الرسوم الجمركية وصدمات العرض الاقتصادية

مال 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

وفقًا لتقديرات مختبر ييل للميزانية، وصلت الرسوم الجمركية الأمريكية إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1943، بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك، وزيادة الرسوم على الواردات الصينية إلى 20%. تندرج النتائج المتوقعة لهذه الإجراءات ضمن مفهوم اقتصادي يُعرف “بصدمات العرض” ، مثل تلك الأخيرة التي حدثت بعد جائحة كوفيد-19، وأدت إلى زيادة في معدلات التضخم، تلتها إجراءات من البنك الفيدرالي للسيطرة على التضخم من خلال رفع سعر الفائدة.

تُعد صدمات العرض أحداثًا غير متوقعة تسبب تغييرات مفاجئة في توفر السلع أو الخدمات، وهي من العناصر الرئيسية التي يمكن أن تؤثر على التوازن الاقتصادي، حيث تتسبب في تقلبات بالأسعار وتؤثر على الاستقرار الاقتصادي العام. يمكن أن تكون هذه الصدمات سلبية، مثل الكوارث الطبيعية أو عدم الاستقرار السياسي أو الأوبئة، أو التغييرات التشريعية المفاجئة في الرسوم الجمركية أو الضرائب. ويمكن أن تكون إيجابية، مثل الابتكارات التكنولوجية أو اكتشاف موارد جديدة أو إعادة بناء الدول المتضررة من كوارث أو حروب.

تؤثر صدمات العرض على الاقتصاد بطرق متعددة، منها تغييرات الأسعار، والإنتاج الاقتصادي، ومستويات التوظيف. فعلى سبيل المثال، يمكن للصدمات السلبية أن تؤدي إلى زيادة الأسعار وتراجع الإنتاج الاقتصادي وارتفاع البطالة، بينما يمكن للصدمات الإيجابية أن تعزز النمو الاقتصادي وتخلق فرص عمل جديدة. وللتخفيف من آثار صدمات العرض، تلجأ الحكومات والبنوك المركزية إلى سياسات نقدية ومالية، مثل تعديل أسعار الفائدة أو تنفيذ برامج إنفاق حكومي لدعم الاقتصاد. كما يمكن أن تشمل الإجراءات الحكومية تغييرات تنظيمية لزيادة مرونة العرض وتعزيز التجارة.

يعتبر فهم وإدارة صدمات العرض أساسيًا للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، خصوصًا في ظل التحديات الحالية التي تواجه الاقتصاد العالمي بسبب التوترات التجارية وارتفاع الرسوم الجمركية والحرب التجارية بين الولايات المتحدة والدول الكبرى المصدرة للسوق الأمريكية.

تأتي هذه التطورات بينما تشير البيانات الاقتصادية الحديثة إلى تباطؤ في الإنفاق الاستهلاكي والتصنيع والاستثمار التجاري في الولايات المتحدة، مصحوبة بتسريح العمال. وقد أشار جون ويليامز، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، إلى أن القلق بشأن الرسوم الجمركية يؤثر على توقعات التضخم لدى كل من الشركات والمستهلكين، مما قد يؤدي إلى تراجع ثقة المستهلكين والشركات.

أما الأسواق المالية، فهي ليست بأفضل حال من المستهلكين والشركات، حيث شهدت المؤشرات الرئيسية انخفاضًا ملحوظًا توقعًا لعواقب هذه الإجراءات الجديدة. الشركات الأمريكية التي تعتمد على الواردات الصينية والمكسيكية، سواء كانت منتجات استهلاكية أو منتجات أولية تدخل في الصناعات الاستهلاكية، ستتأثر بشكل كبير. هذه الشركات أمام خيارين: إما تمرير كلفة الرسوم الجمركية إلى تجار التجزئة والمستهلك، أو القبول بهوامش ربحية أقل، ما لم تقلل الحكومة الأمريكية الرسوم الجمركية أو الضرائب على هذه الشركات على المدى القصير، أو تخفض أسعار الطاقة كما وعدت إدارة ترامب على المدى المتوسط.

على سبيل المثال، انخفض سهم شركة بست باي بنسبة تقارب 13%، وهي شركة تجزئة أمريكية تعتمد على بيع الأجهزة الاستهلاكية المستوردة من الصين والمكسيك، وسط تراجع عام في سوق الأسهم.

هناك أثر محتمل آخر وهو احتمال ارتفاع معدلات التضخم مرة أخرى، وقد يصل الأمر، كما يدعي بعض المحللين، إلى ما يُعرف بالتضخم الركودي، وإن كان نسبيًا لا مطلقًا، كالذي حدث في النصف الأول من السبعينيات نتيجة زيادة أسعار النفط. التضخم الركودي هو إحدى الظواهر الاقتصادية الأكثر إرباكًا التي يواجهها الاقتصاديون وصانعو السياسات، حيث يجمع بين الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات التضخم، مُسبِّباً تباطؤًا في النمو الاقتصادي وزيادة في معدلات البطالة، إلى جانب تصاعد في مستويات التضخم.

لاشك أن الحكومة الأمريكية تدرك عواقب هذه الإجراءات ، ولاشك أنها لديها معالجات وخطط لتخفيف لصدمة العرض المتوقعة على المدى القصير والمتوسط ( خلال ولاية ترامب الحالية )، ولكن السؤال الأهم هو : ماذا لو فُقِدَت السيطرة على زمام الأمور ودخل الاقتصاد الأمريكي في حالة تضخم جديدة يعقبها زيادة في سعر الفائدة ثم يلحقها تضخم ركودي ؟

الاقتصاد العالمي وسلاسل الإمداد فيه أقرب ما يمكن أن يُشبه بالدورة الدموية في الجسم والتي تحتاج شرايين تضخ وأوردة تجلب تحت معدل تدفق محدد وضغط طبيعي ، وأي خلل في هذه الدورة قد يتسبب بجلطة اقتصادية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق