يُعد شهر رمضان الكريم أحد أكثر الفترات الزمنية تميزًا من الناحية النفسية والروحية، حيث يستقبله المسلمون حول العالم بفرح وسعادة غامرة تتجاوز كونه طقسًا دينيًا ليصبح حالة نفسية واجتماعية متكاملة، تترك أثرًا عميقًا في وجدان الأفراد والمجتمعات.
وفي هذا السياق، أوضح الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، أن استقبال رمضان يحمل دلالات نفسية عميقة تتجلى في مظاهر متعددة، سواء من خلال الطقوس الاحتفالية، أو عبر التحولات الداخلية التي يعيشها الإنسان خلال هذا الشهر المبارك.
الاستعداد النفسي لاستقبال شهر رمضان
في حديثه خلال برنامج "راحة نفسية" المذاع على قناة الناس، أشار الدكتور المهدي إلى أن الاستعدادات التي تسبق شهر رمضان، مثل تعليق الزينة، وتزيين الشوارع والمنازل، وتحضير مستلزمات الشهر الكريم، ليست مجرد مظاهر شكلية، بل تعكس عملية تأهيل نفسي جماعي لاستقبال فترة تمثل للكثيرين محطة روحية للتطهر والتجديد النفسي.
وأكد أن هذه الأجواء الاحتفالية، التي تتكرر عامًا بعد عام، تعزز لدى الأفراد الشعور بالبهجة والارتياح، حيث يرتبط رمضان في الأذهان بذكريات الطفولة والأجواء العائلية الدافئة، وهو ما يجعله فرصة لإعادة بناء التوازن العاطفي والوجداني.
رمضان في ذاكرة الطفولة: شعور بالأمان والفرح
تحدث الدكتور المهدي عن الأثر العميق الذي يتركه رمضان في نفوس الأطفال، مشيرًا إلى أن استقبال الشهر الكريم كان دائمًا لحظة مميزة في حياة الصغار، ليس فقط بسبب الأجواء الاحتفالية، ولكن أيضًا بسبب الشعور بالأمان الذي كان يمنحه لهم هذا الشهر.
وأضاف أن الكثير من الأطفال كانوا يشعرون بالطمأنينة والحرية في اللعب والسهر ليلًا دون خوف، وذلك استنادًا إلى المعتقدات الدينية التي تؤكد تصفيد الشياطين خلال الشهر الفضيل، مما يساهم في تعزيز شعورهم بالأمان الداخلي.
شهر رمضان وإعادة التوازن النفسي لدى البالغين
مع التقدم في العمر، تتغير نظرة الإنسان إلي شهر رمضان، ليصبح أكثر من مجرد احتفالية أو مناسبة دينية، بل يتحول إلى فرصة لإعادة التوازن النفسي. وأوضح الدكتور المهدي أن الضغوط الحياتية والتوترات اليومية تتراكم على مدار العام، وهو ما يجعل رمضان بمثابة استراحة روحية ومكافأة نفسية تساعد الإنسان على التخلص من التوترات وإعادة ترتيب أفكاره ومشاعره.
وأشار إلى أن الصيام لا يقتصر على الامتناع عن الطعام والشراب، بل يمتد ليشمل عملية تطهير نفسي وعاطفي، حيث يساعد في تهدئة الأعصاب وتقليل المشاعر السلبية، مثل الغضب والتوتر، كما يعزز مشاعر التسامح والصبر والامتنان.
شهر النقاء والصفاء النفسي
أكد الدكتور المهدي أن رمضان يمثل فرصة مثالية للأفراد للتخلص من الضغوط المتراكمة، إذ يمنحهم إحساسًا بالسلام الداخلي والنقاء النفسي. وأوضح أن أجواء الشهر الكريم، بما تتضمنه من طقوس روحانية مثل الصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، والتواصل الاجتماعي الإيجابي، تساهم في تحقيق شعور بالراحة والسكينة، مما يجعل الناس يعيشون أيامًا مليئة بالتفاؤل والطاقة الإيجابية.
النتائج النفسية الإيجابية لـ شهر رمضان
ختامًا، شدد الدكتور المهدي على أن شهر رمضان يترك آثارًا نفسية إيجابية على الأفراد والمجتمعات، حيث يعزز مشاعر الترابط الأسري والاجتماعي، ويتيح للإنسان فرصة للتأمل الذاتي وإعادة تقييم حياته، كما يساعده في التخلص من العادات السلبية واستبدالها بعادات أكثر إيجابية، مما ينعكس على سلوكه وحياته النفسية والاجتماعية بشكل عام.
0 تعليق