قال اتحاد العمل النسائي إن مجلسه الوطني ناقش بالتدقيق مقترحات تعديل مدونة الأسرة التي تم الإعلان عن بعضها خلال اللقاء التواصلي للحكومة، باستحضار مذكرته المطلبية والنقاش الواسع والغني الذي خصته الحركة النسائية لهذا الملف المحوري في نضالها من أجل النهوض بالحقوق الإنسانية للنساء.
واعتبر اتحاد العمل النسائي، في بيان له، أن فتح ورش إعادة النظر في مدونة الأسرة هو ورش إصلاحي مهيكل للنهوض بالحقوق الإنسانية للنساء، وإعادة بناء الأسرة على أساس من العدل والمساواة وتحريرها من المقاربة الذكورية التي رهنتها لعقود من الزمن إلى درجة أصبح الحيف والدونية من المسلمات المحمية بمبررات عدة.
وورد ضمن البيان أنه “رغم كل النقاشات الجادة التي واكبت هذا الورش والمذكرات المطلبية الغنية التي قدمت للجنة المكلفة، والدراسات والإحصاءات الرسمية المدعمة لمطلب التغيير الشامل والعميق لمدونة الأسرة الذي رفعته الحركة النسائية والحقوقية من أجل مجتمع يتمتع فيه الجميع بالكرامة والعدالة والمساواة، فإن مقترحات التعديل التي تم عرضها خلال اللقاء التواصلي للحكومة كانت أكثر من مخيبة للآمال”.
وسجّل البيان “كون التعديلات المقترحة لم تستجب لمطالب اتحاد العمل النسائي والحركة النسائية والحقوقية، المتمثلة في تغيير شامل وعميق لمدونة الأسرة ينبني على مقاربة حقوقية ويقطع مع التمييز والحيف والظلم في حق النساء، ومع تكريس علاقات التراتبية والتبعية باسم قوامة ذكورية تجاوزها الواقع بفضل كد النساء وكدحهن”.
وأوضح اتحاد العمل النسائي أن “المقترحات المقدمة لم تعتمد مبادئ المساواة وعدم التمييز والمصلحة الفضلى للطفل، كمرتكز موجه وناظم لها، وكهدف جوهري للإصلاح شكل على مدى عقود أساس المطالبات ومسلسلات المراجعة المتعلقة به، وهو تجاهل سافر لمقتضيات الدستور والمواثيق الدولية المصادق عليها من طرف المغرب، ولرهانات التنمية المستدامة والتقدم والعدالة”.
وسجل البيان “عدم مطابقة التعديلات للواقع وعدم اعتبارها للتطورات التي عرفتها البنى المجتمعية، وعلى الخصوص الأسرة المغربية وأدوار النساء داخلها وعلى صعيد المجتمع ككل، مما سيجعلها عاجزة عن الاستجابة لاحتياجات الأسرة الراهنة وأفرادها وحل مشاكلها المستجدة”.
وذكر اتحاد العمل النسائي، ضمن ما سجله أيضا، “جعل آراء المجلس العملي بمثابة الكلمة الفصل في قضايا ذات أبعاد مجتمعية وحقوقية وسياسية واقتصادية لا يمكن اختزالها في البعد الفقهي فقط، وهو ما يتعارض مع جوهر قضية إصلاح المدونة باعتبارها اختيارا للمجتمع الجدير بمغرب النصف الأول من القرن الواحد والعشرين”.
وقال اتحاد العمل النسائي إن “الأدهى من ذلك الاحتكام إلى قواعد وآراء فقهية تعود إلى عدة قرون خلت وتستجيب لخصوصيات مجتمعية غابرة، بدل إعمال آليات الاجتهاد والانفتاح على روح العصر وعلى التقدم العلمي والتحولات الاجتماعية وتطلعات ملايين النساء المغربيات إلى العدل والكرامة والإنصاف التي تمثل في ذات الآن مقاصد الإسلام وغاياته الفضلى، وهي المهام التي ينتظر من الفقهاءالاضطلاع بها”.
ولفت البيان إلى “الإبقاء على الاستثناء في تزويج الطفلات رغم كل الدراسات والتقارير التي أبرزت عواقبها الوخيمة وضدا على ما تنص عليه الالتزامات الدولية والدستورية للمغرب”، مضيفا أن “رفع السن المسموح فيه بالاستثناء إلى 17 ليس جديدا، بل بدأ العمل به في عدد من المحاكم، ولم يمكن من الحد من الظاهرة ولم يوقف الأصوات العديدة المطالبة بإلغائه”.
وسجل اتحاد العمل النسائي “رفض إلغاء تعدد الزوجات رغم المطالبة الدائمة بالقطع معه نهائيا كما تم القطع مع العبودية (ما ملكت الأيمان) ومع الحدود وغيرها، وذلك لما تمثله من انتهاك لكرامة وحقوق النساء والأطفال، ومن تقويض لاستقرار الأسرة”، مضيفا أن “اقتراح اشتراط عدم التعدد في عقد الزواج لا يمثل جديدا، بل تم اعتماده منذ تعديل مدونة الأحوال الشخصية سنة 1993، لكنه لا يمكن أن يحمي جميع النساء منه، كما أن شروط العقم والمرض المانع للمعاشرة الزوجية المقترحة للإذن به تتنافى كلية مع مقومات التماسك الأسري وتختزل كيان المرأة في البعدين الجنسي والإنجابي، مع أن العقم والمرض المانع من المعاشرة الزوجية مشكل رجالى أيضا وليس خاصا بالنساء”.
وذكر البيان “رفض الخبرة الجينية كأساس لإثبات البنوة ولحوق النسب بالنسبة للأطفال المولودين خارج الزواج، ضدا على المصلحة الفضلى للطفل وعلى مقتضيات الدستور الذي ينص في الفصل 32 على ضمان الحماية القانونية والاعتبار الاجتماعي والمعنوي لكل الأطفال بصرف النظر عن وضعياتهم العائلية”، متسائلا: “إذا كان القدامى يلجؤون إلى اعتماد الأساليب المتاحة كي لا يترك الطفل دون هوية ونسب، كالقيافة مثلا، كيف يعقل اليوم رفض اعتماد التحليل الجيني الذي يعد وسيلة علمية دقيقة لضمان هذا الحق لأطفالنا اليوم؟”.
ومن بين ما سجله البيان “عدم التأكيد على المساهمة المادية للنساء عبر دخلهن الخاص في تحقيق ممتلكات الأسرة وحصر ذلك في عملهن المنزلي، الذي رغم أهمية تثمينه، لا يمكن أن يختزل ما تضطلع به النساء من أدوار، حيث أصبح العديد منهن يتوفرن على دخل ويسهمن في إعالة الأسرة، بل ويتكفلن بها بمفردهن أحيانا، أو يقمن بأعمال فلاحية في إطار المساعدة العائلية”.
وورد ضمن البيان أن “جعل النيابة القانونية مشتركة بين الزوجين في حال قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصامها، وفي الحالات التي لا يتأتى فيها الاتفاق بين الزوجين على إعمال النيابة القانونية المشتركة يرجع في ذلك إلى قاضي الأسرة للبت في الخلاف الناشئ، لا يشكل تغييرا جوهريا، بل سيؤدي إلى استمرار الإشكالات الكثيرة التي تواجه الأم الحاضنة وأطفالها”.
0 تعليق