مقوّمات التّعاون والشراكة بين المغرب والصّين .. تدبير التنوع وأنسنة العلاقات

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

أكد الدكتور إدريس لكريني، أستاذ جامعي ورئيس منظمة العمل المغاربي، وجود مقومات تدعم تعزيز العلاقات المغربية الصينية، مشيرا إلى أن “المغرب يوفّر إمكانيات واعدة على مستوى الاستثمار والسياحة، ويشكّل سوقا تجارية مربحة، كما يمكن أن يلعب دورا مهما يتيح للصين الانفتاح على الواجهة الأطلسية وعلى غرب إفريقيا”.

وأشار لكريني، في مقال له بعنوان “المغرب والصّين.. مقوّمات التّعاون والشراكة”، إلى أن “ثمّة الكثير من القيم المشتركة بين البلدين، التي توفر أساسا لبلورة علاقات متينة”، لافتا إلى أنهما نجحا إلى حدّ كبير في تدبير التنوع المجتمعي في إطار الوحدة، ويتّسمان بالاعتزاز بالخصوصية والانفتاح على المحيط، ويتقاسمان معا رؤية مشتركة تدعم “أنسنة ودمقرطة” العلاقات الدولية.

نص المقال:

أضحت الصين من الأقطاب الدولية الوازنة في الوقت الراهن، فعلاوة على إمكانياتها البشرية الهائلة المتعلمة والمدرّبة، وشساعة مساحتها، فهي تشهد تطورا اقتصاديا مذهلا ومتسارعا، كما أنها تحظى بمكانة دولية متميزة من حيث استثمار وتطوير التقانة الحديثة واعتماد الطاقة المتجددة كاختيار استراتيجي، علاوة على إنجازاتها على مستوى غزو الفضاء.

اتخذت الصين من الانفتاح على البلدان النامية خيارا لها، وطوّرت إمكانياتها الاقتصادية بصورة ملحوظة، حيث أضحت منتوجاتها المختلفة تغزو الأسواق العالمية بفعل قدرتها التنافسية الكبيرة.

سعت العديد من الأقطار العربية مع ظهور حركة عدم الانحياز إلى الاعتراف بالصين الشعبية بعد ثورة 1949، ودعّمت حكومتها باعتبارها ممثلة شرعية وحيدة للصين في الأمم المتحدة، رغم الرفض الذي قوبل به الأمر من لدن البلدان الغربية، قبل أن تتطور هذه العلاقات مع قيام الصين بدعم عدد من الملفات العربية، كما هو الأمر بالنسبة للقضية الفلسطينية، وتأكيد الدول العربية على وحدة الصين.

تمتدّ العلاقات المغربية – الصينية إلى تاريخ بعيد، حيث أسهمت رحلات ابن بطوطة لهذا البلد في بداية القرن 15، وزيارة صينيين للمغرب خلال هذه الفترة أيضا في تعميقها. ويعدّ المغرب البلد الثاني الذي أقام علاقات دبلوماسية مع الصّين الشعبية في نونبر من عام 1958، وستتعزّز هذه العلاقات مع التوقيع على اتفاقية التعاون بين الجانبين في عام 1982، فيما كان المغرب هو أول دولة إفريقية انخرطت في مبادرة “الحزام والطريق”، التي دشنتها الصين في عام 2013، بينما أسهمت زيارة الملك محمد السادس لهذا البلد عام 2016 في تطوير العلاقات بين الجانبين.

وقد وقع البلدان في الخامس من شهر يناير لعام 2022 على اتفاقية خطة التنفيذ المشترك لمبادرة “الحزام والطريق”، وهو المشروع الاستراتيجي الضخم الذي أطلقته الصين في سياق تطوير البنى التحتية للممرات الاقتصادية العالمية التي تتيح لها تطوير صادراتها عبر العالم، وقد انضمت إليه أكثر من 140.

ويبدو أن هناك مقومات تدعم تعزيز هذه العلاقات، فالمغرب يوفّر إمكانيات واعدة على مستوى الاستثمار والسياحة، ويشكّل سوقا تجارية مربحة، كما يمكن أن يلعب دورا مهما يتيح للصين الانفتاح على الواجهة الأطلسية وعلى غرب إفريقيا. ويقدّم النموذج التنموي للصين تجربة جديرة بالاقتداء، كما أن الثقل الذي تحظى به الصّين في الساحة الدولية يشكل عامل توازن دولي يمكن أن يفيد القضايا الدولية العادلة ويدعم المصالح المغربية.

لا تخفى أهمية المحدّد الثقافي في العلاقات الدولية كعامل داعم يمنحها قدرا من الاستدامة والقوة، في إطار ما يعرف بالقوة الناعمة، فبالإضافة إلى عراقة الدولتين، ثمّة الكثير من القيم المشتركة بينهما، التي توفر أساسا لبلورة علاقات متينة.

فهما معا نجحا إلى حدّ كبير في تدبير التنوع المجتمعي في إطار الوحدة، فالمغرب الذي يتميّز بثرائه الثقافي وتنوعه المجتمعي، ظلّ على امتداد التاريخ ملتقى للحضارات والثقافات المختلفة، وقد لعب عامل الموقع الجغرافي للمغرب في الشمال الإفريقي كمركز لعبور واستقرار أجناس من مختلف الحضارات والثقافات دورا كبيرا في إثراء الهوية المغربية وتنوعها، ولا تخفى أهمية تبنّي المذهب المالكي على امتداد عدة قرون من تاريخ المغرب في تعزيز الأمن الروحي للمغاربة، وتمتين وحدتهم في إطار مجتمع يطبعه التنوع والاعتدال، كما أن المستجدات الدستورية لعام 2011 اعتبرت الأمازيغية لغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية.

وتتعايش داخل الصين أكثر من 56 قومية و7 ديانات في إطار من التماسك، وهو ما يعكسه تنوع اللغات والثقافات واختلاف العادات والتراث الغني، وقد نجحت الصين إلى حدّ كبير في استثمار هذا الغنى الحضاري بصورة بنّاءة في تعزيز مسارات التنمية داخل هذا البلد وتعميق حضورها الدولي.

كما أن البلدين معا يتّسمان بالاعتزاز بالخصوصية والانفتاح على المحيط، وهو ما يعكسه المزج بين الثقافة التقليدية والحديثة، والتعايش مع الثقافات الإنسانية المختلفة، وبلورة إصلاحات سياسية هادئة ومتدرجة في إطار الاستمرارية، سمحت بالتّفاعل الإيجابي مع التحولات الدولية الكبرى التي أفرزتها نهاية الحرب الباردة، وما واكبها من متغيرات كبرى. فقد شهد المغرب مع بداية تسعينيات القرن الماضي دينامية سياسية وحقوقية، تحققت معها الكثير من المكتسبات الدستورية والسياسية في محيط إقليمي ملتهب.

وتقدم الصين نموذجا منفردا في الانفتاح على متغيرات المحيط الذي لم يكّلفها خصوصياتها الثقافية والتاريخية، ذلك أن انخراطها في مواكبة التحولات التي فرضتها العولمة بمختلف تجلياتها لم يمنعها من التّشبث بمقوماتها الحضارية والثقافية. وهو ما تعكسه مؤتمرات الحزب الشيوعي الصيني التي تنعقد كل خمس سنوات، والتي ترصد التوجهات الاقتصادية والسياسية التي ستتبعها الصين مستقبلا، بما يدعم التحوّل السياسي الهادئ، ويعزز حضورها الدولي الوازن.

ويتقاسم البلدان معا رؤية مشتركة تدعم “أنسنة ودمقرطة” العلاقات الدولية، فالثقافة الصّينية تقوم على فلسفة السلام والتواصل والتنوع ونبذ العنف، ونفس الأمر ينطبق على المغرب، الذي يقوم على الوسطية والاعتدال والانفتاح ونبذ التطرّف والإرهاب..

تتماهى مواقف الجانبين إزاء عدد من القضايا الدولية الكبرى، كما هو الأمر بالنسبة لدعم القضية الفلسطينية ومختلف القضايا العربية العادلة، والحرص على وحدة وسيادة الدول، ورفض استخدام حقوق الإنسان كذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول.

كما لا تخفى الأدوار الهامّة للمغرب والصّين داخل إفريقيا باتجاه بلورة تعاون بنّاء في إطار جنوب – جنوب، مبني على تبادل المصالح بعيدا عن الهيمنة، مع رفضهما للتطرف والإرهاب، وانخراطهما في مواجهة هاتين الظاهرتين العابرتين للحدود، وبلورة مجهودات تدعم التضامن الإنساني في إفريقيا عبر تقديم المساعدات، والمساهمة في قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام، وبلورة جهود دولية وإقليمية تدعم تحقيق السلام العالمي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق