(CNN) – عندما استقال البابا بيندكتوس السادس عشر من منصبه عام 2013، محققاً سابقة لم تشهدها الكنيسة الكاثوليكية منذ 600 عام، كان لذلك وقع كبير أثار جدلاً واسعاً. اليوم، وبعد أن قضى أسبوعين في المستشفى يعالج من التهاب رئوي، تدور التكهنات في الفاتيكان حول إمكانية أن يحذو خليفته البابا فرنسيس حذوه، ويقدم استقالته في ظروف مشابهة.
البابا فرنسيس قد ينظر في الاستقالة بهذخ الحالة
أوضح أوستن إيفيري، كاتب سيرة البابا، في حديث لشبكة CNN أن البابا فرنسيس قد ينظر في الاستقالة فقط “إذا واجه حالة تنكسية أو مرضاً طويلاً يعيقه عن أداء مهامه البابوية بشكل كامل”، مستشهداً بما سبق أن أشار إليه فرنسيس ذاته في تصريحات سابقة.
وفقاً لما أعلن عنه الفاتيكان، فقد تم وضع البابا فرنسيس على جهاز تنفس يوم الجمعة بعد تعرضه لنوبة مفاجئة من صعوبة التنفس، اشتدت تعقيداتها بسبب القيء. وفي ظل هذه الحالة الصحية المقلقة، أفاد مصدر من داخل الفاتيكان بأن الساعات القليلة المقبلة ستكون حاسمة في تقييم الوضع العام للبابا. ومع ذلك، أفاد الفاتيكان صباح السبت بأن فرنسيس قد نال قسطاً من الراحة بعد ليلة هادئة نسبياً.
الاستقالة من منصب البابوية
الاستقالة من منصب البابوية تختلف تمامًا عن التنحي عن منصب إداري مثل رئيس شركة أو مدير تنفيذي. لا توجد مدة محددة لهذا المنصب، ولا يوجد مجلس إدارة يشرف عليه، حيث يُعتبر منصب البابا وظيفة تستمر مدى الحياة. بالنسبة للكاثوليك، يُنظر إلى البابا فرنسيس باعتباره خليفة القديس بطرس، وأحد ممثلي الخدمة التي أرسى دعائمها المسيح نفسه.
لكن رغم ذلك، تظل البابوية منصبًا إداريًا له تحدياته. حتى الآن، لا توجد معلومة واضحة بشأن مدة بقاء البابا البالغ من العمر 88 عامًا في المستشفى، أو ما قد يحمله تشخيص حالته الصحية على المدى الطويل.
من جانبه، أكد إيفريغ أن تقدم العمر أو الوهن لا يشكلان عائقًا أمام خدمة البابا. وأشار إلى أن الكنيسة الكاثوليكية ليست في وارد إنشاء سابقة تقضي بتخلي البابا عن منصبه بمجرد بلوغه عمرًا معينًا أو إصابته بمرض خطير. علاوة على ذلك، أوضح كاتب السيرة الذاتية للبابا أن الأخير لا يزال “منخرطًا بصورة فاعلة في كل شؤون الكنيسة” ولا يظهر أي رغبة في تقليص دوره بشكل جوهري.
ذكريات اليوم التاريخي في 11 فبراير/2013
استعادت الأحداث الأخيرة ذكريات اليوم التاريخي في 11 فبراير/2013، عندما أعلن البابا بنديكت السادس عشر، المولود باسم جوزيف راتسينغر، تنحيه عن المنصب. الإعلان جاء خلال اجتماع كان يُفترض أن يكون روتينيًا للكرادلة، المعروف بالمجمع الكنسي. وفي ختام الاجتماع، بدأ البابا الألماني يتحدث باللغة اللاتينية، وفاجأ الحاضرين بقرار استقالته. تلك اللحظة خلقت حالة من الارتباك بين الكرادلة الذين تبادلوا التساؤلات حول ما إذا كانوا قد فهموا كلماته بشكل صحيح.
دعوة البابا فرنسيس لاجتماع مجمع كنسي
أثار إعلان الفاتيكان يوم الثلاثاء عن دعوة البابا فرنسيس لاجتماع مجمع كنسي في موعد غير محدد للنظر في مرشحي القداسة موجة من التكهنات، مقارنة باستقالة البابا بنديكت السابقة. الإعلان جاء خلال اجتماع عُقد في المستشفى، حيث يخضع البابا فرنسيس للعلاج، مع كبار مسؤولي الفاتيكان، بمن فيهم الكاردينال بييترو بارولين، أمين سر الكرسي الرسولي، ورئيس الأساقفة إدغار بينيا بارا.
ماركو بوليتي، المعلق المتخصص في شؤون الفاتيكان ومؤلف كتاب حديث عن البابا فرنسيس ، أشار إلى أن المجالس الكنسية أصبحت في فترات معينة ذات طابع سياسي بعد استقالة البابا راتسينغر المفاجئة. وأضاف أن تركيز البابا الحالي يبدو منصبًا على تجاوز التحديات الصحية واستكمال احتفالات اليوبيل السنوي. لكنه أوضح أن فرنسيس، مع بلوغه التسعين عامًا، قد يضطر للنظر في مسألة استمراره على رأس الكنيسة.
يعيش الفاتيكان الآن أجواء اليوبيل الذي يُقام تقليديًا كل 25 عامًا، وهي مناسبة تتسم بالروحانية والرمزية الكبرى. وفي خضم ذلك، يميل فرنسيس دائمًا إلى إبقاء الآخرين في حالة ترقب. لذا، من المتوقع أن يكون قراره بالإعلان عن الاجتماع الكنسي قد أُخذ مع إدراك تام للجدل الذي قد يثيره. ومع ذلك، لا يبدو أن هناك رغبة لدى البابا في البوح بنيته بشأن هذا القرار.
بحسب الخبير إيفريغ، فإن الحرية المطلقة تشكّل الأساس لتمييز مثل هذه القضايا بالنسبة للبابا. استقالة البابا وفقًا لقوانين الكنيسة تتطلب اتخاذ القرار بكل حرية وتجرد من أي ضغوط خارجية، وهو أمر يؤكد مبدأ استقلالية القرار البابوي.
البابا فرنسيس البابوية تُعد مهمة “مدى الحياة
في السابق، أكد البابا فرنسيس أن البابوية تُعد مهمة “مدى الحياة” (ad vitam باللاتينية) وأن مسألة الاستقالة ليست مطروحة ضمن خططه الحالية. ومع ذلك، لم يغلق الباب قط أمام إمكانية الاستقالة، مشيرًا إلى أن قرار البابا بنديكت السادس عشر بالتقاعد فتح آفاقًا جديدة للباباوات المستقبليين للنظر في هذا الخيار.
عُرف انعقاد المجمع الكنسي ليتم اختيار بابا جديد بنفس الطريقة سواء في حال وفاة البابا أو استقالته. لكن في عام 2013، قام البابا بنديكت بتعديل القانون الكنسي ليتيح إمكانية إجراء الانتخابات في وقت أقرب.
البابا فرنسيس، المولود في الأرجنتين، يتمتع بإحساس عميق بمسؤوليته. وحتى أثناء دخوله المستشفى بسبب إصابته بالتهاب رئوي مزدوج، أظهر إصرارًا على التعافي ومواصلة عمله. وفي هذا السياق، صرح رئيس الأساقفة بول غالاغر هذا الأسبوع بأن استقالة البابا ليست واردة على الإطلاق. وأشار إلى أن فرنسيس سيبذل كل ما بوسعه لاستعادة عافيته.
وأضاف غالاغر في تصريح أدلى به لمجلة “أمريكا” الكاثوليكية: “إذا كانت مشيئة الله أن يتحسن البابا، فهذا أمر مبارك. وإذا شاء الله غير ذلك، فسيقبل البابا بذلك أيضًا. هذه هي الروح التي يعيش بها…”
ولا يُستبعد أن يُقدم البابا فرنسيس على قرارات غير متوقعة كما عوّد العالم. وإذا قرر التنحي يومًا ما، فمن المرجح جدًا أن يحدث ذلك في لحظة يصعب التنبؤ بها أو توقعها.
0 تعليق