخذة فيها، دون تقييم الاتهامات الموجهة إلى الأشخاص المشتبه فيهم والمتهمين”.

ونصّ المشرع على أنه “دون الإخلال بمهام الاتصال والتواصل التي تباشرها الإدارات والمصالح والسلطات العمومية المعنية، يمكن للنيابة العامة أن تأذن للشرطة القضائية بنشر بلاغات حول القضايا المسجلة دون الكشف عن هويات المشتبه فيهم أو المساس بحياتهم الخاصّة”، موضحا أنه “يتم تعيين قاض أو أكثر للنيابة العامة يتولّى مهام ناطق رسمي للمحكمة للتواصل مع الرأي العام”.

“لا يعد إفشاءً لسِرية البحث والتحقيق نشرُ الأسماء والصور والرسوم التقريبية للمشتبه فيهم أو المتهمين الفارين من العدالة”، يلفت النص القانوني للمسطرة الجنائية الانتباه، مسجلا ضرورة أنْ “تُراعى في كل الأحوال قرينة البراءة وحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي”.

“المعلومة من مصدرها المسؤول”

المختار أعمرة السباعي، مختص في القضايا الأمنية والجنائية وأستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن هذا “الإجراء معمول به في التشريعات المقارنة بدول عريقة ديمقراطيا (أمريكا وبريطانيا)، وفي أجهزة إنفاذ القانون حماية لسمعة المشتبه فيهم وقرينة البراءة”.

وأضاف مشددا على أهميتها “لسبب بسيط جدا هو أن مصدر المعلومة يكون مسؤولا ولأن حيثيات الوقائع تكون تحت أنظار مسؤولي النيابة العامة التي تشتغل تحت إشرافها الضابطة القضائية”.

وسجل أعمرة، في تصريح لهسبريس، أن “النيابة العامة لها هذه الإمكانية للتواصل حول قضية مطروحة بحكم كونها متدخلة في مسار القضايا من مسرح الجريمة إلى أطوار المحاكمة”، لافتا الانتباه إلى “الضمانة الحقيقية التي تكرس مسؤولية أمام الهيئة والرأي العام”.

وفي تقدير الخبير القانوني نفسه “فإن قاضي النيابة العامة الذي سيكلف بالتواصل سيكون شخصاً له معلومة دقيقة ومؤكدة مع استحضار أن الأساس هو قرينة البراءة (المتهم يبقى بريئا حتى تثبت الإدانة بحكم قطعي نهائي)”، منوها بإسناد الأمر إلى مؤسسة النيابة العامة، “فضلا عن توفرها على المعلومة، فهي تراعي الضوابط القانونية الواجب احترامها لفائدة طرفيْ القضية (الضحية والمتهم)”.

وأوضح أن “التصريحات أو المعلومات في مجتمع فيه نسَب أمية قانونية جد مرتفعة، يصبح المتهم الذي هو في الأصل بريء، ضحية بدوره للرأي العام، الذي صار توجيهه سهلا عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي أو بعض المنابر الإعلامية التي لا تشتغل وفق ضوابط مهنية، علماً أن الهاجس بالنسبة لهذه المصادر ليس تحقيق العدالة أو حماية المجتمع من الظواهر الإجرامية المنحرفة بقدر ما يهمها تحقيق نسب عالية من المشاهدات والمتابعات، في حين أن المتهم عند تبرئته يكون قد تعرّض ليس بشكل شخصي ولكن على مستوى أسرته الصغيرة ووسطه المجتمعي للنبذ والتنمر، دون منحه فرصة استرداد كرامته أو سمعته التي مُسّت بشكل واسع داخل المجتمع المغربي ما دام المتابع لهذه المصادر غير محدد في فئات عمرية أو مجتمعية”.

وختم قائلا: “مما يؤكد صوابية المشرّع المغربي وكونه موفَّقا في إدراج هذا التعديل أن مؤسسة النيابة العامة تكتفي في سلطتها بتقديم المعلومة دون تكييف قانوني للتهم التي تبقى من اختصاص القضاء الجالس (قضاء الحُكم)”، مشيرا إلى أنها مادة تضمن “المساهمة في شفافية علاقة السلطات القضائية بالرأي العام، وهو إجراء مستجد في مصلحة الصحافيين المهنيين”.

“تحت مجهر الرأي العام”

من جهته يرى يونس باعدي، مختص في العلوم الجنائية، أن “مشروع المسطرة الجنائية انطوى على مجموعة من المستجدات القانونية، التي جاءت بأفكار وتوجهات جديدة وحديثة”، مسجلا بإيجابية المستجد المتعلق بـ”إمكانية إطلاع الرأي العام على مستجدات القضايا المطروحة من طرف النيابة العامة دون تقييم الاتهامات الموجهة إلى الأشخاص المشتبه فيهم والمتهمين احتراما لمبدأ كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئاً إلى أن تثبت إدانته قانوناً بمحاكمة علنية تؤمّن له فيها الضمانات الضرورية للدفاع عنه”.

وأضاف باعدي، في تصريحه لهسبريس، “تماشيا مع ذلك، ولضمان الشفافية القضائية وتحقيقا للأمن القضائي، أتاح النص القانوني صراحةً إمكانية إطلاع الرأي العام طبعا من خلال قنواته القانونية الرسمية، إما من طرف الشرطة القضائية التي يمكن لها بعد إذن النيابة العامة أن تنشر بلاغات حول القضايا المسجلة دون الكشف عن هويات المشتبه فيهم أو المساس بحياتهم الخاصة أو من طرف أحد قضاة النيابة العامة، الذي يتولى مهمة ناطق رسمي للتواصل مع الرأي العام، بعيدا عن الأخبار الزائفة والقصص الكاذبة، وحفاظًا على السير العادي لمراحل التقاضي وضمانا لحقوق الأطراف والخصوم في الدعوى الجنائية”.

هذا سيجعل الرأي العام، وفق الخبير الجنائي، “يتابع عن قرب كل مجريات القضايا المطروحة أمام القضاء، والتي تكون لها صبغة عامة، بمعنى أنها تهم كل أشكال الرأي العام باختلاف أشكاله واهتماماته، مما سيساهم لا محالة في إقرار عدالة جنائية تهدف إلى دعم الرقابة الاجتماعية على القضاء، مع احترام خصوصية الأطراف، وجعل العلاقة أكثر شفافية تواصلياً بين السلطات القضائية والرأي العام حول القضايا المطروحة التي سوف تصبح تحت مجهر الرأي العام”.

“قاعدة المشروعية”

في قراءة أخرى، ذكّر عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم القانونية بجامعة الحسن الأول بسطات، بأن “المقتضيات القانونية للمسطرة الجنائية محكومة بقاعدة المشروعية، أي أن المتدخلين في هذه المساطر ملزَمون بالتقيّد بهذه القواعد”.

وأضاف اليونسي، في تصريح لهسبريس، “لهذا يحرص المشرّع على صياغتها بلغة واضحة غير قابلة للتأويل؛ وبالرجوع إلى منطوق المادة فالأصل في هذه المسطرة هو السرية، ويجوز للنيابة العامة عدم التقيد بهذه السرية، وهو أمر متروك للسلطة التقديرية للنيابة العامة. وعليه، من المحاذير أن يتم التعامل بانتقائية في إعمال هذا المقتضى”. قبل أن يستدرك قائلا: “لكن هذه المادة فيها إيجابيات، لعل أهمها تحديد ناطق رسمي باسم النيابة العامة لتنوير الرأي العام بشأن القضايا التي تستأثر باهتمامهم أو تهمُّهم”، مُضيفا أن ذلك “يضمن نوعا من الطمأنة في بعض القضايا المعروضة، وكذا شفافية المساطر المتخذة، مع ضرورة احترام قرينة البراءة وخصوصية المعطيات الشخصية”.

وخلص في قراءته إلى أن “المادة 15 يمكن أن تفتح باب مقاضاة الدولة في شخص مَن يمثلها حسب الحالة والمتدخل في المسطرة في حالة عدم احترام هذه المقتضيات”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق