سيناريوهات التباطؤ قفزت من 10% في بداية العام إلى ما بين 25% إلى 30% في الوقت الراهن
عدم اليقين السياسي أثر سلباً في ثقة الشركات والأسر ما يزيد الضبابية حول التوقعات الاقتصادية
قبل بضعة أشهر فقط، لم يكن الركود الاقتصادي في الولايات المتحدة سوى احتمال بعيد، فقد كان مجرد احتمال ضئيل ضمن التوقعات الاقتصادية. لكن المشهد بدأ يتغير أخيرا، وأصبح الانكماش الاقتصادي، الذي لا يزال مجرد احتمال خطير، أكثر واقعية. فبدءاً من انعدام اليقين السياسي إلى التقلبات في الأسواق المالية الهشة، تتكاثر العوامل التي تلقي بظلالها على أكبر اقتصاد في العالم. تشير عدة مؤشرات مالية رئيسية إلى إشارات تحذيرية واضحة. فقد انخفض العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 أعوام بنحو 70 نقطة أساس خلال الأسابيع الأخيرة، بينما تهاوت أسعار النفط إلى ما دون 70 دولاراً للبرميل. هذه التطورات تتزامن مع سلسلة من البيانات الاقتصادية المخيبة للآمال، ما يعكس تزايد القلق بشأن التداعيات المباشرة للسياسات التجارية للرئيس دونالد ترمب وإصلاحاته في القطاع العام.
تصاعد الضغوط على الاقتصاد
وبالفعل، تشير الاستطلاعات الأخيرة إلى أن عدم اليقين السياسي أثر سلباً في ثقة كل من الشركات والأسر، ما يزيد الضبابية حول التوقعات الاقتصادية. وتتجلى مؤشرات الضعف المتزايد في 3 مراحل واضحة.
فأولاً، تواجه الأسر ذات الدخل المنخفض ضغوطاً متزايدة، إذ تعاني تآكل مدخراتها، وتجاوز الحد الأقصى لبطاقات الائتمان، وارتفاع مستويات الديون.
وثانياً، يتبنى قطاع الشركات الآن نهج "الانتظار والترقب" بشكل أكثر وسط وابل من التصريحات السياسية والتغيرات غير المتوقعة على نحو متزايد في بيئة الأعمال.
ثالثاً، أصبح خطر حرب الرسوم الجمركية المتبادلة أكثر واقعية هذا الأسبوع، ما يهدد بتعطيل سلاسل التوريد العالمية وإبطاء النمو الاقتصادي.
يزداد القلق مع استمرار التضخم في إظهار مقاومة أكبر مما كان متوقعاً، رغم المؤشرات السابقة على تراجعه. هذا السيناريو يثير شبح الركود التضخمي، وهو مزيج مقلق من النمو الراكد وارتفاع الأسعار بوتيرة متسارعة. ونتيجة لذلك، تتزايد المخاوف من احتمال وقوع بنك الاحتياطي الفيدرالي في خطأ جديد في سياسته النقدية، إذ يحاول تحقيق توازن دقيق بين هدفين رئيسيين لسياساته وهما زيادة فرص العمل وضمان استقرار الأسعار.
عوامل دعم الاقتصاد الأمريكي
ومع ذلك، من المهم أن نتذكر أن الركود لا يزال أمراً غير مؤكد في هذه المرحلة. فهناك عدة عوامل يمكن أن تعوض تأثير هذه القوى السلبية.
تسهم أسعار الطاقة المنخفضة في تعزيز القوة الشرائية للمستهلكين وخفض تكاليف الإنتاج التي تتحملها الشركات. إلى جانب ذلك، قد تؤدي سياسات إلغاء القيود التنظيمية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية إلى تحفيز موجة من الاستثمارات في الشركات.
وعلى الرغم من أن الاضطرابات قصيرة الأجل الناتجة عن سياسات ترمب التجارية لا يمكن إنكارها، إلا أنها قد تسهم على المدى الطويل في رفع الإنتاجية من خلال الابتكار في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات وعلوم الحياة، ما قد يعزز النمو الاقتصادي المستقبلي.
وبالمثل، إذا تمت إدارة إصلاحات القطاع العام بشكل فعال، فقد تسهم في تحسين كفاءة العمليات الحكومية بل وقد تساعد أيضاً على تخفيف أعباء الديون.
تباطؤ النمو يهدد الاقتصاد
ومع ذلك، تغيرت موازين المخاطر. فمسألة مراجعة خبراء الاقتصاد لتوقعاتهم للنمو في 2025 بالخفض من متوسط التوقعات البالغ 2.3% في استطلاع "بلومبرغ" لشهر فبراير أصبحت مسألة وقت. وليس من المستبعد أن يصل التخفيض إلى نقطة مئوية كاملة، ما يثير القلق بشأن مدى اقتراب الاقتصاد الأمريكي من مرحلة "الركود".
ورغم أن احتمالات الركود لا تزال منخفضة نسبياً، إلا أنها قفزت من 10% في بداية العام إلى ما بين 25% إلى 30% حالياً. يُشكل هذا تطوراً خطير ومقلقاً للغاية بالنسبة لاقتصاد يتمتع بإمكانات وطموحات كبيرة، إضافة إلى أسعار أصول مرتفعة ودور حاسم في تحفيز النمو الاقتصادي العالمي.
خاص بـ"بلومبرغ"
0 تعليق