لم يحالف الحظ 5 دولة عربية في عدد من ملفات الطاقة خلال العام المنصرم (2024)، في مقدمتها اكتشافات الغاز، ما خيَّب الآمال المعقودة على الاستفادة من مواردها الطبيعية، والإسهام في تلبية جزء من الطلب العالمي.
وتَصدَّر العراق والسودان والمغرب وموريتانيا -وفق مسح أجرته منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- أبرز الدول العربية التي تعرضت لانتكاسة في بعض ملفات الطاقة، على الرغم من المساعي الحثيثة لتذليل العقبات.
وتنوعت التحديات التي واجهتها دول عربية ما بين خيبة في اكتشافات الغاز، وتأجيل في خطط تصدير الغاز المسال، وصولًا إلى توقُّف صادرات النفط عبر خطوط الأنابيب.
ويواصل العديد من الدول العربية مساعيه الرامية إلى تذليل العقبات من أجل تأمين احتياجاته من الطاقة وخفض فاتورة الطاقة، وتصدير الفائض بما يعود بالنفع على اقتصاداته.
ترصد منصة الطاقة في التقرير التالي مسحًا لأبرز التحديات التي واجهت 5 دول عربية في مجال الطاقة:
صادرات نفط كردستان
شكّل ملف عودة صادرات نفط كردستان إلى الأسواق العالمية أحد أهم الملفات التي لم ينجح فيها العراق خلال العام الماضي، ما أدى إلى خسائر مالية تفوق 15 مليار دولار.
ولم تنجح المباحثات التي قادتها حكومة بغداد الاتحادية مع إقليم كردستان وشركات النفط في التوصل إلى صيغة لإعادة أكثر من 400 ألف برميل يوميًا إلى الأسواق العالمية، لتمتد الأزمة إلى أكثر من 21 شهرًا.
وعلى الرغم من موافقة مجلس الوزراء العراقي -وفق بيانات اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة- على إجراء في الميزانية لتعويض الحكومة الكردية عن تكاليف إنتاج ونقل النفط، محددةً سعرًا قدره 16 دولارًا للبرميل لشركات النفط الأجنبية العاملة في كردستان العراق، فإن التعديل لم يسلك طريقه إلى البرلمان.
وكانت صادرات نفط كردستان قد توقفت منذ مارس/آذار 2023، بعد أن دعمت محكمة التحكيم الدولية موقف حكومة العراق المركزية، وألزمت تركيا بدفع تعويضات تُقدَّر بـ1.5 مليار دولار قبل الفوائد في حكم يغطي المدّة بين 2014 و2018، تتعلّق بنقل نفط الإقليم عبر خط أنابيب جيهان، دون الحصول على إذن بغداد.
وتعثّرت المفاوضات لإعادة تشغيل خط الأنابيب، بعد أن قدّمت حكومة إقليم كردستان وشركات النفط الأجنبية والحكومة الاتحادية مطالب متضاربة.
وتشير إحصاءات رسمية إلى أنّ توقُّف صادرات نفط كردستان ألحق أضرارًا مادية بالعراق تُقدَّر بأكثر من 15 مليار دولار حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول.
ولم يكن ملف نفط كردستان الأزمة الوحيدة التي واجهها العراق خلال 2024، إذ شكّل الالتزام بتخفيضات الإنتاج وفق اتفاق أوبك+، واحدًا من أكبر التحديات التي واجهتها بغداد.
وفشل العراق في الوفاء بتعهداته وفق اتفاق إنتاج أوبك+، إذ تجاوز إنتاجه الحصد الأقصى المسموح له طيلة أشهر عام 2024.
وتجاوز إنتاج العراق من النفط منذ يناير/كانون الثاني الماضي حصّته المقررة وفق اتفاق أوبك+ بنحو 1.44 مليون برميل يوميًا، إذ تعهدت بغداد بتعويض حجم الإنتاج الفائض عن حصتها البالغة 4 ملايين برميل يوميًا بحلول سبتمبر/أيلول 2025.
ويشارك العراق مع 7 دول أعضاء في تحالف أوبك+ في تخفيضات الإنتاج الطوعية بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا، المُعلنة في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، والتي مُدِّدَت 3 أشهر، حتى نهاية مارس/آذار 2025، على أن تُعاد تدريجيًا، على مدار 18 شهرًا.
وكانت دول أوبك+ قد مددت تخفيضات الإنتاج الطوعية الإضافية البالغة 1.65 مليون برميل يوميًا، المُعلنة في أبريل/نيسان 2023، التي بدأ تطبيقها منذ مايو/أيار 2023، حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2026.
يصل نصيب العراق في تخفيضات الإنتاج الطوعية، البالغة 2.2 مليون برميل يوميًا، إلى نحو 220 ألف برميل يوميًا، في حين تبلغ حصّته في التخفيضات الطوعية الإضافية نحو 211 ألف برميل يوميًا، بإجمالي 431 ألف برميل يوميًا.
نفط جنوب السودان
حاز توقُّف إمدادات نفط جنوب السودان، عبر أراضي السودان، على اهتمام كبير خلال العام المنصرم (2024)، إذ لم تنجح مساعي الخرطوم وجوبا في إعادة الضخ عبر خط الأنابيب الممتد إلى ميناء بورتسودان طيلة الأشهر الـ10 الماضية.
ومن المتوقع عودة نفط جنوب السودان إلى الأسواق العالمية من بوابة السودان خلال أيام، بعد إصلاح خط أنابيب النقل بين البلدين، الذي كان قد توقَّف منذ فبراير/شباط 2024.
وتوقفت صادرات نفط جنوب السودان في مارس/آذار 2024، فجأةً، بعد "انفجار كبير" في خط أنابيب يقع في منطقة الحرب الأهلية التي المستمرة منذ أبريل/نيسان 2023 في السودان المجاور.
وعمل السودان خلال الأشهر الماضية على إصلاح الخط، وصولًا إلى إعلان الخرطوم جاهزية خط الأنابيب لاستقبال نفط جنوب السودان في أكتوبر/تشرين الأول.
وأدى توقُّف الصادرات لهبوط إنتاج نفط جنوب السودان إلى 50 ألف برميل يوميًا مؤخرًا، مقارنةً بنحو 150 ألف برميل يوميًا قبل إغلاق خط أنابيب بترودار.
الإنفوغرافيك التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، يستعرض حجم صادرات النفط الخام من السودان وجنوبه:
وتُمثّل عائدات صادرات نفط جنوب السودان أكثر من 90% من إيرادات الدولة، وتَسبَّب القتال والمشكلات على طول خط أنابيب بترودار -المارّ عبر مصفاة الخرطوم- في منع نحو 100 ألف برميل يوميًا من مزيج "دار" من الوصول إلى محطة تصدير بشائر السودانية على البحر الأحمر، منذ فبراير/شباط الماضي.
وكانت جنوب السودان ترسل نحو 150 ألف برميل يوميًا من النفط الخام عبر السودان للتصدير، بموجب صيغة وُضِعت عندما حصلت جوبا على استقلالها عن الخرطوم في عام 2011.
اكتشافات الغاز في المغرب
واجهت اكتشافات الغاز في المغرب خلال 2024 خيبة أمل، دفعت شركة طاقة عالمية إلى إعلان عزمها مغادرة البلاد بعد أشهر قليلة من دخولها للتنقيب عن الهيدروكربونات.
وأعلنت شركة إنرجيان (Energean) اليونانية نيّتها التخارج من مشروع حقل أنشوا المغربي لعدم جدوى أعمال الحفر ذات الصلة، وإخفاقها في العثور على احتياطيات الغاز المتوقعة من الحقل.
وبينما لم تنكر الشركة وجود غاز داخل الحقل الذي يُعدّ أكبر اكتشافات الغاز غير المطورة في المغرب، باحتياطيات تلامس 18 مليار متر مكعب، فإنها شددت على أن حجم هذا الغاز لا يناسب سوى شركة صغيرة الحجم.
وتمتلك إنرجيان المشغّلة لحقل أنشوا البحري الكائن في ترخيص ليكسوس (Lixus) نسبة 45% من الأسهم في المشروع، مقابل 30% لشركة شاريوت (Chariot)، و25% للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن.
وكان مطوّرو حقل أنشوا البحري يستهدفون تعزيز احتياطيات الحقل إلى قرابة 1.39 تريليون قدم مكعبة من الغاز، على أن يُتخّذ قرار الاستثمار النهائي بشأن تطوير البئر في أقرب وقت ممكن حال اتّساق نتائج أعمال التطوير مع الأهداف المرجوّة.
وكشف بيان صادر في سبتمبر/أيلول من قِبل إنرجيان أن النتائج الأولية لتحليل العينات تدلّ على أن حجم الغاز المكتشف داخل بئر أنشوا-3 "أقل من التقديرات السابقة لأعمال الحفر".
وفي مايو/أيار، كشفت نتائج حملة الحفر البري في ترخيص الغاز المغربي "لوكوس" على يد شركة شاريوت البريطانية، العثور على كميات هائلة من الغاز في في البئر "آر زد كيه-1"، إلّا أنها تُعدّ غير مجدية اقتصاديًا في الوقت الحالي، نظرًا لوجود كميات كبيرة من الماء.
وتُعدّ البئر "آر زد كيه-1" في منطقة غوفريت هي الأولى من حملة حفر بئرين في ترخيص لوكوس، الذي تمتلك شركة شاريوت نسبة 75% منه بصفتها المشغّل، في حين يحتفظ المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن بنسبة 25%.
حقل غاز السلحفاة أحميم
دفعت التحديات التي واجهت حقل غاز السلحفاة أحميم الكبير إلى تأجيل بدء إنتاج المشروع، الذي كان مقررًا له في 2022، وتأجّل عامًا بعد الآخر، حتى الساعات الأخيرة من يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 2024.
وبعد أن تعلقت الأنظار بتصدير وشيك محتمل من مشروع تورتو أحميم للغاز المسال، واجه المشروع تأخيرًا في مسلسل متكرر عطّل بدء تصدير أول شحنة غاز مسال من موريتانيا.
وتأجّل تصدير أول غاز مسال من الموقع المكتشف عام 2015 قبالة سواحل السنغال وموريتانيا، حتى مطلع العام الجاري.
وكان من المقرر بدء الإنتاج من حقل غاز السلحفاة أحميم في أبريل/نيسان 2022، إلّا أن عدّة تحديات واجهت المشروع أدّت إلى تأخيره، فضلًا عن زيادة تكاليف عمليات تطوير المشروع.
ويُطَوَّر المشروع بشراكة رباعية بين شركة النفط البريطانية بي بي، وكوزموس إنرجي (Kosmos Energy) الأميركية، وشركة النفط الوطنية في السنغال بتروسين (Petrosen)، والشركة الموريتانية للهيدروكربونات (SMH).
وتهدف المرحلة الأولى من مشروع تطوير حقل غاز السلحفاة أحميم إلى إنتاج 2.5 مليون طن سنويًا من الغاز المسال، ومن المتوقع أن يرتفع إلى 5 ملايين طن سنويًا خلال المرحلة الثانية، وما يصل إلى 10 ملايين طن سنويًا بعد إكمال جميع المراحل الـ3 للمشروع.
ويرتكز مشروع تورتو أحميم للغاز المسال على حقلي غاز بحريين، هما "تورتو" و"أحميم" المكتشفان في عامي 2015 و2016 على الترتيب، إذ حُفرت بئر "تورتو أحميم الكبير 1" في 2019، ويُقدَّر إجمالي احتياطيات المشروع بـ15 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
وأعلنت موريتانيا يوم 31 ديسمبر/كانون الأول (2024) الفتح الرسمي للبئر الأولى من حقل الغاز السلحفاة آحميم الكبير، ما يُمَهّد الطريق نحو تصدير أول شحنة غاز مسال من موريتانيا قريبًا.
قطع الكهرباء في مصر
استحوذ قطع الكهرباء في مصر من أجل تخفيف الأحمال على حيز كبير من الاهتمامات خلال 2024، إذ دفع الطلب المتزايد على الطاقة القاهرة للعودة من جديد إلى استيراد الغاز المسال.
ومع تراجع إنتاج الغاز في مصر، عادت البلاد إلى استيراد الغاز المسال خلال 2024، بعد توقُّفها عن ذلك منذ 2018، لتحقيقها الاكتفاء الذاتي بدعم من اكتشافات الغاز، وفي مقدّمتها حقل ظهر.
وعملت مصر على زيادة كميات الغاز الطبيعي المتاحة، لسدّ احتياجاتها، ما دفعها للاتفاق على ما يصل إلى 50 شحنة من الغاز المسال منذ أبريل/نيسان الماضي وحتى نهاية العام الماضي، كما أجّلت بعض الشحنات إلى الربع الأول من 2025.
وانخفض إنتاج مصر من الغاز الطبيعي بمقدار 8.21 مليار متر مكعب خلال الأشهر الـ10 الأولى من 2024، مع بقائه بالقرب من أدنى مستوى شهري له منذ 7 سنوات ونصف.
وتراجع إجمالي إنتاج الغاز في مصر إلى 41.88 مليار متر مكعب خلال المدة من يناير/كانون الثاني حتى نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2024، مقابل 50.09 مليار متر مكعب في المدة المقابلة من العام الماضي.
الإنفوغرافيك التالي، من إعداد منصة الطاقة المتخصصة، يستعرض حجم إنتاج مصر من الغاز:
وكان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قد أعلن في وقت سابق أن بلاده تحتاج إلى استيراد شحنات زيت الوقود والغاز الطبيعي بنحو 1.18 مليار دولار، من أجل التخفيف من قطع الكهرباء الذي تفاقم بسبب موجات الحر في الصيف الماضي.
وتوقفت مصر عن تصدير الغاز المسال منذ شهر مايو/أيار الماضي، إذ لم تستقبل السوق العالمية أيّ شحنة مصرية منذ بداية العام الجاري إلّا في أول 4 أشهر فقط، ومن المقرر أن يستمر هذا الاتجاه خلال شتاء 2024-2025.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق