لم تكن حد السوالم، التابعة لعمالة اقليم برشيد، محط أنظار المغاربة فقط، إثر تفكيك شبكة الإخوة الذين تورطوا في التخطيط لعمليات إرهابية أحبطتها يقظة عناصر "البسيج"، فقبل ذلك بأسابيع كانت المنطقة على موعد مع جريمة بشعة راح ضحيتها شاب في مقتبل العمر تم التنكيل به والتمثيل بجثته قبل رميه في الخلاء، ليظل صاحبها يصارع من أجل البقاء.. وبعدها بأيام استيقظ سكان سيدي رحال على جريمة قتل شاب آخر.. والقاسم المشترك بين الجريمتين اقترافهما معا من طرف عصابات لترويج المخدرات، استعملوا شرع اليد للقصاص من بعض زبائنهم المفترضين..
كشفت الجريمتان البشعتان اللتان وقعتا بمنطقة "الخلايف" التابعة لنفوذ جماعة السوالم الطريفية وبحي الشرفاء بجماعة سيدي رحال الشاطئ، وراح ضحيتهما شابان في مقتبل العمر، عن انتشار كثيف لترويج الممنوعات من "بوفا" و"شيرا" و"سنابل كيف" ومختلف أنواع المخدرات، سواء بحد السوالم، الخيايطة وكذا ببعض أحياء ودواوير جماعة سيدي رحال الشاطئ بإقليم برشيد.. انتشار واسع لتجارة المخدرات احترفها أفراد أسر تخصصوا في توفير جميع مستلزمات "البلية".
وحسب ما أفاد به عدد من السكان الذين عاشوا الويلات جراء النشاط الإجرامي لعصابات ترويج المخدرات التي بسطت عصابات تتكون من إخوة يلقبون بـ "أولاد الفاطمي" بالسوالم، و"أولاد دحمان" بسيدي رحال هيمنتها على المنطقة، وصارت تتحرك بكل حرية، إلى غاية وقوع جريمتي قتل أول ضحاياها شاب يدعى "أنوار" مزداد بتاريخ 1998 ينتمي لجماعة أولاد عزوز تعرض للتعذيب حتى الموت على يد أفراد العصابة التي كانت تتخذ من دوار الخلايف مسرحا لجرائمها، والثاني يقطن بدوار الرواكلة بسيدي رحال، قاسمهم المشترك إدمانهم على استهلاك المخدرات التي تروجها عصابات الإخوة.
"الخلايف" سوق مفتوحة للمخدرات
قبل سنوات قليلة مضت، لم يكن التجمع السكاني الخاضع للجماعة القروية السوالم الطريفية الذي يحمل اسم "دوار الخلايف" يُذْكَر إلا بوصفه منطقة فلاحية تعتبر مجالا قرويا استوطنه أفراد أسر وعائلات سالمية احترفت الزراعة وتربية المواشي، قبل أن تطفو على سطح الأحداث أسماء لأفراد أسرة واحدة تضم عددا من الذكور وأنثى وحيدة، يلقبون ب "أولاد الفاطمي" ويترددون على المعتقلات بين فترة وأخرى، فما يكاد أحدهم يغادر أسوار السجن، حتى يترك مكانه لآخر من أشقائه.. إخوة اعتادوا قضاء عقوبات حبسية مختلفة تتنوع مددها حسب المنسوب لهم مما تابعتهم به سلطة الاتهام، من (أكبرهم زهير ثم أسامة وحتى كوثر العنصر النسوي في الأسرة انخرط بدوره في هذا النشاط قبل أن تجد نفسها مطوقة بتهمة قذفت بها خلف القضبان)، وصولا إلى خالد الذي سقط الثلاثاء الماضي في أيدي الأمن، بعد أن فر من دوار الخلايف، إثر تورط عصابته في تنفيذ جريمة قتل شاب يتحدر من إحدى الجماعات القريبة من السوالم.
اختار "خالد" الفرار من مقر سكناه متوجها إلى مدينة الجديدة، معتقدا أنه سيتمكن من الإفلات من العقاب، لكن التحريات الأمنية بتنسيق مع المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، أطاحت به ليتم إعتقاله، بعد أن كشفت مكالمة هاتفية موقعه.
الخلايف.. تعود إلى سكينتها
بعد أن ظلت مقصدا للمدمنين الباحثين عما يطفئ لهفة ما اعتادوا على تناوله من موبقات، وبعد أن كانت فلول المدمنين تجعل "دوار الخلايف" وجهة لها، سواء تحت جنح الظلام أو في وضح النهار، بحثا عن اقتناء ما يغشي منهم العقول والأبصار، عادت الخلايف مع شروع الضابطة القضائية التابعة للفصيلة القضائية في "قطف" رؤوس المتورطين في جريمة قتل الشاب "أنوار" الذي قاده حظه العاثر إلى الوقوع في أيدي من لم يرحموه، عندما اختاروا تعذيبه على طريقة العصابات، وربطه بحبل قبل الإلقاء به في الخلاء وتركه يصارع من أجل النجاة.
لكن الكسور التي طالت عظامه والجروح الغائرة التي تم خطها على جسده لم تترك له من بقية في الحياة، ليلفظ أنفاسه الأخيرة في المستشفى الذي نقل إليه في حالة خطيرة.
وبانطلاق التحقيقات تم الاهتداء إلى المشاركين في جريمة قتل "أنوار" بعضهم قاصرون، وآخرون راشدون تخلوا عن رشدهم عندما وجدوا أنفسهم رهائن ل "البلية" التي أصبحوا بفعلها مستعدين لتنفيذ كل ما يؤمرون به، حتى وإن كان الأمر يتعلق بجريمة تعذيب أفضى إلى القتل.
فاق عدد الموقوفين 10 عناصر، آخرهم الزعيم المعتقل بالجديدة، بعضهم كان قد تخلص من الثياب التي غمرتها دماء الضحية، واغتسلوا بمياه صنبور قريب من إحدى محطات الوقود على الطريق الوطنية (رقم 1) الموسومة بطريق الجديدة.
أموال المخدرات تتحول إلى عمارات
ذكرت مصادر قريبة من التحقيقات التي باشرتها الضابطة القضائية التابعة لمؤسسة الأمن الوطني، أن التحقيقات أفضت إلى أن عصابة أولاد الفاطمي التي كانت تنشط بالخلايف، تمكنت من تحويل الأموال المتحصلة من تجارة المخدرات إلى عقارات، وهكذا تم الوقوف على امتلاك أفراد هذه العصابة لأربعة عمارات بمركز السوالم، تصل قيمتها إلى ما يفوق المليار سنتيم.
وأضافت مصادر (الأحداث المغربية) أن العمارات التي صرح بها زعيم العصابة الموقوف، أخيرا، تعود ملكية اثنين منها له، فيما يمتلك أخ له يقبع بالسجن الاثنين الأخريين. لكن الغريب أن لا أحد من الأخوين يضع العمارات المذكورة في اسمه، ذلك أن السجلات العقارية لها تشير إلى اسم سيدة هي والدة أفراد هذه العصابة.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن والدة أفراد العصابة تمارس نشاطا تجاريا بسيطا بأحد أحياء الدارالبيضاء، لا يخول لها اقتناء أو بناء مثل هذه العقارات التي تصل قيمتها إلى مئات الملايين من السنتيمات.
سيدي رحال.. ملتقى البحر والشيشة و"البوفا"
سيدي رحال، لم تعد هذه الجماعة الساحلية معروفة بشاطئها الممتد من حدود السوالم الطريفية إلى غاية "سيدي صاري" حيث ينطلق المجال الترابي لنفوذ عمالة الجديدة، وجهة للباحثين عن الإصطياف أو سعيا لاستنشاق نسائم البحر، وإنما غدت أخيرا وجهة للباحثين عن "اللذة المدمرة".. في نفوذ هذه الجماعة استشرت الكثير من مظاهر الانحراف من مخدرات ومقاه متعددة لتقديم الشيشة، وهي المظاهر التي لا تقتصر على التجمعات السكانية العشوائية، بل طالت الأحياء المنظمة.
قبل أيام اشتعلت موجة احتجاج قادت المشاركين فيها إلى مقر الدرك الملكي، وأمامه كانت أصابع الاتهام تشير إلى عناصر الدرك الملكي، متحدثة عما وصفته ب "التخادل" الذي قالوا إنه «وصل حد التواطئ مع أفراد عصابات ترويج المخدرات، وعلى رأسها سموم ما يعرف ب "البوفا"..».
هنا في سيدي رحال يتحدث الكبير والصغير عن أشخاص احترفوا ترويج الممنوعات، ووحدها أيدي عناصر الدرك الملكي العاملين بالمركز القريب من الشاطئ تبقى بعيدة عن أن تطول المروجين.. وبعد أن وقع "الفأس في الرأس" كما يقول المثل، وجدت عناصر الدرك بسيدي رحال نفسها وجها لوجه مع المحتجين الذين حملتهم موجة الغضب إلى اقتياد سيارة الإسعاف التي كانت تحمل جثة ضحية عصابة ترويج المخدرات بحي الشرفاء، الذي كان يعرف قبل إعادة هيكلته باسم "دوار الشرفاء".. متوجهين باللوم إلى القائمين على الأمن بالمنطقة.
"البوفا" سبب الهلاك
يقول «عبد العظيم» وهو أحد سكان منطقة الشرفاء، في تصريح ل «الأحداث المغربية» إن «جريمة القتل التي راح ضحيتها شاب يقطن بدوار الرواݣلة، وقع صريعا نتيجة التعذيب الذي وثقته كاميرا المعتدين من أفراد عصابة تعرف ب"أولاد دحمان"، كانت نتيجة حتمية». وأضاف المتحدث ذاته أن «نشاط العصابة المذكورة لم يكن خافيا على أحد»، مضيفا أن «تبليغ السكان عن النشاط المحظور، لم يكن يجد الآذان الصاغية من طرف المسؤولين عن الأمن بسيدي رحال»، وهو الأمر الذي شكل، في نظره، «تشجيعا لأفراد عصابة الإخوة، الذي كانت سطوتهم تتزايد وجبروتهم يتضاعف، بدون خوف من السقوط في يد العدالة».
"البلية" تقود صاحبها إلى حتفه
يقول بعض سكان دوار الشرفاء أو حي الشرف، حسب التسمية الجديدة، إن البحث عن "مستلزمات البلية" هي ما قاد الضحية الملقب ب (دافيد) إلى المصير الذي وقعته أيدي عصابة (أولاد دحمان). وفي هذا الإطار قال أحد الشباب من "دوار الرواكلة" حيث تقطن أسرة الضحية إن «القتيل عُرِف قيد حياته بالإدمان»، وكان «يقصد فضاء نشاط عصابة ترويج المخدرات للتزود بما يحتاجه لإطفاء لهيب إدمانه»، ولأنه «قد يكون تعود على الحصول على مبتغاه بدون سداد مقابله المالي»، وهو «الأمر الذي تكرر مع هذه العصابة، التي يظهر أنها اختارت التخلص من زبون غير مرغوب فيه باللجوء إلى التعذيب المفضي إلى الموت»، وتوثيق مجريات هذه الجريمة صوتا وصورة.
وهو ما أنكره بعض أفراد أسرة الضحية وكذا أحد أقرانه، مشيرين إلى أنه «لم يكن يطلب المخدرات من العصابة مجانا»، مصرحين أنه «كان يؤدي ثمنها»، وأنه «يوم الحادث كانت تنقصه بعض الدراهم، 10 أو 20 درهما، عن السومة التي يفرضها المروجون لكل جرعة "البوفا" ما جعلهم «يرفضون تمكينه من طلبه، ليدخل معهم في صراع انتهى بكسر عظامه والتنكيل به، حيث جرى تصويره وهو مغمى عليه والدماء تكسو وجهه، ليلفظ أنفاسه جراء التعذيب الذي تعرضه له».
بسبب "البلية" فقد "دافيد" حياته، وقبله لقي "أنوار" المصير ذاته، أما السبب في نظر محتجين من سيدي رحال، فهو سطوة عصابات للمخدرات لم تجد من يردعها قبل أن تتجبر وتفرض هيمنتها على أحياء وتجمعات سكنية بأكملها.. وبعد هذه الفواجع، نطرح مع السكان هذا السؤال الحارق: «هل آن لمناطق نفوذ الدرك الملكي أن تخلد إلى الراحة بعد القبض على أفراد أسر اختارت النهج الإجرامي وسيلة لعيشها..؟؟».
0 تعليق