تحديات عديدة تعترض مسار القضاء على الأمية بالمغرب في أفق سنة 2029

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

تزامنا مع تخليد العالم لليوم الدولي لمحاربة الأمية، الذي يصادف الثامن من شتنبر، نبّه خبراء في الشأن التربوي إلى أن المغرب مازال يواجه تحديّات عديدة في طريق محاصرة نسبة الأميّة في أوساط مواطنيه، رغم اتخاذه مجهودات مهمّة للقضاء على هذه الظاهرة، توُّجت في العقد الأخير تحديدا بإنشاء إطار مؤسساتي هو الوكالة الوطنية لمحاربة الأميّة وصبّ الرؤى التي كانت “مشتتة” بهذا الخصوص في إستراتجيات وطنية “محددة ودقيقة الأهداف”.

وفي انتظار إفراج نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لسنة 2024 عن معطيات دقيقة بخصوص انتشار هذه المعضلة بالمغرب كان إحصاء سنة 2014 كشف عن بلوغ معدل الأميّة في أوساط من تبلغ أعمارهم 10 سنوات فما فوق نسبة 32,2 في المائة، أي ما يفوق 8 ملايين ونصف مليون أمي، في حين كانت هذه النسبة نحو 43,3 في المئة حسب إحصاء سنة 2004، مقابل 70 في المائة سنة 1982.

وتطمح الوكالة الوطنية لمحاربة الأميّة في مخطط العمل لسنة 2022-2029 إلى تخفيض نسبة الأميّة في المغرب إلى 10 في المائة بحلول سنة 2026، على أن يتمّ تصفير عدد الأميين في المغرب بحلول سنة 2029، في وقت يزداد عدد المستفيدين من برامج محو الأمية سنويّا بنحو مليون مستفيد، وفقا لتصريحات سابقة لمدير الوكالة عبد الودود خربوش.

“غياب الأطر وشرود البيداغوجيا”

خالد الصمدي، خبير تربوي عضو المجلس الإداري للوكالة الوطنية لمحاربة الأمية سابقا، قال: “المملكة قامت بجهود كبيرة لتطويق الأميّة إلا أن هذه الجهود بقيّت لسنوات طويلة دون مفعول كبير، بسبب كثرة القطاعات الوزارية المتدخلة، مع ما طرحته من افتقار إلى رؤية محددة ودقيقة”، مضيفا أن “تأسيس الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية التابعة لرئاسة الحكومة مكّن من ترصيد الجهود وتوحيد الرؤية بخصوص محو الأميّة في المغرب، وهو ما تجسّد من خلال وضع الوكالة إستراتيجيات وطنية لمحو الأميّة، آخرها إستراتيجية 2023- 2035”.

واعتبر الصمدي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “إستراتيجيات الوكالة، بالإضافة إلى مخططات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، حققت نتائج مهمّة، بحيث نجح المغرب في السنوات الأخيرة في خفض الأميّة بنسبة 2 إلى 3 في المائة سنويّا، وهي وتيرة رغم كونها غير كبيرة جدا فإنها تبقى متقدّمة قياسا إلى الوتيرة المسجّلة في السابق”، مشيرا إلى أن “هذا لا يعفي من الحديث عن تحديّات كبيرة مازالت تقف أمام نجاعة جهود محاربة الأميّة بين ساكنة المغرب”.

من هذه التحديات أورد المتحدث ذاته “انعدام أطر تربوية متخصصة في محو الأمية مستقرّة وظيفيا، إذ غالبا ما يدرس برامج محو الأميّة، سواء بالمدارس أو المساجد، خريجو الجامعات العاطلون عن العمل، وفور حصولهم على فرصة للالتحاق بوظيفة قارة أو بسلك ماستر أو دكتوراه يغادرون هذه المهّام، وهو ما يهدد أحيانا بانتهاء موسم تدريس هذه البرامج ببعض المناطق في منتصفه”، لافتا إلى أن “الحاجة إلى توفير أطر متخصصة يمليها أيضا كون تدريس محو الأميّة يحتاج إلى تكوين وإلمام عميقيين ببيداغوجيا تدريس الكبار المعتمدة في هذا المجال”.

واستدرك عضو المجلس الإداري للوكالة الوطنية لمحاربة الأمية بأن “تحديا آخر يرتبط بكون عدم الالتزام ببيداغوجيا تعليم الكبار يبدأ أساسا من فضاء التمدرس الذي يبقى نفسه المعتمد بالنسبة لتعليم الصغار، وكذا من المقررات الدراسية المعتمدة في برامج محو الأميّة التي تتبنى بدورها بيداغوجيا تعليم الصغار؛ بحيث تظل شاردة عن الاستجابة لحوافز التمدرس لدى الأمييّن، من رغبة في تسهيل بعض أمور الاندماج في الحياة العامّة، على غرار سداد فواتير الإنترنت والكهرباء وقضاء الأغراض الإدارية..إلخ، وتكتفي بتلقينهم المبادئ الأساسية في الحساب والقراءة والكتابة”، مردفا بأن “غياب هذه الحوافز يجعل العديد من الأميين لا يستمرّون لفترة طويلة في متابعة دروس محو الأمية”.

“الهدر والارتداد”

عبد الناصر الناجي، خبير تربوي رئيس جمعية “أماكن لتحسين لجودة التعليم”، أكد بدوره “بذل المغرب منذ فجر الاستقلال جهودا كبيرا للقضاء على الأمية، تكرّست في العقد الأخير بإنشاء إطار مؤسساتي هو الوكالة الوطنية لمحاربة الأميّة، ووضع مخططات إستراتيجية واضحة، سواء من قبل هذه الوكالة أو من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية”، إلا أنه شدد على أن “هذه الجهود لم تفلح في الحد ّمن الأميّة بالقدر المطلوب؛ بحيث مازالت نسبة الأميين بالمغرب مرتفعة، إذ تفوق 30 في المائة من مجموع المواطنين”.

الناجي في تصريحه لهسبريس تطرّق بدوره إلى تحديات أخرى مازالت تقف وراء محاصرة المغرب للأمية، موردا: “ظاهرة العودة إلى الأمية التي تجد تفسيرها بدورها في عاملين اثنين، أولهما كون الشهادات التي يتحصل عليها المستفيدون من هذه البرامج تبقى تقديرية، وبالتالي فهي لا تمكّنهم من الالتحاق بمستويات أعلى من التكوين، بما يضمن الحفاظ على مهاراتهم في القراءة والكتابة والحساب وتطويرها؛ وثانيهما افتقار برامج محو الأمية إلى سياسات واضحة لتشغيل هؤلاء المستفيدين عقب فترات التكوين في مهن تتطلّب تطبيق هذه المهارات، خاصة أن الجزء الغالب من هؤلاء إما عاطل أو يشتغل في مهن لا تتطلّب مهارات القراءة والكتابة والحساب”.

وأضاف رئيس جمعية “أماكن لتحسين جودة التعليم” أن هناك “تحديّا آخر يرتبط بضعف انخراط مقاولات القطاع الخاص في ورش محاربة الأميّة، إذ مازال منطقها الربحي يلجمها عن تقديم التسهيلات الكافية للمئات من مستخدميها الأميين للاستفادة من دروس محو الأمية، سواء تلك التي تقدّم في المدارس أو داخل المساجد”.

وفي سياق جرده “العقبات” التي تفرمل وتيرة محاربة الأميّة أورد الناجي أيضا أنه “بالنظر إلى ضعف جودة المنظومة التربوية فإن الهدر المدرسي يغذي بدوره الأميّة، إذ إن نسبة مهمة من المنقطعين عن الدراسة يغادرون الأقسام في المستوى الابتدائي، دون التمكن من امتلاك المهارات الأساسية في القراءة والكتابة، وهو ما زكاه وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بنفسه حين كشف عن كون ما يفوق 80 في المائة من تلاميذ هذا المستوى لا يتمكنون من قراءة نص بسيط باللغة العربية”، مشددا على أنه “بهذا المعنى تبقى مغادرة مقاعد الدراسة عند المستوى الابتدائي مرادفة مبدئيا للالتحاق بالأميين”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق