اقرأ في هذا المقال
- • حظر الاتحاد الأوروبي الواردات المباشرة من النفط الخام الروسي يدفع روسيا إلى الأسواق الآسيوية.
- • مصافي التكرير الهندية استفادت من التسعير التنافسي والتساهل النسبي لعقوبات الاتحاد الأوروبي.
- • بالنسبة لروسيا تمثل الهند سوقًا حيوية في سعيها إلى التخفيف من تأثير العقوبات الغربية.
يعزز اعتماد الهند المتزايد على النفط الروسي مكانتها الإستراتيجية بصفتها مركزًا للتكرير، ويؤكد التفاعل المعقد بين الجغرافيا السياسية والعقوبات والطلب العالمي على الطاقة.
ومنذ حظر الاتحاد الأوروبي الواردات المباشرة من النفط الخام الروسي في ديسمبر/كانون الأول 2022 وفرض سقف سعر 60 دولارًا إلى جانب حلفائه في مجموعة الـ7، أعادت روسيا توجيه صادراتها من الطاقة إلى الأسواق في آسيا، مع ظهور الهند شريكًا أساسيًا.
وتعكس العلاقة المتطورة بين البلدين الواقعية الاقتصادية والضرورة الجيوسياسية؛ وفي الوقت نفسه، تسلط صادرات الهند المتزايدة من المنتجات النفطية إلى أوروبا الضوء على فجوة كبيرة في إطار عقوبات الاتحاد الأوروبي، ما يثير تساؤلات حول الاستدامة طويلة الأجل لمثلث تجارة الطاقة هذا.
ويستعرض هذا التحليل اتجاهات استيراد النفط الروسي في الهند، والتحديات المالية واللوجستية التي تواجه موردي النفط الروس، والآثار الأوسع في أسواق الطاقة العالمية والجغرافيا السياسية.
اعتماد الهند على النفط الروسي
منذ عام 2022، أصبحت الهند سوقًا رئيسة للنفط الروسي، خصوصًا خام الأورال، الذي يُقَيَّم لتوافقه مع المصافي الهندية.
في الأشهر الـ9 الأولى من عام 2024، استوردت المصافي الهندية 472 مليون برميل من النفط الروسي، وهو ما يمثل زيادة متواضعة بنسبة 2% عن المدة نفسها في عام 2023.
وعلى الرغم من التقلبات الدورية في الواردات الشهرية؛ فإن هذا النمو المطرد يؤكد الأساس الاقتصادي الدائم وراء مشتريات الهند من الخام الروسي.
في أغسطس/آب 2024، انخفضت الواردات إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 32.3 مليون برميل، ما يعكس أنشطة الصيانة الموسمية في المصافي الهندية.
وبحلول سبتمبر/أيلول الماضي، انتعشت الواردات بشكل حاد إلى 51.96 مليون برميل، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 37% على أساس سنوي.
ويشير هذا الانتعاش إلى مرونة سلاسل التوريد الهندية وقدرتها على الاستجابة بسرعة لفرص السوق.
في المقابل، توضح الخصومات المنخفضة على الخام الروسي، مع متوسط أسعار يبلغ 79 دولارًا للبرميل في سبتمبر/أيلول 2024، تقلص الميزة الاقتصادية لهذه الواردات.
ويعكس الفارق البالغ 3 دولارات بين خام الأورال وخام برنت القياسي في بحر الشمال ضغوط السوق وتناقص جاذبية النفط الروسي مقارنة بالمنافسين مثل العراق، الذي عرض النفط بسعر 76 دولارًا للبرميل خلال المدة نفسها.
التحديات المالية في تجارة النفط الروسية
اشتدت التحديات الاقتصادية واللوجستية التي تواجه مصدري النفط الروس، وأدت تكاليف تمويل التجارة المتزايدة ومعدلات الاقتراض المرتفعة في روسيا إلى تقليص مجموعة الوسطاء النشطين في السوق الهندية.
وأدى قرار البنك المركزي للاتحاد الروسي برفع سعر الفائدة الرئيس إلى 21% إلى تفاقم الضغوط المالية على شركات النفط الروسية، التي تطلب العديد منها الآن الدفع المسبق للشحنات.
ويشكل هذا التحول انحرافًا صارخًا عن الأيام الأولى من عام 2022 عندما عرض التجار شروطًا مرنة للتخلص بسرعة من البراميل الفائضة.
ويشكل الانكماش في عدد التجار الذين يبيعون خام الأورال إلى الهند تطورًا مهمًا، وبينما كان هناك ذات يوم أكثر من 10 تجار نشطين، تقلص العدد إلى 3 أو 4 وسطاء رئيسيين فقط.
وبالنسبة لأولئك الذين بقوا في السوق؛ فهم في المقام الأول شركات ذات سيولة كافية أو أساطيل ناقلات خاصة بها، ما يسمح لها بتحمل التكاليف المتزايدة لتمويل التجارة والنقل.
وبالنسبة لمصافي النفط الهندية، يعكس التحول نحو العقود المباشرة مع المنتجين الروس الصعوبات المالية التي يواجهها الوسطاء والأهمية المتزايدة لاتفاقيات التوريد المستقرة وطويلة الأجل.
دور الهند بصفتها مركز تكرير لأوروبا
مكّنت قدرة التكرير الهندية وموقعها الجغرافي الإستراتيجي من الظهور بصفتها موردًا رئيسًا للمنتجات النفطية إلى أوروبا.
وبالنظر إلى استعمال النفط الروسي مادةً خامًا أساسية، كثّفت شركات التكرير الهندية مثل "ريلاينس" Reliance Industries و"نايارا" Nayara وIndian Oil "إنديان أويل كوربوريشن" Corporation صادراتها من الديزل ووقود الطائرات إلى أسواق الاتحاد الأوروبي.
وفي الأشهر الـ6 الأولى من السنة المالية التي تبدأ في أبريل/نيسان 2024، ارتفعت صادرات الديزل إلى أوروبا بنسبة 40% على أساس سنوي إلى 58.4 مليون برميل، في حين زادت شحنات وقود الطائرات بنسبة 38% إلى 47.9 مليون برميل.
بدورها، استفادت مصافي التكرير الهندية من التسعير التنافسي والتساهل النسبي لعقوبات الاتحاد الأوروبي، التي لا تقيد واردات المنتجات المكررة المشتقة من النفط الروسي.
وقد سمحت هذه الثغرة للهند بتوسيع حصتها في السوق في أوروبا بشكل كبير، متجاوزة حتى الولايات المتحدة من حيث صادرات المنتجات النفطية.
وتشمل الأسواق الأوروبية الرئيسة هولندا، التي تعمل بصفتها مركزًا تجاريًا رئيسًا، وكذلك المملكة المتحدة وفرنسا، اللتين أصبحتا مستوردتين مهمتين لوقود الطائرات والديزل الهندي على التوالي.
وعلى الرغم من التحديات اللوجستية، بما في ذلك الحاجة إلى تجاوز قناة السويس والبحر الأحمر بسبب المخاطر الأمنية التي تشكلها هجمات الحوثيين؛ فقد استمرت الصادرات الهندية إلى أوروبا في الارتفاع.
وفي الوقت نفسه، تتخذ الناقلات الآن الطريق الأطول حول أفريقيا، ما يزيد من تكاليف النقل ولكنه يضمن استمرارية الإمداد.
إزاء ذلك، نمت الإيرادات من هذه الصادرات بشكل كبير، حيث بلغت 11.27 مليار دولار في النصف الأول من السنة المالية 2024-2025، بزيادة قدرها 36% على أساس سنوي.
علاقات الطاقة المتنامية بين الهند وروسيا
تكشف العلاقات الهندية المتنامية في مجال الطاقة مع روسيا ودورها كمورد لأوروبا عن توازن دقيق في سياستها الخارجية.
وعلى الرغم من أن الهند تظل ملتزمة بموقفها غير المنحاز؛ فإن إستراتيجيتها في مجال الطاقة تعكس نهجًا عمليًا لتأمين إمدادات النفط بأسعار معقولة وتعظيم الفوائد الاقتصادية لقطاع التكرير لديها.
وقد مكّن الاعتماد على النفط الروسي الهند من أن تصبح لاعبًا رئيسًا في أسواق الطاقة العالمية، ولكنه يعرّض البلاد لمخاطر جيوسياسية محتملة.
ويسلط اعتماد الاتحاد الأوروبي على المنتجات النفطية الهندية، التي غالبًا ما تُشتق من النفط الروسي، الضوء على العواقب غير المقصودة للعقوبات.
ومع أن الاتحاد الأوروبي يهدف إلى تقليل اعتماده على الطاقة الروسية، فإن سياساته الحالية تسمح بالاعتماد غير المباشر من خلال وسطاء مثل الهند.
ويثير هذا الوضع تساؤلات بالغة الأهمية بشأن فاعلية العقوبات والعواقب الطويلة الأجل على أمن الطاقة الأوروبي.
بالنسبة لروسيا، تمثل الهند سوقًا حيوية في سعيها إلى التخفيف من تأثير العقوبات الغربية.
وتسلط المفاوضات الجارية بشأن اتفاقية حكومية دولية بشأن إمدادات النفط والمنتجات النفطية بين روسيا والهند الضوء على جهود موسكو الرامية إلى تعميق العلاقات الثنائية والحد من اعتمادها على الوسطاء.
رغم ذلك، فإن العقبات المالية واللوجستية التي تواجهها الشركات الروسية، بما في ذلك تكاليف التمويل التجاري المرتفعة والحاجة إلى الدفع المسبق، تشكل تحديات كبيرة.
التداعيات الأوسع على أسواق الطاقة العالمية
تحمل الديناميكيات المتطورة لمثلث الطاقة بين الهند وروسيا وأوروبا تداعيات بعيدة المدى على أسواق الطاقة العالمية.
ويُظهر الاستعمال الإستراتيجي للهند للنفط الروسي لتغذية قطاع التكرير لديها وتزويد الأسواق الأوروبية الترابط بين تدفقات التجارة العالمية.
إلى جانب ذلك، فإن الاعتماد على طرق الشحن الأطول والتركيز المتزايد للتجارة على عدد قليل من اللاعبين الرئيسين، يؤدي إلى ظهور نقاط ضعف في سلسلة التوريد.
وتزيد المخاطر الأمنية في البحر الأحمر وقناة السويس، التي تحركها التوترات الجيوسياسية، من تعقيد المشهد العالمي للطاقة.
ويرفع استعمال طرق بديلة حول أفريقيا التكاليف، ويؤكد هشاشة نقاط الاختناق البحرية الرئيسة.
وتتفاقم هذه المخاطر بسبب التوافر المحدود للناقلات المجهزة للتعامل مع النفط الروسي، التي يرتبط العديد منها الآن بعقود طويلة الأجل مع مصافي التكرير الهندية والصينية.
إستراتيجية الطاقة الهندية
توضح إستراتيجية الطاقة الهندية، التي تركز على وارداتها المتزايدة من النفط الروسي ودورها بصفتها مركزًا للتكرير والتصدير، التفاعل المعقد بين الواقعية الاقتصادية والتحديات الجيوسياسية.
وعلى الرغم من أن الهند تستفيد من النفط الروسي المخفض والإيرادات المتزايدة من صادرات المنتجات المكررة، فإن ارتفاع تكاليفها واعتمادها على طرق التجارة الطويلة يعكسان ضغوط مشهد الطاقة العالمي المتغير.
وبالنسبة لأوروبا، تقدم صادرات الهند راحة مؤقتة من قيود العرض وتؤكد قيود العقوبات في الحد من الاعتماد غير المباشر على الطاقة الروسية، ويطرح هذا النهج أسئلة مهمة بشأن مستقبل أمن الطاقة العالمي.
وبالنظر إلى تعميق روسيا لعلاقاتها مع الهند والصين، ومع تعامل أوروبا مع تداعيات سياساتها في مجال الطاقة، يصبح الترابط بين الأسواق العالمية واضحًا إلى حد كبير.
لذلك تبرز الحاجة إلى إستراتيجيات منسقة لمعالجة هذه التحديات، بما في ذلك تعزيز الأمن البحري وإغلاق الثغرات في العقوبات، ضرورية في تشكيل المرحلة التالية من تحول الطاقة العالمي.
فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.
*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق