لماذا "يتوارى" منتخَبون خلال فترات الأزمات والكوارث الطبيعية بالمغرب؟

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

أعادت السيول والفيضانات الكارثية، التي اجتاحت أقاليم الجنوب الشرقي، إلى واجهة النقاش العمومي بالمغرب التساؤلات حول الأسباب الواقفة وراء “تواري” ممثلي المؤسسات المنتخبة عن الساحة خلال فترات الأزمات والكوارث الطبيعية؛ بعدما تبين أن شكوى سكان المناطق المتضررة من فاجعة الجنوب الشرقي إلى الجريدة تتطابق وأخرى ترددت كثيرا على ألسنة سكان جبال الأطلس عقب زلزال الحوز “المنتخب المحلي يكاد يكون خارج التغطية”.

وأكدت مصادر مدنية بالمناطق المتضررة من الفيضانات الأخيرة، تحدثت إليها جريدة هسبرس الإلكترونية، أنه “مقابل نزول ممثلي السلطات الترابية وعناصر الدرك والقوات المساعدة منذ اللحظات الأولى لمباشرة عمليات التدخل على أرض الميدان، لم نشهد حضور غالبية الممثلين المنتخبين سواء للتدخل أو التواصل مع السكان بخصوص مصيرهم بعد الفاجعة؛ فيما جاءت التحركات القليلة لبعض المنتخبين متأخرة عن يوم الكارثة بثلاثة إلى أربعة أيام”.

وفي سياق إجابتهم عن التساؤلات سالفة الذكر، أشار بعض الباحثين في العلوم السياسية إلى “سيادة هاجس الخوف من الاتهام بالتكسب السياسي من خلال الكوارث لدى المنتخب المحلي، و”تكبيله” لتحركاته خلال الأزمات بالاعتقاد بأهلية المعينين دون غيرهم للتدخل والاستجابة”؛ فيما يدفع آخرون بأن “خوف المنتخب هو من مواجهة تساؤلات المواطنين بخصوص هشاشة البنية التحتية التي تعريها هذه الكوارث، لا من الاتهام سالف الذكر”؛ إلا أن الباحثين المصرحين لهسبريس يتفقون على أن “الأحزاب السياسية تتحمل نصيبا من المسؤولية في هذا الوضع، بإهمالها للتكوين والتأطير”.

“عوامل متداخلة”

مريم بليل، باحثة في العلوم السياسية، نبهت إلى “غياب معطيات دقيقة مثبتة بدراسات علمية حول مدى ضعف حضور المنتخبين المحليين خلال الأزمات والكوارث الطبيعية التي عرفها المغرب في السنوات الأخيرة، سواء من خلال التواصل أو الاستجابة؛ إلا أنه لا يمكن القفز على اشتكاء قطاع واسع من سكان المناطق المتضررة من هذا الأمر”.

واعتبرت الباحثة في العلوم السياسية، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذا الضعف يجد تفسيره في ثلاثة عوامل أساسية؛ أولها “وجود تخوف لدى المنتخب المحلي من اتهام المواطنين له بمحاولة الركوب على موجة والتكسب السياسي من هذه الكوارث؛ بالنظر إلى أن هامشية الثقافة السياسية لدى العديد من المغاربة رسخت لديهم الاعتقاد بأن التواصل خلال الأزمة هو بمثابة حملة انتخابية مبكرة وليس دورا طبيعيا من أدوار ممثلي السكان في جميع مناطق العالم، على أن هذا التصور الخاطئ يغذيه اعتياد متبنيه على الاحتكاك بالمنتخبين خلال الفترة الانتخابية أكثر من غيرها”.

وأضافت بليل أن “العامل الثاني يتعلق بارتباط التواصل السياسي، بالفعل، لدى العديد من المنتخبين بالفترة الانتخابية فقط، حيث يفتقرون إلى فلسفة ما يسمى الديمقراطية المستمرة التي تقتضي استمرار خيط التواصل بين المنتخب والناخب طيلة الفترة الانتدابية؛ وهو ما يجعل هؤلاء يتخلفون عن التواصل مع المواطنين خلال فترات الأزمات والكوارث الطبيعي بغرض الإجابة عن تساؤلاتهم وتقديم مختلف التوضيحات بخصوص مخططاتهم لتدبير مخلفات هذه النوازل”.

أما العامل الثالث، وفق المتحدثة ذاتها، فهو “اعتقاد هؤلاء المنتخبين بأنه بحكم التجارب السابقة فإن المسؤول المعين، عاملا كان أو قائدا أو باشا، هو من له الأهلية للتواصل والتدخل خلال الأزمة أو الكارثة؛ وهو ما يفسر بوجود ضبابية لديهم حول الفصل بين اختصاصات المنتخب والمعين، وعدم القدرة على مجاراة رفع دستور 2011 لسقف الاختصاصات الحصرية المخولة للمنتخبين المحليين في إطار تسريع ورش الجهوية المتقدمة”.

وتابعت: “حل هذه الإشكالية يتمثل في تحمل الأحزاب السياسية مسؤوليتها بموجب دستور 2011، في تكوين وتأطير النخب من جهة، ومن جهة ثانية تأطير المواطنين ورفع ثقافتهم السياسية بما يمكن من مصالحتهم مع الفاعل السياسي وتحسين تصوراتهم حول الأدوار المناطة به”.

وسجلت الباحثة عينها أنه “يجب على الفاعل السياسي المحلي أن يتمثل الديمقراطية المستمرة حتى يكون هناك استعداد أمثل لنزوله إلى الميدان خلال الأزمة من جهة، ومن جهة أخرى يتمكن من اكتساب ثقة المواطنين طيلة الفترة الانتدابية؛ وهو ما يقيه مغبة السقوط في ممارسات غير شريفة لكسب صناديق الاقتراع خلال الانتخابات”.

“خوف من المواجهة”

عبد الحفيظ الزهري، باحث في العلوم السياسية، أكد أن “المنتخب المحلي تربى على ثقافة سياسية وتواصلية تجعله يرتكن دائما إلى الانزواء والتواري عن الأنظار في أوقات الأزمات والكوارث الطبيعية منتظرا مبادرة المعينين بالتواصل مع المواطنين وتنسيق التدخلات على الميدان”.

ولفت الزهري، في تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “ضعف تواصل المنتخبين المحليين المغاربة، مع استثناءات قليلة- لا يظهر فقط بعد الأزمة؛ بل قبل حدوثها أيضا، حيث لا نسجل نزولهم إلى الميدان أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الأقل لشرح خطورة الأزمة المرتقبة والتدابير الاستباقية الواجب اتخاذها وفق ما تقتضيه أدبيات تواصل الأزمات”.

ورفض الباحث في العلوم السياسية “إرجاع هذا التواري إلى تخوف المنتخب المحلي من إلقاء المواطن له بتهمة السعي إلى التكسب السياسي من الأزمات والكوارث الطبيعية”، معتبرا أن “المنتخب المحلي خلال هذا النوازل إنما يتخوف من تساؤلات المواطنين حول عدم نجاعة التدابير الاستباقية أو عدم اتخاذها من الأساس، وحول الاختلالات العميقة في البنية التحتية للمناطق المتضررة التي تعريها بشكل كبير هذه الكوارث الطبيعية؛ وهو ما ظهر بمدن الجنوب الشرقي خلال الفيضانات الأخيرة”.

وأيد المتحدث ذاته ما ذهبت إليه بليل بخصوص “عدم تحمل الأحزاب السياسية مسؤوليتها في تأطير وتكوين منتخبيها المحليين في علوم التواصل السياسي وتواصل الأزمات، رغم الميزانيات المرصودة لها من قبل الدولة للتكوين والتأطير”.

وسجل أن “هذه الأحزاب باتت تكتفي من الأساس بشرط قدرة المترشح للمنصب المحلي على الظفر بالمقعد أو انتمائه إلى فئة المقاولين السياسيين لمنحه التزكية؛ بصرف النظر عن امتلاكه حدّا أدنى من الثقافة السياسية والقانونية الواجب تملكه لتمثيل السكان، على غرار الإلمام بمقتضيات القوانين التنظيمية للجماعات أحرى بأدبيات التواصل”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق