يؤدّي المغرب دورًا مهمًا في الاتجاه العالمي نحو خفض انبعاثات الغذاء، وسط اتهامات لقطاع الأسمدة بزيادة معدل التلوث.
وتُشير إمكانات الرباط والمشروعات قيد التطوير حاليًا إلى طفرة هائلة في قطاع الأسمدة ودور حيوي للمكتب الشريف للفوسفاط (مجموعة أو سي بي OCP).
واستعرض تقرير -صادر عن منظمة الهيدروجين الأخضر (المعروفة اختصارًا باسم "جي إتش 2 - GH2")- اطلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، سبل الحلول الزراعية الأكثر استدامة، ودور الأمونيا الخضراء في ذلك.
وتفاقم أنواع الأسمدة غير الصديقة للبيئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، خاصة إذا زاد الاعتماد على الأمونيا المنتجة بمصادر الوقود الأحفوري.
انبعاثات الأسمدة والغذاء
تشكّل انبعاثات الأسمدة والغذاء (ممثلة في سماد النيتروجين) ما يتراوح بين 1 و2% من الإسهامات العالمية لثاني أكسيد الكربون.
وتكمن الأزمة في اعتماد صناعة الأسمدة على الأمونيا، التي تُنتَج بدورها اعتمادًا على الوقود الأحفوري، وتطلق المزيد من الانبعاثات.
ولم يخطُ العالم خطوات جدية باتجاه إنتاج الأمونيا النظيفة بالقدر الكافي للتحول في القطاعَيْن الزراعي والغذائي، إذ قُدر معدل إنتاج الأمونيا المتجددة بنسبة 0.3% من الإنتاج العالمي العام الماضي 2024.

وتحتاج ثورة الغذاء النظيف إلى التركيز على إنتاج الأمونيا الخضراء، إذ إنها تدخل بنسبة 70% في عملية صناعة الأسمدة.
ونحتاج إلى المرور بـ4 مراحل للوصول إلى الغذاء، تشمل: توافر الغاز، والأمونيا، والأسمدة، تمهيدًا لإنتاج المحاصيل.
وتدريجيًا، تفاقمت أزمة المناخ ومعدلات الكربون، وبات البحث عن وسائل للزراعة مخفضة للانبعاثات محطة مهمة، وظهرت الأسمدة الخضراء وتحدياتها.
ويشكّل ذلك امتدادًا لإنتاج الهيدروجين الأخضر، واستفادة من موارد الطاقة المتجددة والتمويل في توفير الأمن الغذائي، وتجنّب الانبعاثات الزراعية.
الأسمدة الخضراء
بدأ الحديث عن إنتاج الأسمدة الخضراء واستعمالها يغزو الأوساط الزراعية، ورغم أنها ما تزال في مقتبل مراحل التطوير فإنها جذبت زخمًا واسعًا.
وفعليًا، تُنتَج الأسمدة المتجددة -عالميًا- في 4 مواقع فقط حتى الآن، وقد تلحق بها 4 مواقع أخرى في المستقبل القريب.
وقُدر إنتاج الأمونيا الخضراء (الرئيسة في تصنيع الأسمدة) في هذه المواقع بنحو 61 ألف طن سنويًا، بفجوة هائلة تقارن بالإنتاج العالمي للأمونيا التقليدية البالغ 180 مليون طن.
ويتطلّب مستقبل الغذاء النظيف دعمًا من: الهيدروجين الأخضر (اللازم لإنتاج الأمونيا المتجددة وبالتالي الأسمدة)، والسياسات، والتمويل، وفق تقرير جي إتش 2.
وتبرز "التكلفة" بوصفها أحد أبرز تحديات إنتاج الأسمدة الخضراء، خاصة أن هذه النوعية من المشروعات تحتاج إلى استقرار سعري طويل الأمد وتوافر رأس المال وتأمين شراكات التمويل.
ويبدو أن الدخول في مشروعات تجريبية لن يؤدي الغرض من هذا التوسع، إذ يحتاج القطاع الزراعي العالمي إلى توسع هائل في إنتاج الأسمدة النظيفة وتأمين عقود شرائها.
وتختلف أنواع الأسمدة حسب:
- أسمدة متجددة (أو خضراء) المصنعة اعتمادًا على الأمونيا والهيدروجين المنتجين عبر التحليل الكهربائي ومصادر الطاقة المتجددة، وهي أقل أنواع الأسمدة إطلاقًا للانبعاثات.
- أسمدة منتجة من الأمونيا منخفضة الكربون، المعتمدة على الوقود الأحفوري واحتجاز الكربون وتخزينه، لكن نشرها يحمل مخاطر عالية إثر تسرّب الميثان وانبعاثاته.
- أسمدة منتجة من الكتلة الحيوية، وهي نادرة الانتشار لنقص المواد الخام الرئيسة.
كبار منتجي الأسمدة الخضراء في العالم
يضم كبار منتجي الأسمدة الخضراء في العالم: (المغرب، والهند)، بجانب فرص محتملة لكل من: جنوب أفريقيا، وكينيا.
1) المغرب
تسعى الرباط لبناء "إمبراطورية" في إنتاج الأسمدة وتصديرها، وضخ المكتب الشريف للفوسفاط (مجموعة أو سي بي) -الذي يُعد أكبر منتجي الفوسفات في العالم- 13 مليار دولار في سلسلة قيمة الأسمدة، بهدف خفض الانبعاثات الكربونية.
وتستهدف المجموعة تحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2040، وتنفّذ استثماراتها على مراحل، تشمل:
- تحلية المياه بالطاقة المتجددة.
- إنتاج الهيدروجين الأخضر والأمونيا في موقعي: العيون وكلميم.
- تطوير مشروع للأمونيا الخضراء بقدرة 3.8 غيغاواط في طرفاية، ويشمل المشروع تأمين إنتاج الكهرباء من الرياح والطاقة الشمسية ومحطة لتحلية المياه.
ومن المقرر أن يبدأ إنتاج مشروع طرفاية بـ200 ألف طن العام المقبل 2026، لترتفع إلى مليون طن العام اللاحق له، ثم يقفز إلى 3 ملايين طن بحلول 2032.

2) الهند
تُصنّف الهند بوصفها ثاني أكبر مستهلكي الأمونيا في العالم، وحاليًا تسعى للتحول إلى مركز إنتاج محلي يتجنّب الانبعاثات الكربونية.
وبلغ معدل واردات الهند من الأسمدة 19 مليون طن عام 2023، باستهلاك إجمالي يصل إلى 65 مليون طن.
وكلّف دعم الدولة الآسيوية لقطاع الأسمدة 23 مليار دولار، ما أثقل كاهل البلاد.
ومع طرح إستراتيجية الهيدروجين الأخضر، والتعهد بإنتاج 5 ملايين طن سنويًا بدءًا من عام 2030، تعيد الهند النظر في قطاع الأسمدة.
وتستهدف نيودلهي الاستفادة من 125 غيغاواط متجددة، وقدرة تحليل كهربائي تتراوح بين 60 و100 وحدة، باستثمارات تتجاوز 100 مليار دولار في الهيدروجين الأخضر.
وكانت شركة إيه إم غرين أمونيا (AM Green Ammonia) ضمن الشركات الفائزة بمناقصة لإنتاج الهيدروجين الأخضر، وغيرها من الشركات الرئيسة بالنسبة إلى قطاع الأسمدة.
وتُشير التوقعات إلى توظيف إنتاج الهيدروجين الأخضر في إنتاج الأمونيا محليًا، ما يقلّص الواردات وجعل سلسلة توريد (اليوريا، وسماد الداب، وسماد النترات) من الكربون.
3) فرصة جنوب أفريقيا وكينيا
ترتفع أسعار الأسمدة في جنوب أفريقيا بمعدل ضعفَيْن إلى ثلاثة أضعاف الأسعار العالمية.
وقد تشكّل الأسمدة الخضراء حلًا للتغلّب على الارتفاعات السعرية بتقليص الواردات، مثلما حدث في كينيا.
ضمانات الأمن الغذائي
يُعدّ ضبط مستوى الانبعاثات أحد ضمانات الأمن الغذائي، وتختلف انبعاثات مراحل زراعة المحاصيل حسب:
- تتراوح انبعاثات مرحلة إنتاج الغذاء بين 450 و500 مليون طن سنويًا من ثاني أكسيد الكربون المكافئ (ما يعادل 1.3% من الانبعاثات العالمية)، وتعمل الأسمدة الخضراء على خفض هذه النسب.
- يطلق أكسيد النيتروز (أو أكسيد النيتروجين الثنائي) انبعاثات خلال مرحلة استعمال الغذاء، لا ترتبط بطريقة إنتاج الأسمدة والأمونيا.
- يتسبّب الاستعمال المتباعد لبعض أنواع الأسمدة في إطلاق انبعاثات أيضًا.
وللتحوّل من تصنيع الأسمدة الرمادية (المعتمدة على أمونيا الوقود الأحفوري) لنظيرتها الخضراء، يتحمّل مصنعو الأغذية وشركات السلع فارق التكلفة، وبالتبعية تُحمل على فاتورة المستهلك النهائية.
ويُقدّر سعر الأمونيا الخضراء بنحو 1300 دولار/طن في الأسواق العالمية وهبطت إلى 670 دولارًا/طن في الصين، مقابل من 600 إلى 700 دولار لطن الأمونيا التقليدية في أوروبا.
واقترح تقرير منظمة الهيدروجين الأخضر 3 مسارات لتوسعة نطاق إنتاج الأسمدة الخضراء: بناء مواقع الإنتاج من المزارع ومصادر الطاقة المتجددة لخفض الانبعاثات والتكلفة، وتعزيز مصانع الأمونيا لأجهزة تحليل كهربائي وتقنيات احتجاز الكربون، والاتفاق حول أساسيات السوق.
وقد يسجّل الطلب على الأسمدة الخضراء نموًا بنحو 10 أضعاف المعدل الحالي، خلال العقد المقبل.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
0 تعليق