المحتويات الرقمية حول الهجرة غير النظامية .. تغييب العقل والاستهانة بالمصاعب

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

تعج مواقع التواصل الاجتماعي بسيل من المنشورات والصفحات ومقاطع الفيديو التي تتناول موضوع الهجرة غير النظامية وتلقى نسب تفاعل مهمة، يحكي من خلالها مهاجرون قصصهم ومغامراتهم، على مأساويتها، وكذا الصعوبات التي واجهوها في رحلاتهم، بل إن منهم من يقدم نصائح إلى الشباب الحالم بالهجرة حول المسارات والنقاط الحدودية التي يجب تفاديها أو تلك التي يُستحسن سلكها للوصول إلى “الحلم”.

من جهتهم، يرى مهتمون أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في تشجيع الشباب المغربي على الهجرة وفي تكوين أفكار مسبقة عن دول العبور والمقصد، كما ساهمت في ذلك بعض التمثلات الاجتماعية حول المهاجر، مؤكدين في الوقت ذاته أن الأوضاع التي يعيشها شباب المغرب وإحساسهم بالحرمان، تزكي فكرة الهجرة في أذهانهم وتدفعهم إلى التفاعل والاقتداء بتجارب من سبقهم بغض النظر عن العواقب والخسائر.

تمثلات وتفاعل وجداني

في هذا الإطار، قال محسن بن زاكور، دكتور متخصص في علم النفس الاجتماعي، إن “المخيلة كانت تلعب هذا الدور التحفيزي على فعل الهجرة الذي تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي”، مضيفا أن “أغلب الذين هاجروا إلى الخارج سلكوا مسارات غير نظامية، مدفوعين بالتمثلات الاجتماعية التي تم تكوينها حول المهاجر العائد إلى أرض الوطن باعتباره نموذجا للنجاح والقدرة على تخطي مختلف الصعاب في سبيل تحقيق الأحلام”.

وأضاف بن زاكور، متحدثا لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه التمثلات تكونت في السابق بفعل انتقال الكلام والروايات الشفوية عن المهاجرين وعن نجاحاتهم، قبل أن تظهر وسائل التواصل الحديثة التي عززت هذه التمثلات بالصوت والصور”، مؤكدا أن “هذه الوسائل تساهم في تشجيع الشباب على الهجرة بغض النظر عن العواقب، إذ يلعب التفاعل الوجداني مع قصص الهجرة وكذا الحرمان أدوارا كبيرة في تغييب العقل والاستهانة بالمصاعب من باب أن الغاية تبرر الوسيلة”.

وسجل عالم النفس الاجتماعي أن “بعض الشباب يعتبرون الهجرة مدخلا لتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية. لذا، تلقى الفيديوهات التي تتناول مواضيع الهجرة ومساراتها إقبالا كبيرا من لدنهم، إلى درجة أنهم يعتبرون المهاجر غير النظامي الذي نجح في الوصول إلى وجهة ما متخطيا كل الصعاب والظروف على قساوتها في بعض الأحيان، نموذجا يحتذى به”، مشيرا إلى أن “عنصر التشويق الذي تعتمد عليه هذه المحتويات الرقمية يساعد على نجاحها والإقبال على استهلاكها من لدن الشباب، بل ويزكي لديهم فكرة الهجرة وفعل المستحيل من أجلها”.

إعجاب وصورة مجتمعية

من جانبه، أوضح الحسين العمري، أستاذ باحث في السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا، أن “منظور الشباب حول الهجرة بات يقترن بتجارب الآخرين، حيث إن المهاجر غير القانوني الذي غادر بلاده بطريقة أو بأخرى وتكبد المشاق ثم عاد إلى أرض وطنه وعلامات البذخ والثراء بادية عليه، كأن يأتي في سيارة فارهة مثلا، يعتبر نموذجا وقدوة يسعى الشباب الحالم بالهجرة أن يحذو حذوه ويعيد تكرار تجربته”.

وبين المصرح لهسبريس أن “المخيال الجمعي للمغاربة الذي جعل من المهاجر أو المقيم بالمهجر مهنة وليس مجرد صفة، ساهم في تكريس هذه النظرة لدى شباب اليوم الذي مكنته الثورة الرقمية من الاطلاع على مختلف تجارب الهجرة وطرقها وأساليبها”، مشيرا إلى أن “المهاجرين أنفسهم يعملون جاهدين حينما يعودون إلى المغرب في الصيف على الحفاظ على هذه الصورة المجتمعية التي تكونت لديهم بغض النظر عن وضعيتهم الاقتصادية والاجتماعية في بلدان الإقامة”.

وسجل العمري أن “الإعجاب بقصص الهجرة التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي والتفاعل الذي تحظى به هذه القصص، هو إعجاب ناتج عن مجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية المتداخلة، أبرزها الوضع الذي يعيشه الشباب اليوم”، مشددا على أن “هذه العوامل تساهم في تجاهل تجارب الهجرة الفاشلة التي هي تجارب مريرة فقد على إثرها مرشحون للهجرة أصدقائهم وآمالهم بل وحتى حياتهم”.

وخلص الباحث في السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا إلى أن “السؤال الرئيسي الذي يجب طرحه هنا هو: لماذا يغامر الشباب بحياته بحثا عن مستقبل أو حياة أفضل بغض النظر عن الثمن؟”، مشددا على “ضرورة الاستثمار في هذه الفئة وتعزيز جاذبية المهن في المغرب والحد من عوامل الطرد التي تشجع على الهجرة؛ لأنه حتى الشباب المثقف اليوم والمؤهل مهنيا وأكاديميا بات يفكر هو الآخر في الهجرة لتحسين وضعه المادي”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق