ما زلنا لا نفهم تمامًا الغرض من أحلامنا، إلا أن هذا لا يمنع عقولنا من ابتكار مفاهيم جميلة وغريبة في عوالم بديلة تجعلنا مذهولين في الصباح، ورغم ذلك، يبدو أن بعض الأشياء والأفعال العادية لا تظهر أبدًا في أحلامنا، في حين أن الطيران بالفيلة أو المعارك مع الكائنات الفضائية أو ركوب الدراجات النارية قد تكون جزءًا من أحلامنا العادية، في المقابل، الهواتف الذكية والمرايا والطعام نادرًا ما تظهر في أحلامنا،مما يثير تساؤلات حول كيفية حدوث الأحلام.
كيف تحدث الأحلام في منامنا؟
الدكتور الراحل مصطفى محمود في برنامجه «العلم والإيمان» تحدث عن طبيعة الأحلام وكيفية حدوثها، موضحًا أنّ الإنسان لا ينسى ما يحدث له من وقائع وأمور خلال مراحل حياته المختلفة، وإنما تنطمس كل الخبرات والعواطف والأفكار تحت ركام المشاغل، وتظل ضمن مخزون عقل الإنسان، ثم تظهر فجأة هذه المحتويات المحزونة في ذلة لسان أو نوبة غاضب أو حلم عابر في مساء إحدى الليالي.
الأحلام التي نراها يوميًا في منامنا تستند على المخزون الموجود أسفل وعي الإنسان وتوقظه من جديد، إذ وصف الدكتور مصطفى محمود أنّ الأحلام هي الحياة التي تدب في الهموم المطموسة تحت سطح الوعي وركام المشاغل، فقد أشار بعض علماء النفس إلى أنّ غالبًا ما تكون الأحلام مرتبطة بهموم الوقت وهموم الساعة: «يعني اللي أنت بتنام وأنت مهموم به وآخر شئ تفكر فيه وأنت بتغمض عينك، غالبًا هتشوفه ويدخل في الحلم».
في حين أشار البعض إلى أنّ الأحلام ترتبط بهموم الحاضر وبعضها مرتبط بهموم الطفولة المتعلقة بالمُحرمات والممنوعات، في حين رجح ألفريد أدلر الطبيب النفساني النمساوي أنّ الهموم الغالبة على الأحلام هي المرتبطة بـ«الأنا» خاصة وأنّ الإنسان دائمًا ما يحقق وجوده ويفرض ذاته، كما أنّ الحب والجنس وخلافه تنطوي جميعها على هموم الذات، أما «برجسون» يرى أنّ الأحلام ترتبط بهموم الجسم، إذ يمكن أن يكون سوء الهضم أو أكلة دسمة أو الشعور بالعطس أو الحصر يمكن أن يثير الأحلام كأن يحلم الإنسان بأنّه يشرب إذا كان عطشانًا، أو أنّه يتبول إذا شعر بالحصر.
" title="YouTube video player" frameborder="0">
وبحسب الدكتور مصطفى محمود فإنّ الأحلام لا جديد فيها، وإنما هي انعكاس للحياة الفسيولوجية التي يعيشها الجسم الذي بطبيعته لا ينام، وإنما يشعر بالكسل فقط وتكسل حواسه أيضًا ولكنها تظل تتوارد على الذهن، إذ دائمًا ما تظل المرئيات تتوارد على العين، وتتوارد الأصوات على الأذن والمشاعر على الجلد والآلام على الأحشاء، وحول هذه المشاعر تتهافت الصور الذهنية لتصنع الأحلام من المحصول الذي نحتفظ به في الذاكرة.
وبحسب الدكتور مصطفى محمود، فإنّ الأحلام لا جديد فيها، وإنما هي انعكاس للحياة الفسيولوجية التي يعيشها الجسم الذي بطبيعته لا ينام، وإنما هو يشعر بالكسل فقط وتكسل حواسه أيضًا ولكنها تظل تتوارد على الذهن، إذ دائمًا ما تظل المرئيات تتوارد على العين، وتتوارد الأصوات على الأذن والمشاعر على الجلد والآلام على الأحشاء، وحول هذه المشاهد تتهافت الصور الذهنية لتصنع الأحلام من المحصول الذي نحتفظ به في الذاكرة.
ما الفرق بين الحلم واليقظة؟
والفرق بين الحلم واليقظة هو درجة اليقين والصدق والتطابق بين واقع الإحساس وواقع التذكر، إذ يكون واقع الإحساس في أثناء اليقظة متوتر وكله انتباه وتركيز وحصر للذهن، ويكون استدعاء الذاكرة فيه حادًا، وبالتالي يكون عمل الذاكرة دقيقًا، وهذا التطابق وهذه الدقة لا توجد في الأحلام، وإنما يكون التهافت مفككًا من عدة ذكريات في وقت واحد، ويكون السر في هذا التهافت المفكك هو الاسترخاء، فالحلم نشاط غير متوتر وكسلان وناعس ومسترخِ، تختلط فيه الأحاسيس والصور، بحسب مصطفى محمود.
كما أنّ الفارق بين اليقظة والحلم هو الزمن، ففي اليقظة يكون زمن الساعة موضوعي يعيش فيه الكل، ولهذا تضبط الذاكرة نشاطها عليه وتتابع الخيال باستنتاجاتها أولًا بأول حتى لا يفوتها قطار الواقع، فهي تعيش في إطار زماني مكاني محدد وهو ما يؤدي إلى دقة أكثر، أما في الحلم فلا يوجد تحديد، فلا وجود للزمان والمكان، إذ يقطع النائم صلته بالزمن الموضوعي ويعيش في زمن ذاتي خاص به، ويقطع صلته بالمكان ويعيش في عالم فراغي، وبهذا يستطيع أن يضغط حوادث حلم تستغرق سنة كاملة في دقيقة زمنية، أو يمط حادثة قصيرة إلى سلسلة كسولة من الوقفات والانطباعات ويستطيع أن يشاهد منظرين في وقت واحد لأنّه لا توجد جدران للمسرح الذي يقف عليه، وهذا يؤدي إلى التداخل والتشويش في الأحلام، ويجعل الأحلام مفتقرة إلى الدقة والتحديد اللذين يمتاز بهما في الواقع.
0 تعليق