معرض الكتاب يفكّك الترابط بين التراث الصوفي والتحديث الشعري لدى العرب

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لمّ المعرض الدولي للنشر والكتاب، في دورته الثلاثين، ثلّة من الباحثين والكتاب، مساء الاثنين، بغرض مناقشة “التصوف كأفق ممكن للتحديث الشعري”، لا سيما وأن المنظمين يعتبرون أن “التراث الصوفي ساهم في تحديث القصيدة العربية المعاصرة، بطريقة خلاقة نفضت الغبار عن هذا الموروث الشعري واستثمرته لتجديد روح القصيدة العربية الحديثة وفتحها على أفق جديد”.

“كيف استفاد الأدب العربي الجديد، والشعر بشكل خاص، من هذا الموروث؟”، هو السؤال الذي حاول الإجابة عنه المتدخلون: ثريا إقبال ولمى سخليني انطلاقا من تجربتهما في الكتابة والبحث والترجمة، ومحمد البوغالي وفقًا لانشغاله الأكاديمي بالموضوع، خاصة وأن “الاهتمام بكنوز المتصوفة لم يعد خافيا في الكثير من الدراسات والأبحاث والنصوص الأدبية الروائية والشعرية، إلخ”.

“مأزق اللغة”

الكاتبة المغربية والشاعرة ثريا إقبال ذكرت أن “تكوينها الأكاديمي كان في الاقتصاد، لكنها وجدت في الشعر واللغة والكتابة أشياء مغرية”، مسجّلة أنه في خضمّ حياتها، كان دائمًا عندها هَمّ كبير بخصوص ماذا يختبئ خلف ما يُرى؟، مستحضرة في سياق حدثيها أن “اللعبة التي كنا نفضلها ونحن أطفال هي الغميضة (Cache-cache)”.

إن هذا هو أصل الحكاية، وفق ما تبديه إقبال في مداخلتها، أي إن “السر مكنون ومختبئ فيما لا يُرى. وفي هذا الذي لا نراه، وُجدت مساعيّ لاكتشافه”، مضيفة أن “السر مكشوف في الواقع. محجوب بوضوحه، ومن قوة الظهور في الخفاء؛ فعندما نرى هذا الشيء أول ما نراه، يقع في قلبنا. ونقول إن هذه الأشياء موجودة، لكن من قوة وجودها لا نبصرها، لأنها مختبئة وراء حجاب المرئي”.

واعتبرت الباحثة في التصوف أن “الأمر يتعلق بأشياء مرئية ولا مرئية في الوقت ذاته”، وقالت: “لذلك، منذ صغري وأنا أبحث في طيّ هذا العالم البرزخي، الذي يصل ويفصل، ويمثّل علامة فارقة بين ما تلتقطه العين المجرّدة وبين ما ينفلت من أفقها”، معتبرة أن “ما يهرب من العين يتكفّل به القلب، فهو عين أخرى”.

وأضافت: “عندما دخلتُ إلى عوالم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي كدارسة أكاديمية، كنت أريد اعتماد عوالمه وتعاليمه كمنار ينيرني في طريق ما هو اقتصادي أيضا، أي ما هو مرئي”، لكنها فهمت أن “عين الأكاديمي لا يمكنها إدراك التجربة الذوقية؛ والمتصوفة يقولون: مَن ذاقَ عرَف. إنها تجربة لا تقاس بالوسائل العقلية، بقدر ما تنتعش فيما وراء طور العقل”.

وشدّدت الباحثة على أن “الشعر راهن على القبض على المنفلت؛ أن يقول ما لا يقال، ويترجم تجربة محورها القلب بشكل أساسي”، مبرزة أنها بالضرورة “تجربة الحب والفقد والمرارة، وكل الأشياء التي تندرج في عالم الشعور”، وقالت: “الشِّعر والشعور من نفس الأصل اللغوي. ومظاهر الجوهر والأصل الإلهي لا متناهية، وفي لا نهائيتها تغدو اللغة في مأزق”.

“دواء لحيرة”

لمى سخنيني، المترجمة والكاتبة الفلسطينية البحرينية، قالت إن بدايتها مع التصوف تُعدّ “معقّدة، لكونها كانت ممتلئة بالكثير من الأسئلة، كما كانت روحها حائرة ولا تستقر على مرسى، ولا توجد أجوبة تروي عطشها”، مسجّلة أنها “في رحلة التألق العلمي والمهني والأكاديمي نسيت نفسها وجسدها”، وقالت: “وفعلاً، أهملتُ جسدي”.

وأوردت سخنيني أن “الإسلام عندها في تلك الفترة كان مجموعة من القواعد، وكان حُكمها على الناس حادًّا”، لافتة إلى أن الكثير من تصوراتها سيتغيّر عند زيارتها إسطنبول في تركيا ولقائها الأول مع دراويش التصوف في المدينة القديمة، وقالت: “دار الراقصون حول مركز الحلقة، ودرتُ معهم، وارتفعتُ إلى أن وصلت الشمس، وذاب قلبي ووجداني. دخلتُ سائحة متعالية، وخرجتُ عاشقة بسيطة”.

وواصلت: “منذ ذلك الحين وأنا أبحث وأقرأ ولا أرتوي، وكان هو الطريق الذي أبحث عنه، وصار لعشقي كلمات تُعبّر عنه، كما بات لطريقي هدف أصل إليه”، مشيرة إلى أن “قراءتها لجلال الدين الرومي توسّعت، وبعده ابن عربي، وأيضا محمود الشبستري”، مشددة: “وجدتُ أن الصوفيين الأوائل هم أشخاص متميزون، ليس كما أخبرنا عنهم ابن تيمية”.

وأكّدت أنهم “اتخذوا الرسول قدوةً لهم، وكانوا متوازنين في معتقداتهم وتفكيرهم، ولا يمكن اعتبارهم أتباعًا للفلاسفة القدماء، أو للمتصوفة المسيحيين، أو رجال الدين الهندوس”، مفيدة بأن “الصوفيين اعتبروا أن الصوفية هي علم العالم الداخلي للبشرية، وحقيقة الأشياء، وألغاز الوجود. وكان الصوفي الذي درس هذا العلم مصمّمًا على الوصول إلى مرتبة نهائية ما”.

“أفق للأفكار”

الباحث والأكاديمي محمد البوغالي قال إن “التصوف أفقٌ للأفكار”، مبرزا أنه كان يتعثّر “بالنصوص الشعرية التي يخطّها المتصوفة، لكنهم في أحيان كثيرة يتوقّفون عن قول الشعر، ويستشهدون بالمتون الشعرية السابقة التي كتبها شعراء قبلهم، ويجعلون ظاهر تلك النصوص قابلاً لأن يُملأ بباطن أفكارهم، خصوصا في خضمّ مسارهم الطويل والصعب نحو الارتقاء”.

وأوضح البوغالي أن “المتصوفة، للوصول إلى معانيهم، يستعملون قصيدة كعب بن زهير الشهيرة ‘بانت سعاد’، فتكون القصة التي يرويها الشاعر في علاقته بسعاد قابلة لإعادة استعادتها بمنظور صوفي تصير فيه سعاد رمزًا للمتعالي والمقدّس والأنثوي الخلّاق”، مضيفا أنه “يُعاد تدوير كلمات الشاعر، ويُعاد النظر إلى الشعر القوي باعتباره شعرًا صوفيًا، وهذا ملمح تأويلي غاية في الجمال”.

وتابع: “شعر المتنبي، الذي كُتب بدلالات أخرى، يغدو بدوره الأكثر تعبيرا عن الفكر الصوفي، وهذه استعارات هامّة”، خالصا إلى الحديث عن “الخلع”، الذي هو “أساسي في كل تجربة صوفية وشعرية، وهو هذا الألم الذي يناقشه المتصوفة في الجوع، والصمت، والسهر”، وختم: قائلا: “هذا نوع من القطع مع الشرايين الموصولة باللذّة، ولا يمكن للشاعر إلا أن يتلبّسها. والألم قد يصير أشياء أخرى غير تلك الرومانسية المتداولة”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق