مغارة فريواطو.. كنز جيولوجي وتاريخي يحكي قصة الإنسان القديم بإقليم تازة

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تعد مغارة فريواطو، الواقعة بإقليم تازة، واحدة من أقدم وأعمق المغارات المكتشفة في شمال أفريقيا، حيث تشكل معلما طبيعيا وتاريخيا فريدا يحكي قصة الإنسان القديم وتطور الحياة في المنطقة.

تقع المغارة في منطقة جبلية، بالضبط بجماعة باب بودير بإقليم تازة، تم اكتشافها في أواخر الخمسينات من القرن الماضي من قبل مجموعة من الباحثين الجيولوجيين، وتتميز بموقعها الاستراتيجي على مشارف سلسلة جبال الريف المغربية.

عن هذه المغارة، قال محمد أغربي، أستاذ باحث في الجيولوجيا، إنها “تتميز بتكويناتها الكلسية الفريدة التي تشكلت عبر ملايين السنين، وتضم نحو 500 درج للوصول إلى أعماقها، مما يجعلها من أعمق المغارات في المغرب”.

وحول القيمة التاريخية والأثرية لهذه المغارة التي تعتبر كنزا جيولوجيا وتاريخيا يحكي قصة الإنسان القديم بإقليم تازة، أكد الأستاذ ذاته، في تصريح خاص لهسبريس، أن “المغارة تحتوي على نقوش صخرية وبقايا أثرية تعود إلى فترات ما قبل التاريخ، مما يجعلها مصدرا مهما للدراسات الأنثروبولوجية والتاريخية”.

وبخصوص أهميتها العلمية، أجمع عدد من الخبراء، في تصريحات متطابقة لجريدة هسبريس الإلكترونية، على أن مغارة فريواطو “تشكل مختبرا طبيعيا للباحثين والطلبة، خاصة في مجالات الجيولوجيا وعلم الآثار والأنثروبولوجيا”، مشيرين إلى أن الأشغال التي أطلقتها الدولة لإعادة ترميم وتأهيل المغارة، “ستفتح المجال أمام الباحثين الشباب للقيام بدراسات ميدانية جديدة تغني الرصيد الثقافي والعلمي والتاريخي والأثري للمملكة المغربية”.

وفي هذا الإطار، أشار الجيولوجي الحسين أوحساين إلى أن “عمق المغارة وتعقيد مساراتها أمر يجعل من المستحيل الوصول إلى نهايتها حتى الآن، إذ لم يتمكن أي فريق بحثي من الوصول إلى حدها”، مضيفا أن الروايات التاريخية تفيد بأن عمق المغارة وكذلك طولها لم يعرفهما أي فريق بحثي من قبل.

وأضاف أوحساين، في تصريح لهسبريس، أنه وفقا للمعلومات التاريخية المتوفرة، “تم اكتشاف مغارة فريواطو في أواخر الخمسينات من القرن العشرين من قبل مجموعة من السكان المحليين بالمنطقة، وينسب الاكتشاف الأول تحديدا إلى رعاة محليين كانوا يرعون أغنامهم في المنطقة الجبلية المحيطة بالمغارة”.

ومع ذلك، فإن الاكتشاف العلمي والتوثيق الرسمي للمغارة “تم لاحقا من قبل فريق من الباحثين والجيولوجيين الفرنسيين في الخمسينات من القرن الماضي، حيث قاموا بأول دراسة علمية للمغارة وتوثيق خصائصها الجيولوجية”، يورد المصرح لهسبريس، موضحا أن “من المهم الإشارة إلى أن المعلومات الدقيقة حول الشخص أو المجموعة التي اكتشفت المغارة لأول مرة قد تكون محل نقاش، إذ إن العديد من المغارات في المغرب كانت معروفة لدى السكان المحليين منذ قديم الزمان قبل توثيقها رسميا”.

وذكر أوحساين أن اسم “فريواطو” مرتبط بالتسمية المحلية التي أطلقها سكان المنطقة على المغارة، مما يشير إلى معرفتهم بها قبل اكتشافها رسميا وتوثيقها علميا، مؤكدا أن المغارة تمثل وجهة سياحية مهمة للسياح والباحثين المهتمين بالتراث الطبيعي والثقافي للمنطقة.

وتعرف المغارة حاليا أشغالا مهمة، منها إعادة تأهيل مدخلها وتأمينها، وتثبيت المناطق غير المستقرة، وتوسيع وتجديد الممرات داخلها، وتزويدها بالإنارة.

ويهدف هذا المشروع إلى تطوير السياحة الجبلية والاستغوارية وضمان حماية الزوار من السقوط المحتمل للحجارة، وتجري الأشغال على عمق 130 مترا، بميزانية إجمالية تتجاوز 12 مليون درهم.

مصدر مسؤول بعمالة إقليم تازة أكد أن هذه المغارة يوليها عامل الإقليم، مصطفى المعزة، أهمية خاصة، إذ يشدد على ضرورة تنفيذ الأشغال بشكل جيد من أجل جعلها مستقبلا منارة سياحية وكنزا تاريخيا وطبيعيا فريدا بالمغرب، ويحث أيضا على حماية هذا الموقع الفريد وتطويره بشكل مستدام.

وكشف المصدر ذاته أنه بتعليمات من عامل الإقليم، ستعمل الجهات المسؤولة على المشروع على وضع مخطط متكامل لحماية وتطوير مغارة فريواطو، يشمل تحسين الولوج إليها وتوفير البنية التحتية اللازمة للزوار والباحثين، مضيفا أن مدة الأشغال حددت في 12 شهرا، ستتم بعدها إعادة افتتاح المغارة في وجه العموم وأمام الطلبة والباحثين.

عبد الصمد العيساوي، باحث في علم الجيولوجيا، قال إن الدراسات الحديثة أظهرت وجود تكوينات صخرية نادرة وأشكال كارستية متميزة داخل المغارة، مما يزيد من قيمتها العلمية، مبرزا أن المغارة ترتبط بالعديد من الحكايات والأساطير المحلية التي تناقلتها الأجيال، مما يجعلها أيضا جزءا مهما من الذاكرة الجماعية للمنطقة.

وأضاف العيساوي، في تصريح لهسبريس، أن المغارة تواجه تحديات بيئية متعددة، منها التغيرات المناخية والتدخل البشري غير المنظم، مما يستدعي وضع استراتيجية واضحة للحفاظ عليها، لافتا في الوقت ذاته إلى أن المغارة تمثل فرصة كبيرة لتطوير السياحة العلمية والثقافية في المنطقة، مع إمكانية إنشاء مركز أبحاث متخصص في المجال.

وتبقى مغارة فريواطو شاهدا حيا على تاريخ المنطقة وتطورها الجيولوجي، وكنزا علميا وثقافيا يستحق المزيد من الاهتمام والدراسة والحماية، كما تشكل تحديا مستمرا للباحثين الذين يسعون لاكتشاف أسرارها وفهم تاريخها العريق.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق