مياه الصرف الصحي تتحول إلى "كنز" للمعلومات في اكتشاف الفيروسات والأوبئة

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

كثيرا ما يُسْمَع في المكتب الاتحادي للبيئة في ألمانيا العبارة القائلة إن “مياه الصرف الصحي هي معلومات”، ذلك أن من الممكن تحليل الإفرازات التي تصل إلى المياه العادمة من البشر والكائنات الحية الأخرى في المختبرات، حيث يمكن أن تكشف المخلفات الموجودة في هذه المياه عن المخدرات والأدوية والمواد الكيميائية البيئية وأخيرًا، وليس آخرًا، عن مسببات الأمراض.

ورغم أن هذه الفحوص موجودة منذ فترة طويلة، فإن استخدام تحليلات المياه العادمة كأداة لمراقبة مسببات الأمراض لم يصبح معروفا إلا خلال جائحة “كورونا”. وهناك مشروع حالي للمكتب الاتحادي للبيئة ومعهد “روبرت كوخ” يسعى إلى تحقيق عدة أهداف، من بينها تحديد مسببات الأمراض التي يجب البحث عنها في المياه العادمة في المستقبل، لأن الخبراء يعتقدون أن من الممكن أن تظهر أوبئة أخرى، وفي مثل هذه الحالة يمكن أن تكشف تحليلات المياه العادمة مبكرًا عن مدى تفشي العدوى وتتيح اتخاذ إجراءات مضادة.

غير أن مثل هذه الطريقة في الكشف عن مسببات الأمراض ليست شيئًا جديدًا في الواقع، حيث كان تم اكتشاف الفيروسات السنجابية المسببة لمرض شلل الأطفال في المياه العادمة بالولايات المتحدة قبل 85 عاما. وقبل سنوات قليلة، وعلى الرغم من الإعلان عن القضاء على تلك الفيروسات في أمريكا الشمالية، فإن تحليلات المياه العادمة في نيويورك كشفت عن زيادة في ظهور الفيروسات السنجابية، مما أدى إلى إعلان حالة الطوارئ الصحية هناك في سبتمبر 2022.

وكان معروفًا أن فيروس شلل الأطفال يمكن اكتشافه في براز المصابين، غير أنه لم يكن من الواضح بأي حال من الأحوال في بداية جائحة “كوفيد-19” أن هذا ينطبق أيضًا على فيروس “سارس- كوف-2”.

في فبراير 2020 أثبت علماء هولنديون أنه يمكن اكتشاف المادة الوراثية لفيروس “كورونا” بهذه الطريقة. يقول هاوكه هارمز من مركز “هيلمهولتس لأبحاث البيئة” بمدينة لايبتسيج: “بعد فترة وجيزة بدأنا في رصد تلوث المياه العادمة بالمادة الوراثية لفيروسات كورونا”.

ويضيف هارمز “اعتدنا كمتخصصين في علم الأحياء الدقيقة قياس المواد المستهدفة في عينات معقدة”، مشيرا إلى أن مراقبة المياه العادمة من منظور صحي كانت تعتبر منذ فترة طويلة مكلفة للغاية، ولكن الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الجائحة ربما غيرت هذه المعايير.

ويعد أخذ العينات في محطات معالجة المياه عملية روتينية، حيث توجد في المياه العادمة قيم حدية للعديد من المواد يجب الالتزام بها في المياه المعالجة. في فبراير 2022 بدأ المشروع التجريبي “ESI-CorA”، حيث قامت في البداية 20 محطة معالجة مياه على مستوى ألمانيا، ولاحقًا عشرات المحطات الأخرى، بتحليل المياه العادمة للكشف عن فيروس “سارس- كوف-2”.

في البداية لم تكن لدى مهندسي البيئة والكيميائيين وغيرهم من موظفي المختبرات خبرة في مجال الأوبئة. وتقول سوزانه لاكنر من جامعة دارمشتات التقنية: “كان علينا أن نتعلم أولاً كيفية إعداد بيانات القياس والتحليلات، حيث يمكن للأطباء الاستفادة منها”. كما كان يتعين أيضا تطوير الإجراءات في مواقع القياس، مثل طرق أخذ العينات وطرق التحليل وضمان الجودة. وكان من المهم أيضًا بناء بنية تحتية رقمية لمعالجة البيانات ونقلها بسرعة.

كان المكتب الاتحادي للبيئة ومعهد “روبرت كوخ” مشاركين بالفعل في مشروع “”ESI-CorA، وبعد انتهاء المشروع في مارس 2023، تعاونا مرة أخرى في مشروع “Amelag” (مراقبة المياه العادمة لتقييم الحالة الوبائية). ويتولى المكتب الاتحادي في هذا المشروع المسؤولية عن التنفيذ الفني لأخذ العينات وتحليل المياه العادمة ونقل العينات وتدفق المعلومات. بينما يتولى معهد “روبرت كوخ” مسؤولية تحليل ونشر البيانات مما يصل إلى 175 محطة لمعالجة المياه.

بدورها، تؤكد أولريكه براون من المكتب الاتحادي للبيئة أن “البنية التحتية تم إنشاؤها بموارد من أموال “كورونا”، لكنها ستكون مفيدة إلى ما بعد انتهاء الجائحة”، وتشير إلى أن مراقبة المياه العادمة تحظى بقبول واسع بين سكان البلاد لأنها تقدم بيانات قيمة، وفي الوقت نفسه تراعي عدم المساس بخصوصية الأفراد. وتابعت أن الأمر يستغرق حتى الآن ما يصل إلى أربعة أيام قبل أن تكون البيانات قابلة للتحليل. وأردفت “يجب أن نكون أسرع”، لافتة إلى أن هذا الأمر من شأنه أن يساعد على كشف موجات العدوى في وقت مبكر.

ويستمر مشروع “Amelag” حتى نهاية عام 2024، ويتضمن جزء منه ما يسمى بـ”تحديد أولويات مسببات الأمراض”، حيث من المنتظر من خلال هذا المشروع أن يتفق خبراء من تخصصات مختلفة- من متخصصي المياه العادمة إلى علماء الأوبئة- على مسببات الأمراض التي ينبغي أن تكون لها الأولوية في الفحص المستقبلي في المياه العادمة.

يقول تيمو جراينر من معهد “روبرت كوخ” إن “قائمة مسببات الأمراض المحتملة طويلة جدًا”، ويرى أن من المهم أيضًا الانتباه إلى تلك المسببات التي لا تتوفر عليها معلومات كافية، مشيرا إلى أن النظام الصحي لا تتوفر لديه معلومات عن حمى غرب النيل على سبيل المثال إلا في الحالات الشديدة. وأضاف أن من الممكن لتحليل المياه العادمة أن يكشف أيضًا عن عدد الحالات غير المكتشفة من الأمراض الخفيفة أو الخالية من الأعراض كما هو الحال مع “كوفيد”.

وفي تصريحات لمجلة “إنفيرومنتا إنترناشيونال”، وصفت مجموعة بقيادة ماركوس لاندهالر من مركز “ماكس ديلبروك للطب الجزيئي” ببرلين ما يمكن أن ينطوي عليه تحليل مياه الصرف من إمكانيات، حيث قام الفريق في دراسته باستخراج المادة الوراثية من عينات من محطة معالجة مياه الصرف الصحي ببرلين. وأظهرت نتيجة الدراسة أنهم لم يعثروا على فيروسات شائعة مثل الفيروس المخلوي التنفسي أو الإنفلونزا وحسب، بل عثروا أيضا على فيروسات موسمية، حيث عثروا في الربيع على الفيروسات التي تصيب نبات الهليون، وفي الخريف على فيروسات العنب، وفي الصيف على الفيروسات التي تصيب البطيخ أو البعوض في برلين. وقال لاندهالر: “في رأيي، مراقبة المياه العادمة تنطوي على إمكانات هائلة”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق