عندما تولت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم منصبها العام الماضي، واجهت مجموعة هائلة من التحديات السياسية والاقتصادية: الديون المرتفعة، والعجز المالي، وتفشي عنف عصابات المخدرات، والأزمة المتصاعدة على الحدود مع الولايات المتحدة. وكأن ذلك لم يكن كافيا، هَـدّد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية شاملة على الواردات المكسيكية، التي إذا ما فُرضت، فقد تتسبب في إصابة اقتصاد المكسيك بالشلل وتزيد من زعزعة استقرار نظامها السياسي.
خلال الأسابيع الـ6 الأخيرة، أعاد ترمب تسمية خليج المكسيك بـ"خليج أمريكا"، وهدد بالتدخل العسكري على الأراضي المكسيكية، متذرعا بفشل المكسيك في منع المهاجرين من عبور الحدود. كما أغلقت إدارة ترمب الحدود أمام طالبي اللجوء، الذين سُمح لهم في السابق بالدخول في انتظار البت في طلباتهم. وقد فرض ذلك ضغوطا هائلة على السلطات المكسيكية، التي اضطرت إلى توسيع المرافق الإنسانية القصيرة الأجل لاستيعاب العدد المتنامي من المهاجرين العالقين على جانبها من الحدود.
لكن الإجراء الأكثر أهمية الذي اتخذه ترمب كان قراره بفرض تعريفة جمركية بنسبة 25% على السلع المكسيكية، الأمر الذي سيدفع المكسيك بالتأكيد إلى حالة من الركود. وفي حين تمكنت شينباوم من تأمين تأجيل لمدة 30 يوما من خلال الموافقة على نشر 100 ألف جندي مكسيكي إضافي لمراقبة الحدود مع الولايات المتحدة، صرح ترمب بأن الرسوم الجمركية "ستمضي قدما في الموعد المحدد"، قبل أن يثير مزيدا من الارتباك حول توقيتها. على افتراض دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ وحدوث ركود اقتصادي، فإن العواقب على الاقتصادين المكسيكي والأمريكي قد تكون بعيدة المدى، إلى الحد الذي يزيد من ضغوط الهجرة.
إن الاعتماد الكبير على التجارة مع الولايات المتحدة يجعل المكسيك معرضة بشكل خاص لتحولات السياسة الأمريكية. المكسيك هي ثامن أكبر مُـصَـدِّر في العالم، حيث تمثل صادراتها نحو 43% من ناتجها المحلي الإجمالي. وفي 2023، تجاوزت الصين لتصبح أكبر شريك تجاري لأمريكا، وهذا يؤكد اعتمادها الاقتصادي على جارتها الشمالية.
يتوجه نحو 80% من الصادرات المكسيكية إلى الولايات المتحدة، حيث تشكل الأجزاء والمكونات المستخدمة في تجميع السلع النهائية، مثل السيارات والأدوات الآلية، ما يقرب من 90% من هذه الصادرات. وتعبر بنود عديدة الحدود 7 أو 8 مرات قبل أن تصل إلى هيئتها النهائية، حيث ينطوي التصنيع على مراحل متعددة، تتطلب كل منها مكونات إضافية. إضافة إلى السلع، تعتمد المكسيك أيضا على التجارة في الخدمات، التي شكلت 7.4% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023.
يعود التكامل الاقتصادي بالنفع على كندا والولايات المتحدة، فإنه يُـعَـد شديد الأهمية بشكل خاص للمكسيك. في 2024، بلغ نصيب الفرد في ناتج المكسيك المحلي الإجمالي، تبعا لتعادل القوة الشرائية، 25 ألف دولار، أي أقل من ثلث نظيره في الولايات المتحدة. وإضافة إلى التجارة في السلع، يعتمد اقتصاد المكسيك بشكل كبير أيضا على الاستثمار الأجنبي، والسياحة الأمريكية، والتحويلات المالية.
وبالتالي، فحتى لو تخلى ترمب عن خطته لفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على البضائع المكسيكية، فسيظل من الوارد أن تتلقى المكسيك ضربة قوية بفعل سياساته التجارية. أثناء حملته الرئاسية، اقترح ترمب فرض تعريفة جمركية شاملة بنسبة 10% على جميع السلع المستوردة.
من المؤكد أن التجارة ليست سوى جزء من المعادلة. فقد دأب ترمب وأنصاره على إلقاء اللوم على المكسيك عن تدفق المهاجرين المطرد إلى الولايات المتحدة، واصفين ذلك بأنه "غزو". لكن على الرغم من ارتفاع العدد الإجمالي للمهاجرين الذين يحاولون عبور حدود الولايات المتحدة الجنوبية في السنوات الأخيرة، فإن الهجرة غير الشرعية من المكسيك انخفضت في حقيقة الأمر بنسبة 34% منذ 2007.
يعكس هذا الانخفاض في الهجرة المكسيكية إلى حد كبير ارتفاع مستويات المعيشة، التي أصبحت ممكنة بفضل التجارة الحرة. لكن على الرغم من هذا التقدم، تظل التحويلات المالية من المهاجرين في الولايات المتحدة تشكل ركيزة مهمة للاقتصاد المكسيكي، حيث مثلت 4.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2023.
من ناحية أخرى، تسببت حالة انعدام اليقين بشأن تعريفات ترمب الجمركية في انخفاض تدفقات رأس المال إلى المكسيك، وإن كان هذا الانخفاض جرى التعويض عنه جزئيا من خلال نقل الشركات إنتاجها إلى خارج الصين. لكن المخاطر تمتد إلى ما هو أبعد من المكسيك والولايات المتحدة. فوفقا لتقرير صادر عن Global Trade Alert، فإن 117 دولة من أصل 173 دولة جرى تقييمها معرضة لخطر الانتقام التجاري من جانب الولايات المتحدة، حيث تأتي المكسيك ضمن أكبر 15 دولة.
خاص بـ "الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.
0 تعليق