تُعدّ خسائر قطاع الكهرباء السوري واحدة من أكبر الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية للبلاد خلال سنوات الحرب.
ومنذ اندلاع الحرب السورية عام 2011، شهد هذا القطاع دمارًا واسعًا طال محطات التوليد والتحويل، فضلًا عن سرقة محتوياته، ما أدى إلى تدهور خدمات الكهرباء بشكل غير مسبوق، وتفاقم معاناة المواطنين الذين باتوا يعتمدون أساسًا على مولدات الكهرباء الخاصة، رغم تكلفتها المرتفعة.
وإلى جانب الأضرار المباشرة، فإن استمرار انقطاع التيار لساعات طويلة يوميًا أثّر سلبًا في القطاعات الاقتصادية والخدمية، ولا سيما في المجالين الصناعي والصحي، ورغم الجهود المبذولة لإصلاح الشبكة، فإن حجم الدمار الكبير، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية، جعلا عملية إعادة التأهيل معقّدة للغاية.
ووفقًا لمتابعة منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، اجتمع وزير الكهرباء السوري، المهندس عمر شقروق، مع معاونيه ومديري الشركات التابعة للوزارة، الأربعاء 19 فبراير/شباط 2025، لمناقشة سبل تعزيز موثوقية الشبكة الكهربائية وتحسين أداء منظومة الكهرباء في البلاد.
وتسعى الحكومة الجديدة إلى تنفيذ خطة شاملة لإصلاح قطاع الكهرباء السوري، بعد سقوط نظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، إذ تعتمد هذه الخطة على 3 مراحل تستهدف إعادة بناء المحطات المتضررة، وزيادة كفاءة التوليد، وإيجاد بدائل للطاقة التقليدية.
ويستعرض هذا التقرير، تفصيليًّا، حجم الأضرار التي لحقت بقطاع الكهرباء، والتحديات التي تواجه إعادة تأهيله، بالإضافة إلى الجهود الحكومية المبذولة لإنعاش هذا القطاع الحيوي.
خسائر قطاع الكهرباء السوري
كشفت وزارة الكهرباء في تقريرها الأخير حجم الكارثة التي حلّت بالبنى التحتية، وخسائر قطاع الكهرباء السوري، إذ دُمِّرت 59 محطة تحويل بالكامل، وخرجت مئات خطوط التوتر العالي عن الخدمة، في حين تعرضت المحطات لعمليات نهب وسرقة، وبيع معدّاتها في أسواق الخردة.
وفيما يلي التوزيع الجغرافي لأضرار وخسائر قطاع الكهرباء السوري:
- المنطقة الشمالية: شهدت دمار 36 محطة، منها 19 محطة (66 كيلوفولت) في حلب، إضافة إلى محطتين (230 كيلوفولت) ومحطة واحدة (400 كيلوفولت)، أمّا إدلب، فقد خسرت 14 محطة (66 كيلوفولت).
- المنطقة الجنوبية: دُمرت 11 محطة، منها 9 محطات في ريف دمشق.
- المنطقة الشرقية: فقدت 7 محطات، من بينها 3 محطات باستطاعة (230 كيلوفولت).
- المنطقة الوسطى: تضررت 5 محطات، من بينها محطة (400 كيلو فولت).
وبالإضافة إلى هذه الخسائر، خرج 129 خط توتر عالٍ عن الخدمة، ما زاد من تدهور شبكة الكهرباء، وفاقم أزمة التقنين الكهربائي التي يعاني منها المواطنون.

خطة الحكومة لإصلاح قطاع الكهرباء
بعد انتهاء حكم نظام الأسد، وضعت الحكومة خطة من 3 مراحل لإعادة تأهيل البنى التحتية لقطاع الكهرباء، بهدف التخفيف من حدّة الأزمة وتحسين مستوى الخدمة.
وتشمل خطة إصلاح قطاع الكهرباء السوري ما يلي:
- مرحلة الطوارئ (6 أشهر):
تهدف إلى تقليل ساعات التقنين الكهربائي، إذ لا يتجاوز حاليًا عدد ساعات التغذية ساعتين إلى 3 ساعات يوميًا.
ومن بين التحديات الرئيسة التي تواجه هذه المرحلة، نقص الوقود اللازم للتشغيل، ولا سيما بعد عزوف كبار المورّدين عن التقدم إلى المناقصات التي طرحتها الحكومة مؤخرًا.
وُتوجَّه فرق الصيانة إلى مختلف المحافظات لإعادة تأهيل المحطات المتضررة.
- مرحلة إعادة البناء (1-3 سنوات):
تشمل إعادة إعمار محطات التوليد والتحويل، وإصلاح الشبكة الكهربائية، وتعزيز الاستثمار في الطاقات المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ولا سيما في تدمر والسخنة.
- مرحلة التطوير والاستدامة (3-10 سنوات):
تهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من الكهرباء، وضمان وصول التيار الكهربائي إلى المواطنين بانتظام على مدار اليوم.
تتضمن هذه المرحلة تنفيذ برامج لترشيد استهلاك الكهرباء وتعزيز كفاءة التشغيل.

تحديات إصلاح قطاع الكهرباء السوري
رغم الجهود المبذولة لإصلاح قطاع الكهرباء، تواجه الحكومة الجديدة تحديات كبيرة، أبرزها العقوبات الاقتصادية، التي تسببت في عزلة مالية وتقنية، ما يعرقل تنفيذ مشروعات إعادة الإعمار بالكفاءة المطلوبة.
ووفقًا لتقديرات رسمية، بلغت خسائر قطاع الكهرباء السوري المباشرة نحو 40 مليار دولار، في حين تجاوزت الخسائر غير المباشرة 80 مليار دولار.
وإلى جانب التحديات الاقتصادية، كان للاضطرابات السياسية دور كبير في تفاقم أزمة الكهرباء في سوريا.
وأدى النزاع المسلح إلى تدمير واسع وخسائر في قطاع الكهرباء السوري، ولا سيما في محطات التوليد والتحويل، ما أدى إلى انهيار شبه كامل للمنظومة الكهربائية.
ووفقًا لإحصاءات حديثة، انخفض إنتاج الكهرباء في سوريا عام 2023 بنسبة 29%، ليصل إلى 12.9 مليار كيلوواط/ساعة، مقارنة بإنتاج عام 2022 البالغ 18.22 مليار كيلوواط/ساعة.
ويمثّل هذا تراجعًا بنسبة 74% مقارنة بإنتاج عام 2011، مما يجعل إنتاج الكهرباء في البلاد يقترب من مستواه في عام 1993.
تخفيف العقوبات على قطاع الكهرباء
نظرًا لتفاقم الأزمة، أصدرت وزارة الخزانة الأميركية "رخصة رقم 24"، التي تمنح استثناءات مؤقّتة لبعض العقوبات المفروضة على سوريا. وبموجب هذه الرخصة، يُسمح بتوريد وبيع الطاقة، بما في ذلك النفط الخام والغاز الطبيعي والكهرباء، إلى سوريا حتى يوليو/تموز 2025.
وفي سياق متصل، وافق وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، في يناير/كانون الثاني 2025، على خريطة طريق للتخفيف التدريجي للعقوبات، لكن تنفيذ هذه الخطوات ما يزال مرهونًا بمراجعات قانونية.
وتسعى الحكومة الجديدة إلى استغلال هذا الاستثناء لعقد اتفاقيات مع الدول الصديقة، بهدف تأمين احتياجات قطاع الكهرباء، وتسريع عمليات الإصلاح وإعادة الإعمار.
الخلاصة..
تُظهر الأرقام أن خسائر قطاع الكهرباء السوري هائلة، وتتطلب جهودًا استثنائية لتعويضها، وعلى الرغم من الخطط الحكومية الجارية، ما تزال العقوبات الاقتصادية والاضطرابات السياسية تشكّل عائقًا رئيسًا أمام التعافي الكامل لهذا القطاع.
ومع استمرار الأزمة، تبقى الحاجة ملحّة لحلول مستدامة، تضمن إعادة تشغيل المحطات الكهربائية، وتحسين مستوى الخدمة، بما يسهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري وتحسين حياة المواطنين.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر..
- إحصائية بخسائر قطاع الكهرباء السوري من الحساب الرسمي لوزارة الكهرباء في "فيسبوك".
- اجتماع موسع في وزارة الكهرباء السورية لمناقشة سيل تعزيز موثوقية الشبكة الكهربائية
0 تعليق