أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان.. كيف يغير توازنات الطاقة في جنوب القوقاز (مقال)

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اقرأ في هذا المقال

  • • خط أنابيب الغاز إغدير-نخجوان يهدف إلى تقليل اعتماد أذربيجان على المصادر الخارجية
  • • المشروع يعمل على توسيع شراكات الطاقة السابقة بين أذربيجان وتركيا
  • • تقليل اعتماد نخجوان على إيران يعزز الاستقرار السياسي والاقتصادي في جنوب القوقاز
  • • خط أنابيب الغاز إيغدير-نخجوان يُعدّ ضروريًا لتطوير التكامل الاقتصادي بين تركيا وأذربيجان

يمثّل تشغيل أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان، المعروف باسم "إغدير-نخجوان" (أو ناختشيفان)، تحولًا كبيرًا في مسارات الطاقة والجيوسياسية بمنطقة جنوب القوقاز.

ويعزز هذا المشروع الإستراتيجي، الذي يربط مقاطعة إغدير التركية بمنطقة نخجوان الأذربيجانية، أمن الطاقة في أذربيجان، مع الحدّ من اعتماد نخجوان على إمدادات الغاز الإيرانية.

ومن خلال تنويع ممرات الطاقة وتعميق التعاون بين تركيا وأذربيجان، يقلّص خط الأنابيب نفوذ إيران في المنطقة، ويتماشى مع إستراتيجيات الطاقة الجيوسياسية الأوسع نطاقًا.

وفي ظل تعامل القوى العالمية والإقليمية مع مشهد الطاقة المتغير، يبرز أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان مكونًا محوريًا في المعادلة الجيوسياسية المتطورة في جنوب القوقاز.

خط الغاز إغدير-نخجوان

يُعدّ إنشاء أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان خطوة مهمة نحو ضمان أمن الطاقة في نخجوان على المدى الطويل، والحدّ من اعتمادها التاريخي على الغاز الإيراني.

ومن خلال إنشاء إمدادات طاقة موثوقة ومباشرة من تركيا، يعمل المشروع على تعزيز الاستقلال الإستراتيجي والمرونة الاقتصادية لنخجوان.

ويضمن المشروع إمدادات طاقة مستدامة للمنطقة على مدى الـ30 عامًا المقبلة، بسعة أولية تبلغ 500 مليون متر مكعب سنويًا، ويمكن توسيعها إلى 1.82 مليار متر مكعب.

أعمال مد أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان
أعمال مدّ أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان – الصورة من (إنكوتك)

بالإضافة إلى توفير أمن الطاقة، يهدف خط الأنابيب إلى تقليل اعتماد أذربيجان على المصادر الخارجية، التي قد تُستعمل أداة ضغط سياسي، ويعزز سيادتها الإقليمية على نخجوان.

إلى جانب ذلك، تشكّل المبادرة خطوة نحو إعادة إرساء الارتباط الإقليمي بين أذربيجان وممر زانجيزور المتنازَع عليه منذ مدة طويلة.

وعند تشغيل أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان، فإنه سيوفر ربطًا بريًا مباشرًا بين أذربيجان ونخجوان، متجاوزًا أرمينيا.

ويسلّط خط الأنابيب الضوء على الجهود المستمرة لتغيير التوجهات الإقليمية والحدّ من الاعتماد على الممرات التي تسيطر عليها إيران، بالرغم من أن التحديات الجيوسياسية ما تزال قائمة.

التداعيات الجيوسياسية

يقلل أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان من النفوذ الإيراني والروسي، ويغيّر توجهات الطاقة في جنوب القوقاز.

وفي الوقت نفسه، فإنه يحدّ من اعتماد أذربيجان على شبكات الطاقة الروسية، ويلغي حاجة نخجوان إلى الغاز الإيراني، ومن ثم يقوّض نفوذ طهران على المقاطعة الحبيسة.

ويعزز هذا التغيير مكانة تركيا بصفتها مركزًا حيويًا لنقل الطاقة، ويرسّخ سيادة أذربيجان في مجال الطاقة.

ويعمل أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان على توسيع شراكات الطاقة السابقة التي عززت التعاون الإستراتيجي بين البلدين، مثل خط أنابيب النفط باكو-تبليسي-جيهان وخط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول.

ويهدف خط أنابيب إغدير-نخجوان إلى تعزيز الروابط الاقتصادية والسياسية والأمنية المشتركة بين البلدين، من خلال زيادة تكامل شبكات الطاقة لديهما.

ومن منظور الاعتبارات الجيوسياسية الإقليمية، يقدّم هذا التحالف المعزّز تركيا وأذربيجان بصفتهما جبهة واحدة. بالإضافة إلى ذلك، من خلال تعزيز مكانة أذربيجان مزودًا موثوقًا به للطاقة، فإن أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان له تداعيات على أمن الطاقة الأوروبي.

بدورها، تكتسب صادرات الطاقة الأذربيجانية عبر تركيا أهمية متزايدة وسط سعي الاتحاد الأوروبي إلى تقليل اعتماده على الغاز الروسي.

وتماشيًا مع الأهداف الإستراتيجية الرامية إلى تحسين القدرة على التعامل مع حالة الضبابية الجيوسياسية، فإن تطوير طرق إمداد بديلة يدعم مبادرات تنويع مصادر الطاقة الأوروبية.

إحدى محطات خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول (تاناب (TANAP
إحدى محطات خط أنابيب الغاز الطبيعي العابر للأناضول (تاناب TANAP) – الصورة من صحيفة ديلي صباح التركية

دور خط الأنابيب في أمن الطاقة الأوروبي

يُعدّ أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان أحد المكونات الرئيسة لخطّة تنويع الطاقة طويلة الأجل في أوروبا.

ومن خلال دعم البنية الأساسية القائمة، حاليًا، مثل (تاناب) وخط الأنابيب عبر البحر الأدرياتيكي، فإنه يعزز اندماج أذربيجان في أسواق الطاقة الأوروبية.

وفي تأكيد موقف تركيا بصفتها مركزًا إقليميًا للطاقة، سلّط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الضوء على أهمية المشروع لأمن إمدادات الغاز في أوروبا.

ومن الممكن أن يؤدي توسيع سعة خط الأنابيب في المستقبل إلى تعزيز تدفقات الغاز الأذربيجاني للأسواق الأوروبية، ما يوفر بديلًا للإمدادات الروسية، على الرغم من أن آثاره الفورية قد تكون ضئيلة.

ومن خلال ضمان سلسلة إمدادات طاقة أكثر استقرارًا وأمانًا، يعمل المشروع على تحسين الاستقرار الإقليمي، بالإضافة إلى كبح المخاوف المتعلقة بالطاقة.

ويعزز تقليل اعتماد نخجوان على إيران الاستقرار السياسي والاقتصادي في جنوب القوقاز، ويقلل من احتمالات انقطاع طرق نقل الطاقة، ويرسّخ أمن الإمدادات في أوروبا عمومًا.

تسهيل عبور الغاز

على الرغم من أن أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان يهدف في البداية لتزويد نخجوان بالغاز، فإن إمكاناته على المدى الطويل تكمن في تسهيل عبور الغاز في الاتجاه المعاكس.

وقد طورت أذربيجان خط أنابيب أكبر من باكو إلى ممر زانجيزور، بسعة تزيد على 3 أمثال سعة خط إغدير-نخجوان.

وعند توصُّل أذربيجان وأرمينيا إلى اتفاق لبناء جزء من خط الأنابيب بطول 50 كيلومترًا عبر الأراضي الأرمينية، فقد يؤدي ذلك إلى تغيير تدفقات الطاقة الإقليمية بشكل كبير.

ومن شأن مثل هذا التطور أن يسمح لأذربيجان بتزويد نخجوان وأجزاء من أرمينيا بالغاز مباشرةً، ما يقلل من اعتماد أرمينيا على الواردات الروسية، ويخلق حوافز اقتصادية للتعاون.

إضافة إلى ذلك، يمكن نقل الغاز الفائض من نخجوان إلى مقاطعة إغدير التركية، ما يحوّل نخجوان إلى مركز عبور رئيس بدلًا من مجرد متلقي للطاقة.

ومن شأن هذا التحول أن يعزز الترابط الإقليمي، ويعزز الاستقرار الاقتصادي والجيوسياسي، من خلال توطيد التعاون في مجال الطاقة بين أذربيجان وأرمينيا وتركيا.

(من اليمين) الرئيس التركي ونظيره الأذربيجاني أثناء مراسم تشغيل خط أنابيب الغاز الطبيعي إغدير–نخجوان
(من اليمين) الرئيس التركي ونظيره الأذربيجاني خلال مراسم تشغيل خط أنابيب الغاز الطبيعي إغدير–نخجوان – الصورة من وكالة الأناضول

الاستقرار الإقليمي والتنمية الاقتصادية

من خلال تحسين العلاقات التجارية والاستثمارية، يُعدّ أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان -المعروف باسم إغدير-نخجوان- ضروريًا لتطوير التكامل الاقتصادي بين البلدين.

ومن المتوقع أن يشجع خط الأنابيب تطوير البنية الأساسية والتجارة عبر الحدود والمشروعات المشتركة في العديد من الصناعات، مع توسُّع التعاون في مجال الطاقة.

ويتناسب المشروع مع البرامج الإقليمية الأكبر مثل منظمة الدول الناطقة بالتركية (OTS)، التي تسعى إلى تحسين التعاون بين الدول في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى.

بالإضافة إلى مزاياه الاقتصادية، يساعد خط الأنابيب في حل النزاعات الإقليمية من خلال تقليل ضعف نخجوان طويل الأمد في مجال الطاقة.

على صعيد آخر، يتحسَّن موقف أذربيجان التفاوضي، خصوصًا ما يتعلق بممر زانجيزور، وفي الوقت نفسه يقلّ النفوذ الخارجي على طموحاتها الإقليمية بعد تأمين استقلال الطاقة في المقاطعة الحبيسة.

يُعدّ خط الأنابيب أحد مكونات إستراتيجية الترابط الاقتصادي الأكبر التي تعزز الاستقرار والمشاركة الدبلوماسية في المنطقة، على الرغم من أنه لا يمكنه تخفيف التوترات القائمة بين أذربيجان وأرمينيا تمامًا.

تراجع دور إيران في سياسات الطاقة الإقليمية

مع بدء تشغيله في 5 مارس/آذار 2025، سيغيّر أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان بشكل كبير بيئة الطاقة في المنطقة، ما يقلل من نفوذ إيران، ويحسّن أمن الطاقة في نخجوان.

ومن المتوقع أن يوفر خط الأنابيب هذا -الذي يبلغ طوله 97.5 كيلومترًا، ويربط مقاطعة إغدير في تركيا بجمهورية نخجوان المتمتعة بالحكم الذاتي في أذربيجان- 730 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويًا.

وسيؤدي هذا إلى إلغاء اعتماد نخجوان على واردات الغاز الإيراني، وتلبية جميع احتياجاتها من الطاقة.

بالإضافة إلى معالجة مشكلات الطاقة في نخجوان الناجمة عن موقعها البعيد، فإن المشروع، الذي كان جهدًا تعاونيًا بين شركة سوكار (SOCAR) الأذربيجانية وشركة بوتاش (BOTAŞ) التركية، يعزز التحالف الإستراتيجي بين البلدين.

ويقلل استكمال أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان فعليًا من اعتماد نخجوان على الطاقة الإيرانية، وهو ما يشكّل انتكاسة كبرى لإيران.

فقد كانت نخجوان تعتمد في السابق على اتفاق لتبادل الغاز مع إيران، حيث كانت إيران تزود نخجوان بالغاز، في حين كانت أذربيجان ترسل الغاز إلى إيران عبر خط أنابيب باكو-أستارا، وكانت هذه الشبكة تفتقر إلى الاستقرار والموثوقية.

وأصبحت إيران، حاليًا، مستبعدة من تجارة الطاقة الإقليمية لانخفاض اعتماد أذربيجان على خطوط الطاقة الإيرانية بسبب خط الأنابيب الجديد.

ويغيّر هذا التطور الديناميكيات الجيوسياسية في جنوب القوقاز من خلال تعزيز التحالف بين أذربيجان وتركيا وتحسين أمن الطاقة في نخجوان.

جانب من تشغيل أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان
جانب من تشغيل أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان- الصورة من صفحة وزير الطاقة التركي في "إكس"

الخلاصة

يتمثل أحد المشروعات الإستراتيجية المهمة التي تغيّر البيئة الجيوسياسية بمنطقة جنوب القوقاز في أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان.

فهو يعزز سيادة أذربيجان، في حين يمنح نخجوان في الوقت نفسه مصدرًا مستقلًا للطاقة، الأمر الذي يقلل من نفوذ إيران الإقليمي.

ومن خلال تعزيز مكانة أنقرة في شبكات الطاقة الإقليمية، يعمل أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان على تعزيز مكانتها مركزًا مهمًا لنقل الطاقة.

وعمومًا، يدعم أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان هدف باكو المتمثل في تنويع إمداداتها من الطاقة وخفض الاعتماد على الخطوط الإيرانية والروسية.

ويشكّل خط الأنابيب عنصرًا حيويًا في الشراكة المتوسعة بين تركيا وأذربيجان في مجالات البنية الأساسية والتجارة والأمن، وتعزيز الترابط الاقتصادي ودعم الاستقرار الإقليمي.

ومن خلال تعزيز مكانة أذربيجان موردًا موثوقًا به ومتنوعًا للطاقة، يسهم خط الأنابيب في أمن الطاقة الأوروبي. من ناحية ثانية، يُعدّ المشروع ضروريًا لتحسين مرونة الطاقة في أوروبا، لأنه ينوع مصادر الطاقة ويقلل من الاعتماد على الغاز الروسي.

وهذا يتماشى مع الخطة الشاملة للاتحاد الأوروبي للحدّ من انقطاع الإمدادات والتهديدات الجيوسياسية.

ويعزز أنبوب الغاز بين تركيا وأذربيجان ممر الغاز الجنوبي، وهو جزء حيوي من مبادرات تنويع مصادر الطاقة في الاتحاد الأوروبي، وذلك من خلال تمكين تدفقات الغاز عبر تركيا.

إضافة إلى ذلك، فإن تأثيرات خط الأنابيب تتجاوز تنويع إمدادات الطاقة في الأمد القريب، فهو يعزز الروابط السياسية والاقتصادية الوثيقة بين أوروبا وتركيا وأذربيجان، ما يخلق فرصًا لزيادة الاستثمار في البنية الأساسية والتعاون في مجال الطاقة.

وفي المقابل، يساعد تعزيز قدرة أذربيجان على تصدير الطاقة بتطوير موارد الغاز الطبيعي الوفيرة في منطقة بحر قزوين، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة الإمدادات إلى الأسواق الأوروبية.

وتُعزَّز بيئة طاقة أكثر تنافسية وتوازنًا من خلال خفض الاعتماد على شبكات الطاقة الإيرانية والروسية، الأمر الذي يقلل من نفوذها على تدفقات الطاقة الإقليمية.

وفي النهاية، يعدّ خط أنابيب إغدير-نخجوان مثالًا رئيسًا لطريقة تعزيز المبادرات الإستراتيجية للطاقة لأمن الطاقة على المدى الطويل، والتوسع الاقتصادي، والاستقرار الجيوسياسي الأوسع في جنوب القوقاز وخارجه.

الدكتور أومود شوكري، الخبير الإستراتيجي في مجال الطاقة، الزميل الزائر الأول في جامعة جورج ميسون الأميركية، مؤلف كتاب "دبلوماسية الطاقة الأميركية في حوض بحر قزوين: الاتجاهات المتغيرة منذ عام 2001".

* هذا المقال يمثّل رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق