في خطوة تاريخية تضع مصر على خارطة الصناعات التكنولوجية العالمية، أعلنت الحكومة المصرية عن دخول البلاد نادي الدول المتقدمة في صناعة الكابلات البحرية، لتصبح 6 دولة على مستوى العالم تمتلك القدرة على تصنيع هذه التكنولوجيا الحيوية، والأولى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
هذا الإنجاز، الذي يجمع بين الموقع الاستراتيجي والطموح الاقتصادي، يعكس رؤية مصر للتحول إلى مركز رقمي وصناعي رائد، في وقت يتزايد فيه الطلب العالمي على البنية التحتية للاتصالات.
استثمارات بـ نصف مليار دولار في الكابلات البحرية

في مارس الجاري، كشف المهندس كامل الوزير، وزير النقل والصناعة المصري، عن تفاصيل مشروع إنشاء أول مصنع للكابلات البحرية في مصر، باستثمارات تصل إلى 500 مليون دولار.
وأشار الوزير إلى أن المصنع على مساحة 500 ألف متر مربع ضمن منطقة صناعية لوجستية متكاملة في ميناء دمياط، بالتعاون بين الشركة القابضة للنقل البحري وشركة "السويدي إليكتريك"، إحدى كبريات الشركات المصرية في الصناعات الكهربائية.
وأوضح ان المصنع يضم برجا عملاقا بارتفاع يزيد عن 180 مترًا، ليكون أحد أطول الأبراج في العالم المخصصة لهذه الصناعة، مما يضمن جودة إنتاج عالمية تلبي أعلى المعايير.
وأكد الوزير، أن المصنع سيكون مركزا رئيسيا للتصدير، حيث سيتم توجيه 100% من إنتاجه إلى الأسواق العالمية، خاصة أوروبا، الشرق الأوسط، وأفريقيا.
2000 فرصة عمل جديدة
وفقا لتقديرات خبراء الاقتصاد، سيوفر أول مصنع للكابلات البحرية في مصر أكثر من 2000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة خلال السنوات الثلاث الأولى، معظمها في مجالات الهندسة والتكنولوجيا المتقدمة، كما سيعزز الصناعات المغذية المحلية بنسبة تصل إلى 30%، حسب دراسة أولية أجرتها وزارة الصناعة في يناير 2025.
مصر في نادي الكبار لصناعة الكابلات البحرية

كانت صناعة الكابلات البحرية حتى الآن حكرا على خمس دول فقط، وهي الولايات المتحدة، الصين، اليابان، فرنسا، والنرويج، التي تتفوق في التكنولوجيا والخبرة اللازمة لتصنيع هذه الكابلات، العمود الفقري لشبكة الإنترنت العالمية.
ومع دخول مصر هذا المجال، تنضم إلى هذا النادي الحصري كسادس عضو، متفوقة على منافسيها الإقليميين لتتربع على عرش ريادة صناعة الكابلات البحرية في الشرق الأوسط وأفريقيا.
بينما تعتمد اليابان والنرويج على الكفاءة العالية، والولايات المتحدة والصين على الحجم الإنتاجي، تقدم مصر مزيجا فريدا من التكلفة التنافسية والموقع الجغرافي المثالي، مما يجعلها مرشحة للهيمنة على الأسواق الأفريقية والمتوسطية.
أهمية الكابلات البحرية
تعد الكابلات البحرية الشريان الرئيسي للاتصالات العالمية، حيث تنقل أكثر من 97% من البيانات والاتصالات عبر القارات، من المكالمات الهاتفية إلى بث الفيديو وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
ومع تزايد الاعتماد على التقنيات الرقمية، أصبحت هذه الكابلات أداة استراتيجية للدول الطامحة للهيمنة على سوق التكنولوجيا.
وتتميز مصر بموقع جغرافي يربط بين أوروبا، آسيا، وأفريقيا، حيث تعبر أراضيها 24 كابلا بحريا، تمثل 17% من إجمالي الكابلات العالمية، لتحتل المرتبة الثانية عالميا بعد الولايات المتحدة، وفقًا لخريطة الكابلات المحدثة حتى مارس 2025.
حلم تصنيع الكابلات البحرية.. هدف لتعزيز السيادة الرقمية

وتعد القدرة على تصنيع الكابلات محليا تقلل من مخاطر الاعتماد على الدول الأجنبية في الأزمات، وتعزز سيادتها الرقمية بحماية البيانات العابرة لأراضيها.
ويرى المحللون أن هذه الخطوة ستعزز نفوذ مصر الإقليمي في منطقة تشهد تنافسًا شرسا بين القوى الكبرى، فلم تكتف مصر بكونها ممرا للكابلات، بل تسعى لتصبح لاعبا رئيسيا في تصنيعها.
وفي هذا السياق، رفعت الشركة المصرية للاتصالات حصة مصر من عرض النطاق الترددي للكابلات البحرية إلى 2.6 تيرابت في الثانية خلال 2024، فيما يمتد مشروع "2Africa"، أكبر نظام كابلات بحرية في العالم، عبر 35 موقعًا في 26 دولة، بما في ذلك مصر، ليوفر سعة تصل إلى 180 تيرابت في الثانية عند اكتماله.
وتتوقع الدراسات أن تصل قيمة سوق الكابلات البحرية العالمية إلى 32.48 مليار دولار بحلول 2029، بمعدل نمو سنوي مركب 8.63%، وفقًا لتقرير "Telecom Review Arabia" في فبراير 2024.
وقال جوناثان هيلمان، خبير الاتصالات بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن: "دخول مصر هذه الصناعة ليس مجرد إنجاز اقتصادي، بل خطوة ذكية لتعزيز نفوذها الإقليمي، وذلك لأن موقعها الاستراتيجي سيجعلها لاعبًا لا غنى عنه".
مستقبل صناعة الكابلات البحرية في مصر
يأتي مشروع صناعة الكابلات البحرية، ضمن رؤية مصر 2030 لتحويل البلاد إلى مركز رقمي وصناعي رائد، ويتوقع المراقبون أن يمهد الطريق لتطوير صناعات متكاملة، مثل مراكز صيانة الكابلات وتكنولوجيا الروبوتات البحرية، مع خطط لزيادة الطاقة الإنتاجية بنسبة 50% بحلول 2030.
كما أنه من المتوقع من تطور هذه الصناعة، أن تصبح مصر مركزًا لتدريب الكوادر الإقليمية، مما يعزز مكانتها كقائد إقليمي في هذا المجال، فبإعلانها هذا المشروع الضخم، تؤكد مصر أنها لم تعد مجرد ممر للبيانات، بل شريك أساسي في صناعة مستقبل الاتصالات في العالم.
0 تعليق