قال المؤرّخ امحمد جبرون إن “التيفيناغ حرف أجنبي لا ينتمي لجيل الحروف القديمة” التي كتبت بها اللغة الأمازيغية المورية، بينما الحرف الذي كتب به “المغاربة القدامى” أو “الموريون” لم يفكّ إلى اليوم، “ولو تم فك شفرة الكتابة المورية، لفتحنا صفحات مهمة من تاريخ المغرب”.
جاء هذا في أولى حلقات سلسلة مصورة جديدة بعنوان “مذاكَرات في الفكر والتاريخ”، قال فيها صاحب كتاب “تاريخ المغرب القديم” إن المقصود بـ”تيفيناغ” هو “الحروف التي كتبت بها اللغة الأمازيغية، وتتكون من 33 حرفا، وفي مجملها نعثر عليها في نقوش متفرعة في صحراء شمال مالي وجنوب الجزائر وجنوب ليبيا، وهو حرف لغة الطوارق، وظهرت هذه الحروف الكتابية حوالي القرن الأول قبل الميلاد، وتيفيناغ الجديدة هي (حروف) اللغة الرسمية وفق الدستور”.
أبجدية اللغة الرسمية الأمازيغية، وفق جبرون، “لا تتطابق كلية مع التيفينياغ القديمة وبينهما اختلاف كبير، فمعظم حروفها تم تكوينها استنادا إلى حروف التيفيناغ القديمة مع اجتهاد أكاديمي (…) وحروف التيفيناغ قريبة من الحروف البونية التي كتب بها الفينيقيون، ونفسها نجدها تقريبا في شبه الجزيرة الإيبيرية وبعضها قريب من بعض النقوش التي تتطابق مع التيفيناغ في شبه الجزيرة العربية”، وتفسير هذا أن “هذا النموذج في الكتابة كان منتشرا في الحقبة التي ظهرت فيها تيفيناغ، ولم يكن نموذجا حصريا للكتابة في هذه المنطقة من العالم، بل توجد نماذج عليه في ثلاث قارات. والكثير من حروف التيفيناغ توجد في اللغة والحروف البونية، وغيرها من أشكال الكتابة المعروفة في العصور القديمة، والفترات في العصور الحجرية ثم ظهور الكتابة”.
وتابع: “أنماط الكتابة شكل من أشكال التطور التاريخي من حيث الشكل وأدوات الرسم، واللغات القديمة واللغة المورية وكذلك التيفيناغ من هذا القبيل، وبالتالي ظهرت أنماط من الكتابة الجديدة، وكان من الطبيعي انقراض أشكال من الكتابة والرسم التي كانت سائدة في القديم”، أما “حرف تيفيناغ فليس حرف اللغة الأمازيغية السائدة في شمال إفريقيا، بل وُجدت كتابات أخرى حروفها تشبه حروف تيفيناغ ولكنها ليست متطابقة معها، يسميها باحثون بالليبية البربرية أو الحروف المورية، وبعضها يشبه التيفيناغ لكنها ليست نفسها، بل التيفيناغ ظهر في الجنوب في بلاد الطوارق، ولكن في الشمال حيث المغرب كان حرف آخر نسميه الليبي البربري أو الحرف الموري”.
وزاد: “الطوارق مكون بشري أو ثقافة مكون يختلف عن المكون الأمازيغي لشمال إفريقيا، وإذا صح أن يكون الطوارق أمازيغ وكذلك سكان النيجر وغرب مصر أمازيغ، فمعنى هذا كل القارة الإفريقية أمازيغية (…) بينما حرف الكتابة الذي كان سائدا كحرف موري عُرف غامضا ولم يُقرأ ولم تُفك شفرته حتى اللحظة رغم الآثار التاريخية والنقوش المكتشفة باستمرار في مناطق متعددة بالمغرب. وحتى التيفيناغ التي فكّت شفرتها في دول أخرى، لا تمكننا من قراءة النقوش الموجودة ببلدنا”.
وتساءل جبرون في أولى حلقاته حول “المغرب القديم”: “لماذا أجدادنا المغاربة لم يحاولوا تطوير الحرف الموري ويجعلوه لغة رسمية ويستعملوه في العلاقات السياسية والدبلوماسية والرسمية وفضلوا لغات مثل البونية ثم اللاتينية وفي مراحل متأخرة اللغة العربية؟”.
وقدّم جبرون فرضيات، من بينها “السبب التقني؛ فحرف التيفيناغ ينتمي لجيل اللغات القديمة المنحوتة على الصخور والجدران، وكانت تستعمل أدوات صخرية أو معدنية. وفي مجملها تؤدي المعنى متقطعة، وفي غالبيتها إما حروف مستقيمة أم نصف دوائر ونقط لتيسير نحتها، وهي من جيل حروفٍ سادت في مرحلة تاريخية عاشتها الإنسانية من الحروف المسمارية والهيروغليفية والبونية والقرطاجية، وهذا جيلٌ منقرض في الكتابة بعد ظهور أنماط كتابة جديدة”.
ومن الأسباب أيضا “السبب الحضاري؛ لأن اللغات المكتوبة في مجملها تكون في تقلص مستمر عبر التاريخ، والكثير من اللغات المحلية في انقراض، وهذا أمرُ كثير من اللغات القديمة، وبعضها بقي مجهولا برموز مكتشفة غير مقروءة في أمريكا اللاتينية مثلا. فانقرضت وانحصر استعمالها في المجال الديني فقط”، لكن المؤكّد تاريخيا هو أن “الموريين، أي المغاربة القدامى، قد فضّلوا استعمال لغات أخرى ميسرة ربما، وكانت تؤدي وظائف حضارية بشكل جيد بالنسبة لهم، مثل اللاتينية، والبونيقية قبلها، وأمثلة أخرى مثل اللغة العربية”.
0 تعليق