مر المجتمع المصري بمتغيرات كثيرة وحادة على المستوى العام، مما أدى لتراجع كبير على المستوى الأخلاقي، وأدرك المشرع الدستوري المصري خطورة هذا الأمر فنص في مادته الرابعة والعشرين من دستور 2014 على أن تقوم الجامعات بتدريس القيم والأخلاق المهنية، غير أن الغريب أن الجامعات المصرية كلها دون استثناء خالفت وما زالت تخالف الدستور.
وعلى مدار سنوات قدمت مقترحا بتدريس هذا المقرر لطلاب الجامعاتـ وبالفعل وافق مجلس جامعة بني سويف على اقتراحي في نوفمبر 2016، ثم لم ينفذ القرار، كما وافق مجلس جامعة القاهرة في يناير 2017 على تدريس مقرر بعنوان الأخلاق والقيم المشتركة بين الشعوب، ولم ينفذ القرار، وقدمت المقترح لجامعة كفر الشيخ في 2018 وتم رفضه لأسباب واهية من غير المختصين. كما تم تقديمه للوزارة في فترات سابقة، وقوبل بالتجاهل من المسؤولين وقتها.
والآن وفي ظل مبادرة فخامة رئيس الجمهورية "بداية جديدة لبناء الإنسان المصري" تظهر أهمية المقترح بشكل أكبر فلا يمكن بناء الإنسان بدون بنائه قيميًا وأخلاقيًا، ولا يمكن ترك الأمر للأسرة ووسائل الإعلام بعد أن ثبت عدم قيامهم بواجبهم على النحو الأكمل، بل أصبحت بعض وسائل الإعلام خاصة الإعلام الرقمي تلعب دورًا سلبيًا مما أدى لنشر سلوكيات سلبية تدمر القيم التي تقوم عليها الأسرة والوطن.
يستهدف المقرر المقترح من بين أهدافه توعية طلاب الجامعات بماهية القيم والأخلاق، وأهم القيم التي يجب عليهم الالتزام بها في حياتهم وعملهم، وتنمية قيم الانتماء والمواطنة لديهم، وتوعيتهم بالمخاطر التي تهدد الأمن الاستراتيجي المصري وكيفية تلاعب الإعلام بالعقول، والقيم والواجبات الأخلاقية الأساسية وكيفية عدم الوقوع في الفساد أو الإرهاب وكيفية مواجهتهم. كما يتناول في قسمه الثاني أهم المشكلات الأخلاقية المتعلقة بالتخصص الذي سيمارسه الطلاب بعد تخرجهم من الجامعة وهو ما اتضح أهميته بشدة في ظل التجاوزات الأخلاقية المتزايدة من بعض المتخصصين في عدة مجالات لعدم معرفتهم بأخلاقيات المهنة.
على أن يشارك في وضع المقررات المقترحة أساتذة متخصصين في القيم والأخلاق، وعلم النفس، وعلم الاجتماع، والقانون، بجانب متخصصين من كل قطاع فيما يخص الجزء الخاص به. على أن يتم مراجعتها من جانب المتخصصين في علم القيم والأخلاق. بحيث لا يكون المقرر مجرد مقرر دراسي إضافي للطلاب لا يستفيدون منه، بل يرتقي بسلوكهم العام والمهني، ويعلمهم حقوقهم وواجباتهم كبشر ومواطنين، ومهنيين.
إن تجاهل التراجع الأخلاقي العام، ومطالبة الأغلبية بحقوقهم فقط، دون القيام بواجباتهم، وانتشار السلوكيات السلبية في كافة المجالات وكافة قطاعات الوظيفة سواء العامة أو الخاصة، أدى لزيادة التراجع حتى وصلنا لمرحلة لم يعد من الممكن الصمت أمامها، ولن يسامح التاريخ كل من يكون من واجبه أو أمامه فرصة للإصلاح ويضيعها، لأن التأخير ثمنه أكبر مما يتخيله الجميع.
ومن هنا كانت مطالبتنا الأخيرة لوزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور أيمن عاشور، والدكتور مصطفى رفعت أمين المجلس الأعلى للجامعات، بسرعة تدريس هذا المقرر الذي لا تقل أهميته بل تزيد عن كثير من المقررات التي يدرسها الطلاب دون أن تفيدهم في حياتهم.
0 تعليق