ذكرى العلاقات بين الرباط وموسكو تستحضر نجاح المغرب في تنويع الشراكات

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

صادف أمس الأحد فاتح شتنبر 2024، الذكرى السادسة والستين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة المغربية وروسيا، حيث أكدت سفارة موسكو في الرباط، في بيان مقتضب على صفحتها الرسمية بموقع “فيسبوك”، أن هذا اليوم “يؤكد على العلاقات عميقة الجذور بين البلدين التي تتسم بالتضامن والاحترام والتفاهم والقيم المشتركة”.

وتسلط هذه المناسبة الضوء على نجاح الرباط وموسكو في الارتقاء بعلاقتهما إلى أعلى المستويات، خاصة في عهد الملك محمد السادس الذي حرص على تنويع شراكات البلاد لتشمل كل القوى الفاعلة على الساحة الدولية وتشارك في صياغة القرار السياسي العالمي، إذ تبنت المملكة سياسة خارجية منفتحة ضمنت لها تحقيق التوازن في علاقاتها الدولية دون التورط في الصراع ما بين الشرق والغرب، وهو ما يعكسه موقفها الحيادي من الأزمة في أوكرانيا، الذي ظل يقابله موقف مماثل من موسكو حيال قضية الصحراء رغم العلاقات القوية التي تربط هذه الأخيرة مع الجزائر باعتبارها أحد الأطراف الرئيسية في النزاع حول الصحراء.

من جهتهم، يؤكد مهتمون بالعلاقات الدولية، تحدثوا لجريدة هسبريس الإلكترونية بهذه المناسبة، أن المملكة المغربية تبنت نهجا براغماتيا مكنها من إيجاد تحالفات جديدة موازية لتحالفاتها الكلاسيكية مع الدول الغربية، خاصة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما مكنها الرباط من الحفاظ على استقرار علاقاتها مع حلفائها التقليديين من جهة، ومع روسيا من جهة أخرى، بغض النظر عن لعبة المصالح والتنافس بين هذه الدول، إذ دفعت هذه السياسة المغربية صانع القرار الروسي إلى الرهان على تعزيز شراكاته مع المغرب بالنظر إلى ثقله ووزنه على المستوى القاري.

علاقات مستقرة وبراعة دبلوماسية

في هذا الإطار، قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، إن “العلاقات المغربية-الروسية تمتد على مدى 66 عامًا من التعاون والتفاعل المستمرين، بدءًا من إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في أواخر الخمسينات خلال فترة الحرب الباردة”، مضيفا أن “المغرب رغم انتمائه إلى الكتلة الغربية، نجح في الحفاظ على علاقات دبلوماسية مستقرة مع الاتحاد السوفيتي آنذاك، وهو ما يعكس قدرته على المناورة في بيئة دولية معقدة”.

وأوضح معتضد أنه “بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، عرفت العلاقات تحولا نوعيًا مع الفيدرالية الروسية، حيث انتقل التركيز من التعاون الأيديولوجي إلى الشراكة الاقتصادية والاستراتيجية”، مسجلا أن “العلاقات بين الرباط وموسكو تعمقت بشكل ملحوظ خلال العقدين الأخيرين، وهو ما ظهر جليًا من خلال زيارات رفيعة المستوى وتوقيع اتفاقيات استراتيجية تغطي مجالات مختلفة، ويعكس هذا التطور رؤية المغرب الاستراتيجية لتعزيز علاقاته مع القوى الدولية الكبرى دون المساس بتوجهاته التقليدية في السياسة الخارجية”.

وشدد المصرح لهسبريس على أن “المغرب أظهر براعة دبلوماسية ملحوظة في إدارة علاقته مع روسيا خلال الأزمات الدولية المختلفة؛ فعلى مر العقود، تبنى المغرب نهجًا براغماتيًا يتسم بالمرونة والقدرة على التكيف مع التغيرات الدولية، مع الحفاظ على استقرار علاقاته مع موسكو”، مشيرا إلى أن المغرب تمكن في مراحل الأزمات، سواء تلك المتعلقة بالقضايا الإقليمية أو التحولات الجيو-سياسية الكبرى، من تعزيز شراكته مع روسيا دون الانحياز الكامل لأي من الأطراف المتنازعة، ما يعكس دهاء سياسيا واستراتيجية محسوبة بدقة”.

في السياق ذاته، أورد المتحدث أن “المملكة نجحت في توظيف علاقاتها مع روسيا بشكل يحقق التوازن بين الحفاظ على مصالحها الوطنية وضمان تفهم موسكو لمواقفها، ويعكس هذا التوجه قدرة المغرب على استخدام علاقاته الدولية كأداة لتعزيز مواقفه في الساحة الدولية، مع احترام استقلالية سياساته الخارجية ومرونتها في التفاعل مع المتغيرات الدولية”.
وخلص معتضد إلى أن “العلاقات بين الرباط وموسكو تبدو اليوم أكثر استقرارًا واستراتيجية من أي وقت مضى، مع توقعات بمزيد من التوسع

والتعمق في المستقبل، إذ يدرك كل من المغرب وروسيا أهمية تعميق شراكتهما في ظل التحولات العالمية الراهنة، وهو ما يتجلى في تعزيز التعاون في مجالات الطاقة، الأمن الغذائي والتكنولوجيا العسكرية”، مؤكدا أن “المملكة تسعى من خلال استثمار علاقاتها مع روسيا إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية مع الحفاظ على استقلالية قراراتها ودورها الفاعل في النظام الدولي، مما يجعل من علاقتها مع موسكو نموذجًا للتوازن الدبلوماسي والبراغماتية السياسية”.

قواعد ارتكاز ومقاربة اقتصادية

تفاعلا مع الموضوع ذاته، قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتحليل الصراع وتدبير المخاطر، إنه “من المهم التأكيد أن العلاقات المغربية-الروسية قديمة ولها جذور قوية في التاريخ المشترك بين البلدين، إذ يعود أول تواصل رسمي بين البلدين إلى عام 1778 من خلال تبادل الرسائل بين السلطان سيدي محمد بن عبد الله والإمبراطورة كاترين الثانية في ظل سياسة الانفتاح التي انتهجها المخزن العلوي في عهد السلطان محمد الثالث”.

وسجل البراق، في تصريح لهسبريس، أن “العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وموسكو لم تتوقف إلى اليوم، إذ قرر ملك المغرب والرئيس الروسي تعزيز العلاقات الثنائية وتعميقها، وغرس ديناميكية فاعلة على روابط علاقة الصداقة التي تجمع بين المملكة المغربية والفيدرالية الروسية في مختلف المجالات والارتقاء بهذه العلاقات إلى شراكة إستراتيجية مندمجة، وبشكل خاص بعد زيارة جلالة الملك إلى روسيا سنة 2002 التي توجت بالتوقيع على شراكة إستراتيجية، وزيارة جلالته الثانية سنة 2016 التي تم خلالها الإعلان عن شراكة متجددة بين البلدين وتحديد خارطة طريق جديدة للعلاقات الثنائية”.

وتابع المتحدث ذاته بأن “هناك قواعد ارتكاز مهمة تؤثر في العلاقات الاستراتيجية المتنامية بين المغرب وروسيا؛ أولها تقارب الرؤى إزاء قضايا إقليمية ودولية وملفات حيوية بارزة كالموقف الروسي الحيادي من ملف الوحدة الترابية، إذ نجع العقل الاستراتيجي المغربي في تحييد ملف الصحراء عن مخاطر التماس الجيو-سياسي العالمي وملف الوضع في الشرق الأوسط وتداعيات الصراع في مختلف مسارحه الجيو-سياسية على الاستقرار الإقليمي وبعض الملفات الإفريقية المرتبطة بمكافحة الجماعات الإرهابية والانفصالية؛ فهناك موقف ثابت وحاسم للدولتين بشأن ضرورة استئصال الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار في العالم”.

وأكد الخبير ذاته أن “المملكة المغربية من خلال موقعها الجغرافي المتميز وعقيدتها الدبلوماسية الرصينة ومواقفها السياسية الواقعية، ترتكز على الانفتاح على مختلف القوى والمحاور الدولية في إطار دعم الشرعية الدولية والقانون الدولي الإنساني، إذ تعتبر بالنسبة للكرملين وحساباته الجيو-سياسية شريكا استراتيجيا محوريا في ظل العديد من المتغيرات التي تفرضها الأوضاع السياسية والعسكرية العالمية، وبشكل خاص انعكاسات جائحة كورونا وتداعيات المواجهة الروسية المفتوحة مع المعسكر الغربي في أوكرانيا”، مضيفا أن “هذه المحددات تجعل الفاعل المؤسساتي الروسي يحرص بشكل كبير على تقوية الروابط السياسية والاقتصادية مع المغرب”.

وبين البراق أن “الرباط نجحت في الحفاظ على موقف ثابت لموسكو بشأن قضية الصحراء المغربية، على الرغم من التقارب المتزايد بين روسيا والجزائر بالنظر للعديد من العوامل المرتبطة بإرث الحرب الباردة وطبيعة العقيدة الجزائرية”، مسجلا أن “المغرب عمل على ترسيخ مقاربة اقتصادية فاعلة مع الطرف الروسي بالحفاظ على مصالحه الاقتصادية والاستثمارية في المغرب، مع العمل على تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين في مجالات متعددة، مثل الصيد البحري والطاقة والمعادن والفلاحة والموارد الطبيعية”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق