اليوم التالي لانتهاء الحرب الإسرائيلية.. ما دور مصر في غزة؟

الرئيس نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

 يشكل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة لحظة محورية بالنسبة لمصر، التي لعبت دورًا محوريًا كوسيط. وتواجه مصر الآن تحديًا مزدوجًا يتمثل في تعزيز السلام واستدامته في حين تعمل على تشكيل مستقبل غزة بعد الصراع. 

كما يشكل وقف إطلاق النار فرصة لمصر للتأثير على مسار المصالحة الفلسطينية وإقامة حكومة موحدة هناك، وفقًا لتحليل نشرته صحيفة آراب نيوز.

وأضافت الصحيفة: "إن علاقة مصر بغزة تحكمها عدة حقائق، من بينها أن غزة تقع ضمن نطاق الأمن القومي المباشر والأساسي لمصر، وبالتالي فإن تحركات مصر هناك تتسم بالجدية والاهتمام الوثيق. ويشكل مؤتمر القاهرة الدولي للسلام، الذي حضره ممثلون عن 34 دولة بعد أسبوعين فقط من بدء الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، شهادة على هذا الالتزام".

لقد كانت مصر حاضرة في كل مرحلة من مراحل المفاوضات الشاقة والمعقدة لوقف إطلاق النار. وقد تطلب تحقيق التوافق جهودًا هائلة. 

ومن الجدير بالذكر أن الهدنة الأولى تم التوصل إليها في 24 نوفمبر 2023، أي منذ أكثر من 13 شهرًا، لكنها لم تدم سوى بضعة أيام على الرغم من الإنجازات البارزة مثل تبادل الأسرى، ووقف الأعمال العدائية مؤقتًا، وزيادة المساعدات الإنسانية.

وكانت مصر أول دولة تقترح رؤية شاملة ليس فقط لتحقيق وقف إطلاق النار بل وأيضًا لمعالجة قضايا غزة الأوسع نطاقًا. واستندت هذه الرؤية إلى نهج تدريجي متدرج، مع الاعتراف بتعقيد الوضع.

واقترحت ثلاث مراحل لخفض التصعيد، مع خطوات محددة في كل مرحلة، بما في ذلك وقف الأعمال العدائية، وتبادل الأسرى، وتسليم المساعدات، وفي نهاية المطاف بدء جهود إعادة الإعمار.

إن الجانب الأكثر أهمية يكمن في ما يسمى "اليوم التالي" لانتهاء الحرب، وكيفية التعامل مع خمس قضايا رئيسية يجب معالجتها على وجه السرعة.

 وهذه القضايا هي المسألة السياسية المتعلقة بمن يحكم غزة، والمسألة الأمنية والعسكرية المتعلقة بتأمين المنطقة، والظروف الاقتصادية والمعيشية المرتبطة بإعادة الإعمار، والعواقب الاجتماعية للحرب، والوضع المستقبلي لحماس وفصائل المقاومة الأخرى. وهذه قضايا معقدة للغاية وتتطلب حلولًا فورية ومقبولة.

إن وقف إطلاق النار ليس سوى مرحلة أولية تمهد الطريق لمرحلة أكثر تحديًا، وتتطلب تضافر جهود الأطراف الفلسطينية والإقليمية والدولية لمنع تكرار مثل هذه الحروب. والمسار الوحيد القابل للتطبيق هو الشروع في مفاوضات سياسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين للاتفاق على حل الدولتين. 

وينبغي أن يتوج هذا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش في سلام وأمن واستقرار إلى جانب إسرائيل. وبدون هذا الحل الدائم، يمكن توقع المزيد من الحروب في المستقبل، سواء في غزة أو الضفة الغربية، حيث من المرجح أن تنتهج الحكومة الإسرائيلية سياسات فرض السيادة، وخاصة خلال فترة ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

ويتسم الوضع بعد وقف إطلاق النار بعدة جوانب حرجة. أولها الأزمة الإنسانية. فقد لحقت أضرار جسيمة بالبنية الأساسية في غزة، الأمر الذي ترك الملايين في حاجة ماسة إلى المساعدة.

 وتلعب مصر دورًا حاسمًا في تسهيل وصول المساعدات الإنسانية عبر معبر رفح، وضمان توفير الغذاء والدواء ومواد إعادة الإعمار.

أما الجانب الثاني فيتعلق بالحكم. فقد كانت حماس تسيطر بشكل كامل على غزة، في حين كانت السلطة الفلسطينية تحكم الضفة الغربية. 

ويشكل هذا الانقسام السياسي تحديًا كبيرًا، وهو متجذر في النزاعات السياسية والأيديولوجية والإقليمية. وتتمتع مصر بالعديد من الفرص لدعم جهود المصالحة بين الجانبين. فبوسعها استضافة محادثات المصالحة وتقديم الضمانات لكلا الطرفين، وتشجيعهما على العمل نحو إدارة موحدة في غزة. وبوسع مصر أيضًا أن تستخدم الضغوط الدبلوماسية والحوافز الاقتصادية والشراكات مع القوى الإقليمية مثل قطر والمملكة العربية السعودية.

ويتعين على مصر أن تعالج هذا الانقسام لتعزيز التعاون بين الفصائل المتنافسة، وضمان نجاح الخطط الحالية والمستقبلية لمرحلة ما بعد الحرب.

أما الجانب الثالث فيتمثل في احتمالية استغلال بعض الأطراف في فلسطين لاتفاق وقف إطلاق النار لجذب الانتباه الدولي إلى إعادة إعمار غزة واستقرارها. 

وتستطيع مصر أن تستغل هذا الاهتمام لحشد الدعم العالمي للتوصل إلى حل طويل الأمد للأزمة الفلسطينية.

ويمكن لمصر أن تدفع نحو توحيد غزة والضفة الغربية تحت حكومة فلسطينية واحدة، وهو ما من شأنه أن يساعد في استعادة شرعية القيادة الفلسطينية، وهي الشرعية التي تآكلت بشكل كبير على الصعيدين العالمي والإقليمي.

وبما أن السلام في غزة لا يزال هشًا، فإن ضمان أمن الحدود ومنع تجدد الأعمال العدائية يظلان من الأولويات العاجلة بالنسبة لمصر.

وتواجه مصر العديد من التحديات في جهودها الرامية إلى الاضطلاع بدور مهم في غزة. ومن أبرز هذه التحديات مقاومة بناء المؤسسات في غزة. وبوسع مصر أن تعمل على تشجيع إنشاء لجان أو كيانات محايدة لإدارة جهود إعادة الإعمار مع ضمان الشفافية والمساءلة. 

ومن الممكن أيضًا إشراك الجهات المانحة والمنظمات الدولية في هذه المبادرات بالتنسيق المصري.

ويمكن لمصر أن تدفع نحو توحيد غزة والضفة الغربية تحت حكومة فلسطينية واحدة، وهو ما من شأنه أن يساعد في استعادة شرعية القيادة الفلسطينية، وهي الشرعية التي تآكلت بشكل كبير على الصعيدين العالمي والإقليمي.

ولكن هناك عقبات كبيرة قد تعوق الجهود المصرية. ومن بين هذه العقبات مقاومة حماس لسيطرة السلطة الفلسطينية. فقد تقاوم حماس التخلي عن سيطرتها على غزة قبل الحرب، خوفًا من فقدان نفوذها السياسي.

وقد تؤدي الديناميكيات الإقليمية والدولية أيضًا إلى تعقيد الأمور، إذ إن السياسات الإسرائيلية وردود الفعل الإسرائيلية تجاه الجهود المصرية، وخاصة فيما يتصل بأمن الحدود وحركة البضائع والأشخاص، قد تشكل تحديات.

وينبع التحدي الآخر من شبكة مصالح اللاعبين الإقليميين مثل إيران وتركيا، التي قد تشعر بقلق عميق إزاء النفوذ المصري المتزايد في غزة.

وتشكل القيود الاقتصادية عقبة أخرى، حيث لا تزال مصر تتعافى من أزمة اقتصادية كبيرة ناجمة عن الوباء والحروب الأخيرة. وقد تحد هذه التحديات الاقتصادية من قدرة مصر على تقديم الدعم المالي واللوجستي لغزة.

في الماضي، كان النقاش يدور حول حلم عودة اللاجئين إلى أراضيهم بعد نكبة 1948 وهزيمة العرب في 1967. أما اليوم فقد تحول الحلم إلى تسهيل عودة جديدة بعد الحرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل على غزة. 

ويمكن لمصر أن تلعب دورًا كبيرًا في تسهيل عودة الفلسطينيين، سواء عبر حدودها أو من خلال شركائها الإقليميين.

والحلم الآخر هو عودة السلطة الفلسطينية إلى السلطة والسيطرة، وخاصة على غزة، بعد غياب دام ما يقرب من عقدين من الزمن.

إن هذا يعتمد على عدة عوامل. الأول هو المشاركة الدبلوماسية القوية. ويتعين على مصر أن تحافظ على قنوات الاتصال المفتوحة مع جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك حماس، والسلطة الفلسطينية، وإسرائيل، والجهات الفاعلة الدولية. والدبلوماسية المتوازنة تشكل ضرورة أساسية لبناء الثقة وتعزيز الاتفاق.

العامل الثاني هو امتلاك رؤية بعيدة المدى. فالحلول القصيرة المدى لن تكفي. ويتعين على مصر أن تدعو إلى خطة سلام شاملة تعالج الأسباب الجذرية للأزمة الفلسطينية، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي وحصار غزة.

أما العامل الثالث فهو الاستفادة من الشراكات الإقليمية. إذ يمكن للحلفاء الإقليميين تقديم المساعدات المالية والدعم السياسي للمبادرات المصرية في غزة.

لا شك أن المخاوف الأمنية تظل تشكل عاملًا حاسمًا لضمان نجاح مهمة مصر. وفي غياب معالجة هذه المخاوف فإن تجدد العنف قد يقوض الجهود المصرية. وربما يكون التنسيق مع قوات حفظ السلام الدولية ضروريًا للحفاظ على الاستقرار.

إن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يشكل بداية لمرحلة حاسمة بالنسبة للدبلوماسية الإقليمية المصرية. وعلى الرغم من التحديات الكبيرة، فإن موقع مصر الجغرافي ودورها في الوساطة يمنحها فرصة فريدة لتشكيل مستقبل غزة. 

ويعتمد النجاح على قدرتها على تعزيز الوحدة الفلسطينية، وتأمين الدعم الدولي، وتلبية الاحتياجات الإنسانية والأمنية في المنطقة. وإذا تمكنت مصر من التعامل مع هذه التعقيدات، فقد تبرز كمهندس رئيسي للسلام والاستقرار في الشرق الأوسط

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق