شهادات وذكريات، يرويها مصطفى بكرى لـ« الجمهور»: من الأحرار اليومية إلى سجن الجمالية !!

الجمهور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أصدرنا "الأحرار اليومية فى 15 يومًا بنكهة ناصرية ورؤية مهنية.
 

محمد حسنين هيكل وافق على رئاستى للصحيفة وقال: السفينة وهى على البر يحكمها قانون، وعندما تبحر يحكمها قانون آخر.
 

بعد تحقيق استمر لأكثر من 12ساعة حول كتاباتى تم خطفى من مقر النيابة وتم تغطية عيناى وحبسى فى زنزانة مجهولة.
 

حشد شعبى وإعلامى وحزبى كان خلف الإفراج عنى بكفالة، وبعدها تم حفظ القضية.

هذه ليست  قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشت فصولها، انتصاراتها وانكساراتها، حلوها ومرها، اقتربت من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنت ضحية لعنفوانهم فى أحيان أخرى، معارك عديدة دخلتها، بعضها أودى بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي، وقناعاتى.

أروى هذه الشهادات التي ينشرها موقع "الجمهور" بصدق وموضوعية، بعض شهودها أحياء، والبعض رحل إلى الدار الآخرة، لكن التاريخ ووقائعه لا تنسى، ولا يمكن القفز عليها، وتزوير أحداثها.

فى هذه الحلقات التي ينشرها موقع "الجمهور" يوم "الجمعة" من كل أسبوع، يروى الكاتب والبرلماني مصطفى بكرى شهادته عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها خلال فترات حكم الرئيس السادات والرئيس مبارك والمشير طنطاوي ومرسى والرئيس السيسي.

1- صدمة تجربة الحزب الناصر 

بعد الصدمة التى تلقيتها فى تجربة الحزب الناصرى وجريدة "العربى" الناطقة باسم الحزب، بدأت فى مراجعة الكثير من المواقف، أدركت أن هناك من يريد أن يختصر "الناصرية" فى شخصه ومصالحه.
 

سقطت أمامى رموز كثيرة، وأدركت أن لغة الدهاء والخبث باتت هى عنوان هذه الفترة، لكننى قطعًا لم استسلم للأمر، ولم أيأس أو أحبط، بل أخذت من هذه التجربة دروسًا وعظات وعبر.


ولأننى لا أعرف لليأس طريقًا، فقد قبلت العرض الذى تقدم به إلىّ الأستاذ مصطفى كامل مراد رئيس حزب الأحرار الاشتراكيين لتراس صحيفة الأحرار الصادرة عن الحزب، وتحويلها إلى صحيفة يومية.


كنت قد تلقيت هذا العرض فى نهاية شهر مارس من العام 1994، تمهلت فى الأمر، وتشاورت مع أخى محمود،  وبعض الزملاء الذين رافقونى فى العمل بصحف مصر اليوم ومصر الفتاة، قلت للأستاذ مصطفى كامل مراد: لن أستطيع أن أعطيك الموافقة النهائية إلا بعد الرجوع للأستاذ محمد حسنين هيكل، الذى كانت تربطنى به علاقة منذ عام 1984، تساءل مصطفى مراد: ولماذا هيكل.. قلت له: لن أستطيع أن أقبل بالعرض إلا بعد التشاور معه.. قال لى: وهل سأحضر معك، قلت له: من المؤكد أن الأستاذ سيرحب بحضورك.

WhatsApp%20Image%202024-_2750_060948.jpg
 

وبالفعل تواصلت مع الأستاذ هيكل وعرضت عليه الأمر، فحدد لى موعدًا على الفور..
مضينا فى وقت مبكر من يوم الثلاثين من مارس 1994، كان الأستاذ يجلس إلى مكتبه المطل على نهر النيل فى الجيزة، وتحديدًا بجوار فندق شيراتون القاهرة، وبعد أن رحب بنا الأستاذ هيكل، راح الأستاذ مصطفى كامل مراد، يتحدث عن تاريخه وأنه كان ضابط مدفعية وانضم إلى الضباط الأحرار، وظل يحكى عن تاريخ حياته، وعن رغبته فى تحويل صحيفة الأحرار من أسبوعية إلى يومية، هنا سأله الأستاذ هيكل: وهل لديكم الإمكانيات التى تساعدكم على تحقيق هذه الرغبة، فقال مصطفى مراد: لدينا عدد لا بأس بها من تأشيرات الحج المخصصة لنا، سنبيعها ونقدم ثمنها حوالى (150 ألف جنية) إلى مطابع الأهرام، أبدى هيكل دهشته وقال: هذا المبلغ لن يكفيك شهرًا كثمن لطباعة الصحيفة وفقط.
فجأة تغير وجه مصطفى مراد، أدركت على الفور أن القلق بدأ يساوره، قلت للأستاذ هيكل: أنا قادر على تشكيل فريق إعلامى قوى سوف يساعدنى فى إيجاد دخل معقول للصحيفة.
قال الأستاذ هيكل: ولكننى أتخوف من التوقف.
قلت: فجأه لا تقلق، الصحيفة ستنطلق بعد 15يومًا من الأن ولن تتوقف.
أبدى الأستاذ دهشته وقال: بتقول إيه، 15يوم هل هذا معقول.
قلت له: أنا قادر بإذن الله على تحويل الأسبوعى إلى إصدار يومى فى هذه المدة.
قال الأستاذ: أنا شخصيًا لا أستطيع، المسألة تحتاج إلى إعداد وإصدارات تجريبية وتنظيم محكم، وهذا يحتاج إلى فترة من 3-6 شهور على الأقل.
قلت: وأنا وزملائى قادرون على الإصدار اليومى فى 15يومًا من الأن.
قال مصطفى مراد: دى تبقى معجزة، وتبقى حققت حلمى.
قلت له: لا تقلق.. المهم أمام الأستاذ هيكل أنت تعرف إننى ناصرى وأن مواقفى معروفة من إسرائيل والتطبيع وإقتصاد الدولة وخلافه.
قال مصطفى مراد: وأنا أقدر عبدالناصر وتجربته وحرر الصحيفة كما تريد، المهم سأكتب معك مقالًا يوميًا وتنشر أخبار الحزب.
قلت: طبعًا هذا حقك وهذه جريدة حزبك، نظرت إلى الأستاذ هيكل منتظرًا منه الكلمة الفصل وقلت: ما رأيك يا أستاذى.
قال هيكل: السفينة وهى ترسو على البر يحكمها قانون، وعندما تبحر يحكمها قانون آخر.
كنت أعرف ما يقصد، فبادرته بالقول: يعنى أتكل على الله؟
قال: على بركة الله.
شعرت بالسعادة بادية على وجه مصطفى كامل مراد، تحسس ذقنه وقال مودعًا الأستاذ هيكل: أصله أنا بحب المغامرة متنساش أنا ضابط مدفعية..

WhatsApp%20Image%202024-_2750_061000.jpg
 

موعد مع إبراهيم نافع فى الأهرام 
 

مضينا من مكتب الأستاذ هيكل واتجهنا إلى مكتب الأستاذ إبراهيم نافع،  رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، بعد أن حددنا معه موعدًا سابقًا..
 

وفى اللقاء مع رئيس مجلس إدارة الأهرام، قال الأستاذ مصطفى كامل مراد: مستعدون أن ندفع 150 ألف جنية قيمة تأشيرات الحج دفعة واحدة، ونطلب منك تسهيلات فى حال عدم قدرتنا على السداد، أبدى إبراهيم نافع إستعداده ورحب بصدور الصحيفة فى الموعد الذى حددته وهو التاسع عشر من إبريل1994، ثم تحدث مصطفى مراد، وقال هناك أيضًا خمسين ألف منحة من مجلس الشورى سنقدمها لكم.
 

ومضيت من مقر مؤسسة الأهرام إلى مقر جريدة الأحرار الأسبوعى" فى 19شارع الجمهورية بجوار محكمة عابدين، بدأت فى ترتيب الأوضاع، التقيت ببعض  الزملاء تدارسنا الموقف، وتساءلت عن اشتراك وكالة أنباء الشرق الأوسط، التى ستمدنا بالأخبار اليومية، إلا أننى فوجئت بعدم وجود  اشتراك فى الوكالة،وإذا ما قررنا الاشتراك أمامنا عدة أسابيع حتى يتم الإنتهاء من الإجراءات الفنية.


تساءلت عن المكاتب والكراسى، فقيل لنا أمامكم غرفتان فقط، واحدة لرئيس التحرير ومعه مدير التحرير وسكرتير التحرير والأخرى للمحررين.


كان الملاحظ منذ البداية أن الترحيب من قبل الأستاذ وحيد غازى، رئيس تحرير الأحرار الأسبوعى مشوبًا بالحذر، كما أن بعض الزملاء القدامى تخوفوا على مواقعهم حال ضم الأسبوعى إلى اليومى، حاولت طمأنة الأستاذ وحيد غازى،  والزملاء الآخرين، واصلنا العمل ليل نهار، نرسم الماكتيات نصنع التصميمات، نحدد الصفحات، نعد الصور والمواد الصحفية، وغير ذلك من الأمور التى تحتاج شهورًا طويلة، غير أن ماكينة العمل دارت، اتفقنا مع وكالة أنباء الشرق الأوسط ، أن نرسل لها مندوبًا لاستلام تيكرز الأخبار مرتين أو ثلاثة فى اليوم وبدأنا نستعد للإنطلاق.

صدور العدد الأول من جريدة الأحرار اليومية


وفى يوم التاسع عشر من إبريل1994، صدر العدد الأول من جريدة الأحرار اليومية، وكان الحدث صادمًا للبعض، ومبعث إرتياح لدى قيادة الحزب ولدى جمهور عريض كان يتابع تجربتنا مع مصر اليوم ومصر الفتاة.


كنت قد شكلت فريق للإعلانات بعضه كان يعمل ولايزال يعمل فى صحيفة الأحرار الأسبوعى، ونجح هذا الفريق فى جلب إعلانات بلغت قيمتها فى الأشهر الخمسة الأولى على الإصدار نحو مليون ونصف جنية.


كان العدد الأول مفاجأة من حيث الماكيت ومضمون الأخبار والمقالات والموقف السياسى، دارت المطابع وتحولت أحلام شباب الصحفيين إلى واقع، وأصبحت الأحرار جريدة يومية وتحقق الحلم، جريدة تزعق فى كثير من الأحيان، لكنها أبدًا لم تتخل عن المهنية والموضوعية والمصداقية.
 

منذ البداية قررت أن أفتح صفحات الجريدة للجميع بلا إستثناء المؤيدين والمعارضين، لم أبغ أن أصنع جريدة ناصرية صرفه، لكن الخط الناصرى كان باديًا فى نهج الصحيفة، أو لنقل ثوابت التجربة الناصرية ومقاومة إسرائيل وأطماعها ورفض التطبيع وفضح المطبعين،

 كانت الصحيفة تصنف على أنها صحيفة وطنية تفتح أبوابها للجميع وتطرح الرأى والرأى الآخر مهمت كانت حدته، لقد حددت منذ البدابة ثوابت الصحيفة والتى هى نفس ثوابتى، وكانت الأحرار تفتح صفحاتها للجميع بلا إستثناء.

WhatsApp%20Image%202024-_2750_061012.jpg


 كان الملاحظ، ومنذ اللحظات الأولى لصدور الصحيفة، أن هناك حالة من الفتور تخيم على العلاقة بين الزملاء الصحفيين، ممن كانوا شركاء فى تجربة الأحرار الأسبوعى والذى ظل يصدر لفترة محدودة برئاسة وحيد غازى، وبين الزملاء الجدد، والذين زاملونا فى تجربة الأحرار اليومى.
لقد حاولنا قدر جهدنا التوفيق بين هؤلاء، وأولئك، وإزالة الفوارق، والتناقضات بين الجميع، سعيا وراء توحيد صف العاملين جميعهم فى الصحيفة، وقطعنا شوطا كبيرا على هذا الصعيد، إلا أنه ظلت هناك عقبات متعددة منها استمرار صدور صحيفة "الأحرار الأسبوعي" برئاسة وحيد غازى، حيث راحت تظهر تناقضاتها الواضحة مع الخط الناصرى، الذى كان هو عنوان "الأحرار اليومي"، وراحت تفتعل المشاكل، وتحاول جرنا إلى معركة معها، وظنا أن ذلك قد يدفع مصطفى كامل مراد، إلى التخلى عن تجربة "الأحرار اليومي" كما كان يتوهم وحيد غازى، غير مدرك أن مصطفى مراد، والذى أعلن على مشهد من الجميع أننى الوحيد الذى نجح فى تحقيق حلم حياته بإصدار "الأحرار اليومي"، وأنه لن يتخلى عن التجربة الناجحة بسهولة.. وقد صدقت توقعاتى بالفعل، حيث اتخذ مصطفى كامل مراد قرارا، توليت بمقتضاه رئاسة تحرير الأحرار الأسبوعى لتصبح الأحرار صحيفة يومية واحدة.
 

قضية عبد الحارث مدنى
 

-  لم تكد تمضى فترة وجيزة على صدور صحيفة "الأحرار اليومي" حتى تفجرت قضية المحامى "عبدالحارث مدني" وهو واحد ممن اتهمتهم أجهزة الأمن بالانضمام إلى الجماعة الإسلامية، والتى كانت تناصب نظام الحكم العداء الشديد، وتستخدم العنف فى المواجهة، حيث قبضت عليه الأجهزة الأمنية، ثم اقتادته إلى جهة غير معلومة، وتعرض للتعذيب الذى أدى إلى وفاته، وهو ماأثار ردة فعل واسعة، وراح الاهتمام به يتزايد ساعة بعد ساعة.. وهنا، وجدت الأحرار نفسها فى قلب المعركة، خاصة بعد أن تصاعدت عمليات الاحتجاج على وفاته داخل نقابة المحامين، وراحت العديد من المنظمات الخارجية تصدر بيانات احتجاجية على مصرعه تحت وطأة التعذيب، وكانت متابعة الأحرار "اليومي" دقيقة للحادث، بكل تفصيلاته، حيث تصدرت صور المحامى عبدالحارث مدنى، والتقارير والمعلومات المتعلقة بوفاته الصفحات الأولى، والرئيسية للصحيفة، والتى راحت جموع المحامين تتابع ماتنشره باهتمام شديد، وكذلك طوائف القراء من المواطنين، والذين راحت أيديهم تتلقف الأعداد الصادرة من الصحيفة حتى أصبحت "الأحرار" هى الصحيفة الوحيدة التى يضعها المحامون على أسوار نقابتهم، ويرفعونها فى لقاءاتهم، ومؤتمراتهم.


-  كان للتغطية الصحفية التى قمنا بها لقضية المحامى المتوفى عبدالحارث مدنى، ومااتسمت به من مصداقية، وموضوعية، بمثابة حافز لهذا الانتشار السريع لها فى أكشاك التوزيع، ولدى المراقبين، والمهتمين بالشأن العام فى مصر، وأصبح الاقبال عليها لدى جمهور القراء أكثر مما كنا نتوقع فى تلك الفترة المبكرة من الصدور.. وبقدر ماحظيت الصحيفة بجماهيرية واسعة فى الشارع الصحفى والسياسى، بقدر ماأثارت حفيظة العديد من الأجهزة الأمنية، والتى راحت تتربص بالصحيفة ورئيس تحريرها، وهكذا ظلت الصحيفة فى الصدور بشكل منتظم حيث ذاع صيتها وتبنت الكثير من القضايا الوطنية والجماهيرية.
كانت الأحرار تمضى بخطى ثابتة، مواقفها أثارت الكثير من العواصف الأمنية فى مواجهتها، إلا أن الأيام كانت تخبئ الكثير من المفاجأت.
 

WhatsApp%20Image%202024-_2750_061023.jpg
 

إختطافى من النيابة
 

 فى صباح يوم السبت، الموافق السادس عشر من سبتمبر 1994، تلقيت فجأة استدعاء من المستشار هشام سرايا، المحامى العام لنيابة أمن الدولة العليا.. للمثول أمام النيابة للتحقيق دون معرفة السبب.

كان شقيقى محمود، قد حدثنى عن هواجسه منذ الصباح الباكر ليوم الأحد، الذى استدعيت فيه للتحقيق، خاصة وأن الفترة السابقة شهدت تضييقًا على الحريات واستدعاء بعض المعارضين للتحقيق، مضيت إلى مقر نيابة أمن الدولة العليا، كان أخى يتابع التحقيقات معى منذ الصباح، ويبدو أن القلق أصابه، بعد متابعته لسيرها ، فترك عمله بصحيفة الشعب، حيث توجه إلى مقر جريدة الأحرار، بشارع الجمهورية، بمنطقة عابدين، وهناك تقابل مع شقيقى أحمد، وانطلقا سويا إلى مقر نيابة أمن الدولة العليا، فى مصر الجديدة، حيث كنت أخضع لتحقيقات مكثفة منذ الصباح، وتمكن أخى محمود من الصعود إلى الطابق الثانى، والذى كانت تجرى فيه التحقيقات، رغم محاولات منعه من دخول المبنى، وقد حاول حضور جلسة التحقيق معى، إلا أن المستشار هانى برهام، والذى كان يجرى التحقيق معى رفض ذلك، ولكنه سمح لى فقط بالخروج للحديث معه للحظات خارج غرفة التحقيق، بحضور شقيقى الأصغر "أحمد".
 

  فى تلك اللحظات، أحطت شقيقاى علما بفحوى التحقيقات، وأكدت لهما أننى مرتاب منها، خاصة وأن التحقيقات تناولت كل مانشر فى صحيفة الأحرار منذ بداية صدورها، إلا أننى أحطته علما ببعض النقاط، التى رأيت أنها تحوى تلفيقات مزيفة، بغرض عقابى على مواقفى السياسية، والمهنية، ومن بينها ماذكره لى رئيس النيابة من أن لديه تسجيلات تثبت اتصالى بأنظمة عربية، واتصالات أخرى مع الجماعات الإسلامية المتطرفة، واتهمنى بتقاضى مبالغ مالية من اليمن، مقابل تبنى مواقف الوحدويين، ضد الانفصاليين فى الحرب التى دارت رحاها فى اليمن، فى تلك الفترة.. وبين ثنايا سطور التحقيقات، علمت أن كل ماجرى معى، كانت وراءه مكالمة هاتفية من حاكم إحدى البلدان العربية للرئيس مبارك بسبب انتقادى الشديد لأوضاع حقوق الإنسان فى هذا البلد العربى.


 على إثر ذلك، دخلت غرفة التحقيقات مجددا، ولم أخرج منها قبل الساعة السادسة والنصف، حيث التقيت من جديد بشقيقى محمود، والذى رحت أروى له ماحدث فى جلسة التحقيق المسائية، وسط حالة من الذهول والدهشة التى شعرت بها فى تلك اللحظات.


قلت له من الواضح أنهم أعدوا لى قضية، لتشويهى، بسبب مواقفى السياسية، دخلت لاستكمال التحقيق فى نحو السابعة والنصف مساء، خرجت إليهما مرة أخرى وطلبت منهما مغادرة مبنى النيابة، بناء على تعليمات رئيس النيابة، وهبطا بالفعل من الطابق الثانى إلى أسفل مبنى النيابة، حيث كان يتجمع عدد من الزملاء، الذين توافدوا من مقر صحيفة "الأحرار" إلى مبنى النيابة، بعد أن استشعروا الخطر.
 


 انتهى التحقيق معى فى حوالى الساعة الحادية عشرة من مساء الأحد، انتظرت خارج غرفة التحقيق صدور قرار بالافراج عنى، إلا أن القرار تأخر كثيرا، فى هذا الوقت، كان عدد من ضباط الشرطة قد وصلوا إلى مبنى النيابة، ووجدتهم يطلبون منى اصطحابهم إلى مبنى قسم مصر الجديدة، انتظارا لصدور القرار، وعندما أقلتنا سيارة الشرطة، قامت عدة سيارات للزملاء والصحفيين بالسير خلفنا، وفجأة تم قطع الطريق على هذه السيارات أمام قسم شرطة مصر الجديدة، وراحت سيارات الشرطة تجرى بى بسرعة رهيبة، فصدمت جنديا، ولم تتوقف لمعرفة ما أصابه، وكادت السيارة التى تقلنا مع الضابط تقوم بحوادث مماثلة، لولا سترالله.. المهم أن طريقة الخطف أكدت لى أن هناك اتجاها بعينه، لم أتبينه، وحمدت الله على كل شيء، وقلت لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا.. وهناك، عند منطقة الدراسة، طلب منى ضابط شرطة منديلا، فسألته:لماذا؟.. فقال:نحن مضطرون إلى تغمية عينيك.. بحثوا عن منديل قماش، فلم يجدوا، فاضطر الضابط إلى أن يعصب عيناى بفوطة السيارة القذرة.. ظلت السيارة تدور بنا.. وفجأة توقفت.. وأمسك الضابط بيدى، ليقودنى إلى المكان المحدد، وداخل هذا المكان المجهول ، سمعت أصوات صرخات، فتأكدت أننى فى واحدة من ساحات التعذيب، وهبطوا بى إلى أسفل درجات السلم، وفجأة، فتحوا باب الزنزانة، ودفعونى بداخلها وكانت أرضية المكان الذى قادوننى إليه معصوب العينيين، غارقة فى المياه القذرة، ثم بعد قليل، أزالوا العصابة عن عينى، وأسرعوا باغلاق الزنزانة.

كان الجو كئيبا، والزنزانة بالغة القذارة، ومساحتها ضيقة للغاية، إذ لاتتعدى مساحتها 3 أمتار فى 3 أمتار، وبداخلها دورة مياه قذرة.. وكان بداخلها أربعة متهمين فى قضايا سرقة بالاكراه، والاتجار فى المخدرات، جلست إلى جوارهم، ولاأريد أن أحكى عن مشاعرى وإحساسى بالإهانة، فى هذا الوقت عرفت أن التعليمات قد صدرت إلى المتهمين الأربعة، بعدم التحدث معى، أو كشف مكان محبسى.. بل وكانت التوجيهات الصارمة لهم، تخويفى، وبث الرعب فى قلبى، لكن دون الحاق الأذى بى.. المهم أننى قضيت ليلتى على البلاط، وسط المتهمين الأربعة - أحمد وفرخة وحسين وغالب - .. تعارفنا جميعا بعد أن اضطروا للحديث معى، وحكى لى أحدهم وكان من أبناء الصعيد أن ضابط المباحث جاء بهم من الزنزانة الرئيسية وأفهمهم إننى إرهابى وطلب منهم تخويفى وإثارة الذعر فى نفسى وعدم إبلاغهم بمكانى قضيت الليلة بلا نوم وفى الصباح، كان على أن أخرج إلى طابور الصباح لمدة خمسة دقائق، فرفضت جلوس القرفصاء، كما كانوا يفعلون، ويكدرون المتهمين، ويرغمونهم على ذلك.. وراح الضابط يسألنى: من أنت؟.. خاصة وأن اسمى غير موجود فى كشف المقبوض عليهم.. مضى وقت محدود، وبعد قليل أدخلونى إلى الزنزانة من جديد، وكان أشد ماضايقنى أنه لم تكن معى ملابس.. وعند الساعة الحادية عشرة والنصف، تم إخراجى من الزنزانة، وكان مأمور القسم لطيفا معى.. حيث عرفت فى هذا الوقت أننى فى قسم شرطة الجمالية.. رفضت دفع الكفالة، ولكننى عرفت أن حزب الأحرار سبق نقابة الصحفيين، وسددها.. عبر رجب حميدة، الأمين العام، بعدها تم اصطحابى من جديد إلى مبنى نيابة أمن الدولة العليا، ومن هناك تم الافراج عنى حوالى الساعة الثانية من بعد ظهر يوم الاثنين 18 سبتمبر 1994".

 عند نحو الساعة الثالثة من بعد ظهر نفس اليوم، كانت سيارة قد نقلتنى من محبسى إلى مقر جريدة الأحرار بشارع الجمهورية، وما أن هبطت من السيارة، حتى انطلقت بسرعة لأصعد السلم المؤدى إلى مقر الصحيفة، ما أن شاهدنى الزملاء حتى راح الجميع يبكى، ويهلل، وانطلقت الزغاريد «وألقى الزميل عبدالسلام لملوم بنفسه فى حضنى، وراح يبكى بحرقة، وراحت الهتافات تدوى احتفاء بالإفراج عنى"، وما أن فرغت من السلام على الزملاء، حتى صعدت إلى مكتب الأستاذ مصطفى كامل مراد، بالطابق الأعلى، ورحت أروى للجميع تفاصيل ماحدث.

لائحة الاتهامات 
 

 لقد أدركت من واقع التحقيقات التى جرت معى أن مباحث أمن الدولة راحت توظف معلومات مغلوطة، وكاذبة، للايقاع بى، عقابا على مواقفى المناهضة للفساد والاستبداد فى البلاد.. غير أن كل مافعلوه بحقى، لم يصمد أمام الأقوال والحقائق الجازمة، التى أعلنتها فى التحقيقات، وأسقطت بها كل ذرائعهم.. لقد تضمنت التحقيقات التى أجراها معى المستشار هانى برهام، رئيس النيابة، العديد من الاتهامات أبرزها:
-1  نشر أخبار ومقالات من شأنها إثارة الرأى العام.
-2  نشر أخبار ومقالات من شأنها الاضرار بالمصالح العليا للبلاد.
-3  التعامل مع بعض الأنظمة الحاكمة، رغم سوء العلاقات الدبلوماسية، بينها وبين مصر.
-4  مساندة التيار الدينى وجماعات العنف.
-5  المقالات والأخبار التى تنشرها الصحيفة، تدلل على توجه الصحيفة نحو ترسيخ وتعميق التيار الدينى، داخل ومصر وخارجها.
-6  إفساح المجال لنشر موضوعات تنطوى على تبرير مواقف وتجاوزات الجماعات المتطرفة.
-7  بث دعايات تشكك فى سلامة ومنطلقات السياسة الأمنية بمجابهة عناصر العنف والإرهاب.
-8 بث دعايات تهدف إلى تكدير السلم والأمن العام.
-9  انتهاج خط إثارى، يرتكز فى توجيهه على محاور تتجاوز بطبيعتها وأهدافها وأغراضها السياسية والقانونية، الممارسة الحزبية.
-10 انتهاج خط إثارى يضر بالمصلحة العليا للبلاد.
-11  نشر أخبار ومقالات وتحقيقات تؤكد توجه «الأحرار» نحو التشكيك فى جدوى الجهود المبذولة من جانب الدولة لمعالجة القضايا الجماهيرية.
-12  نشر أخبار ومقالات وتحقيقات، من شأنها تأليب الرأى العام ضد الحكومة.
-13 الدعوة لفك الحصار عن شعب العراق رغم انقطاع العلاقات الدبلوماسية معها.
-14 السعى لتنقية الأجواء مع السودان رغم تصادم ذلك مع السياسة العامة للدولة.
-15 نشر أخبار ومقالات وتحقيقات من شأنها أن توتر العلاقات مع دول صديقة.
-16 القيام بعمل عدائى ضد دول أجنبية من شأنه تعريض الدولة المصرية للخطر.
وغيرها من الاتهامات الظالمة.
 

كانت تلك هى الاتهامات الباطلة، والتى وردت فى مذكرة مباحث أمن الدولة، وهى اتهامات، لوكانت النيابة قد أخذت بها، لكنت قضيت ماتبقى من حياتى خلف أسوار السجون، ولكن الله قيض لنا مستشار ورئيس نيابة عادل، هو المستشار هانى برهام، والذى قاوم كل الضغوط، واكتفى بالافراج عنى بكفالة خمسة آلاف جنيه.


بعد الإفراج عنى، تم عقد مؤتمر صحفى عالمى، أكد فيه مصطفى كامل مراد، رئيس الحزب، تمسك جميع قيادات الحزب بمصطفى بكرى رئيسا لتحرير الجريدة، التى تعبر عن برامج الحزب، وسياساته فى مختلف القضايا، موضحا أنه رفض ضغوطا، تعرض لها، لإبعادى عن رئاسة تحرير الجريدة.
 

شارك فى المؤتمر الصحفى، العديد من القيادات السياسية، من بينهم إبراهيم شكرى، رئيس حزب العمل، ومأمون الهضيبى، المتحدث الرسمى باسم جماعة الاخوان، ود. أحمد الصاوى،  عضو المكتب السياسى للحزب الناصرى،  وأبوالعلا ماضى، الأمين العام المساعد لنقابة المهندسين، ود.  إبراهيم الدسوقى أباظة،  السكرتير العام المساعد لحزب الوفد، والقطب الناصرى فريد عبدالكريم، والدكتور حلمى مراد،  نائب رئيس حزب العمل،  وعبدالحميد بركات، أمين التنظيم بحزب العمل والفنانة نادية لطفى، وغيرهم.
 وقام ضياء الدين داود،  الأمين العام للحزب الناصرى بزيارة إلى حزب الأحرار وجريدته، إلتقى خلالها مصطفى كامل مراد، ومعى معلنا تضامن الحزب الناصرى معنا، بينما اتصل الأستاذ الكبير محمد حسنين هيكل، بى، مهنئا بالإفراج عنى، كما اتصل محمد فائق، وزير الإعلام الأسبق، وأعلن 1500 محام من المشاركين فى مؤتمر لجنة الشريعة الإسلامية عن تضامنهم معى، ورفضهم تجسس أجهزة الأمن على الصحفيين، والاعتداء على الحرية والديمقراطية.
لقد خلفت الاتهامات الكاذبةً جرحا غائرا فى نفوسنا، وأشعلت بداخلنا نارا لم تهدأ إلا حين أصدر النائب العام الأسبق رجاء العربى، قراره فى 8 أكتوبر 1998، قرارا بحفظ القضية التى اتهمت فيها، بعدما تبين كذب كل ماورد فيها من اتهامات، وبعد أن ظلت سيفا مصلتا على رقبتى لمدة قاربت على الأربع سنوات.

تابع موقع الجمهور من خلال (يوتيوب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع الجمهور عبر قناة (واتساب) اضغط هــــــــــــنا

تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (نبض) اضغط هــــــــنا

تابع موقع الجمهور عبر تطبيق (جوجل نيوز) اضغط هــــــــنا

الجمهور، موقع إخباري شامل يهتم بتقديم خدمة صحفية متميزة للقارئ، وهدفنا أن نصل لقرائنا الأعزاء بالخبر الأدق والأسرع والحصري بما يليق بقواعد وقيم الأسرة المصرية، لذلك نقدم لكم مجموعة كبيرة من الأخبار المتنوعة داخل الأقسام التالية، الأخبار، الاقتصاد، حوادث وقضايا، تقارير وحوارات، فن، أخبار الرياضة، شئون دولية، منوعات، علوم وتكنولوجيا، خدمات مثل سعر الدولار، سعر الذهب، سعر الفضة، سعر اليورو، سعر العملات الأجنبية، سعر العملات المحلية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق