يواجه التمويل المستدام في الاتحاد الأوروبي اختبارًا صعبًا، بين وعود طموحة بجعل القارة الأولى عالميًا في الحياد الكربوني، وقرارات قد تُضعف مصداقية المسار وتُربك المستثمرين.
وأعلنت المفوضية الأوروبية حزمة "أومنيبوس"، أو الحزمة الشاملة، وهي مقترح يهدف إلى تخفيف الأعباء الإدارية عن الشركات وتبسيط لوائح الاستدامة، لكن في جوهرها تبدو ضربة غير متوقعة للأسس التي بنت عليها الكتلة سياستها الخضراء، ما أثار نقاشات حادة منذ صدور المسودة الأولى للمقترح يوم 26 فبراير/شباط (2025).
وأظهر تقرير حديث، اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)، أن الحزمة الجديدة تمثل تراجعًا قد يقوض الجهود الرامية إلى تعزيز الاستثمار الأخضر، ويقف على النقيض من المتطلبات التمويلية الضخمة التي تفرضها الصفقة الصناعية النظيفة في الاتحاد الأوروبي.
وأشار إلى أن التعديلات الجديدة تقترح تقلّص نطاق التقارير الاستدامة ومعايير الشفافية، ما يثير مخاوف من أن يؤدي غياب البيانات الدقيقة إلى تآكل ثقة المستثمرين وتعطيل تدفق رأس المال إلى المشروعات المستدامة.
التمويل المستدام في الاتحاد الأوروبي بين الشفافية وضبابية القرارات
بحسب التقرير الصادر عن معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي، من الممكن أن يواجه التمويل المستدام في الاتحاد الأوروبي تحديات عديدة في ظل التعديلات الجديدة، مؤكدًا أنه دون بيانات دقيقة ومتسقة وقابلة للمقارنة، يواجه الفاعلون الماليون -سواء في القطاع العام أو الخاص- ضبابية تعوق قدرتهم على اتخاذ قرارات مدروسة.
وهنا، يبرز دور الإطار التنظيمي الذي يعزز الشفافية ويرسخ المصداقية لاجتياز المخاطر والاستفادة من فرص التحول في قطاع الطاقة.
وعمل الاتحاد الأوروبي على مدى سنوات على صياغة أحد أكثر أطر التمويل المستدام تطورًا في العالم، حيث أصبح محركًا لتوجيه رأس المال الخاص نحو المشروعات المستدامة وسد فجوات تمويل الطاقة النظيفة.
وفي تحول مفاجئ، تهدد الحزمة الشاملة بتقليص نطاق التمويل المستدام في الاتحاد الأوروبي، من خلال الآتي:
- تقليل عدد الكيانات الملزمة بتقديم تقارير الاستدامة والتصنيف البيئي.
- تخفيف متطلبات التدقيق على سلاسل التوريد.
- تأخير متطلبات الإفصاح وإلغاء الخطط لوضع معايير جديدة.

وتهدد التعديلات استقرار البيئة التنظيمية وتؤدي إلى فقدان بيانات أساسية يحتاج إليها المستثمرون لاتخاذ القرارات، ما سيؤدي إلى تراجع ثقتهم ويزعزع مصداقية تمويل الطاقة النظيفة، خلال وقت تحتاج فيه السياسات الصناعية الأوروبية إلى تعزيز الشفافية والاستقرار.
ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يخاطر بتقليل أعباء الامتثال، في حين يتجاهل الفوائد لامتلاك أشمل أطر التمويل المستدام في العالم، وفق ما رصدته وحدة أبحاث الطاقة.
الاستثمارات المستدامة في الاتحاد الأوروبي
من جهة أخرى، تمثل تقارير الاستدامة والتصنيف -المحددة بموجب توجيهات الإبلاغ عن الاستدامة المؤسسية في الاتحاد الأوروبي- ضرورة لتعزيز الشفافية حول إستراتيجيات التحول والتخطيط والتقدم.
ومع وصول الاستثمارات المتماشية مع تصنيف الاتحاد الأوروبي إلى 250 مليار يورو (260 مليار دولار) في عام 2023، يبدو أن هناك توسعًا ملحوظًا في النشاط الاقتصادي منخفض الكربون.
وأكد تقرير معهد اقتصادات الطاقة والتحليل المالي وجود إمكانات كبيرة للنمو بشرط أن يعمل الاتحاد الأوروبي على توسيع نطاق التصنيف، وتحسين قابليته للتطبيق، مع الالتزام بمعايير تقنية قائمة على أسس علمية.
ورغم إطلاق المعيار الأوروبي للسندات الخضراء ونجاحه المبدئي، إذ شهد إصدارات من الشركات والمؤسسات المالية الخاصة والجهات البلدية؛ فإن الاتحاد الأوروبي لم يلتزم بعد بتطبيقه، لذا يتعين تكثيف المؤسسات العامة جهودها للاستفادة من هذه الأدوات لحشد الاستثمار ودعم الشركات.

بالإضافة إلى ذلك، يرى التقرير أنه يمكن أن تؤدي المعايير المتماشية مع التصنيف دورًا محوريًا في معالجة العقبات التي تواجه معايير المناخ الحالية في الاتحاد الأوروبي، ما قد يفتح الباب أمام توافق استثماري بمليارات الدولارات، خاصة في الأصول السلبية.
وسلط الضوء على أن لائحة الإفصاح عن التمويل المستدام، التي تعتمد -أيضًا- على الأسس التي أرساها توجيهات الإبلاغ عن الاستدامة المؤسسية ونظام التصنيف، هي ذاتها التي تسعى الكتلة إلى تفكيكها، ويهدد ذلك استقرار التمويل المستدام في الاتحاد الأوروبي، ويضعف ثقة المستثمرين.
وأكد التقرير أن التمويل المستدام في الكتلة سيبقى الورقة الرابحة لجذب الاستثمارات وتعزيز قدرته التنافسية في سباق صناعات الطاقة النظيفة، إلا أن خفض الطموح كما تقترحه تعديلات الحزمة الجديدة قد يقوض السياسات التي تعرقل مساعي أوروبا لتكون أول كتلة اقتصادية تحقق الحياد الكربوني.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصدر..
0 تعليق