مقابلة ترامب وزيلينسكي في البيت الأبيض : الشعبوية الجديدة في السياسة الخارجية: من الدبلوماسية إلى الصفقات التجارية
شهد اللقاء الأخير بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض توترًا كبيرًا تطور إلى تبادل حاد للآراء. كان الهدف الأساسي من اللقاء هو تعزيز الشراكة الاقتصادية، بما في ذلك صفقة محتملة للوصول إلى المعادن النادرة في أوكرانيا. ومع ذلك، طغت الخلافات السياسية والعاطفية على المناقشات، حيث انتقد ترامب زيلينسكي بشكل علني في مشهد تلفزيوني غير مسبوق.
الميديا والسياسية
يدعو هذا الحدث إلى استكشاف خلفيات كلا الزعيمين. عند مقارنة الظهور العام لكل من ترامب وزيلينسكي في مجالي الفن والإعلام، نجد أن مسيرتيهما تتقاطع في بعض الجوانب رغم الاختلافات. كان كلا الرجلين يتمتع بحضور بارز في الإعلام وقطاع الترفيه. بينما استضاف ترامب برنامجه الشهير “المتدرب”، وظهر في برامج وأفلام أخرى، اكتسب زيلينسكي شهرة ككوميدي وممثل، وفي النهاية أصبح نجمًا في مسلسل “خادم الشعب”، الذي يصور معلمًا يصبح رئيسًا. دخل كلا الزعيمين إلى السياسة بدعم من وسائل الإعلام، حيث ساعدتهم شخصياتهم العامة في الانتقال بسهولة إلى أدوارهم السياسية. ومع ذلك، أظهر اللقاء أن الخبرة الإعلامية وحدها لا يمكن أن تقاوم ديناميكيات السلطة والهيبة والمال
الماضي وتاريخ العلاقات
بالنظر إلى عام 2019، بدأ التوتر بين ترامب وزيلينسكي في التصاعد، خاصة بعد أن أصبحت أوكرانيا مركزًا لفضيحة سياسية تتعلق بمحاولات عزل ترامب. كان الموضوع يدور حول أعمال هانتر بايدن في أوكرانيا. في عام نفس السنة اتهم ترامب جو بايدن بالضغط على أوكرانيا لإقالة المدعي العام الذي كان يحقق في شركة بوريسما، وهي الشركة التي عمل بها نجل بايدن. طلب ترامب من زيلينسكي التحقيق مع بايدن مقابل المساعدات العسكرية. هذه الصفقة، التي كانت جزءًا من حملة ترامب الانتخابية، أدت إلى “فضيحة أوكرانيا” وساهمت في إجراءات عزله. وعلى الرغم من أن التحقيقات لم تجد أي خطأ قانوني من جانب بايدن أو ابنه، إلا أن الفضيحة كانت سببًا في استقطاب الرأي العام الأمريكي ووضع زيلينسكي في موقف صعب حيث حاول التوازن بين مصالح أوكرانيا وضغوط السياسة الأمريكية.
هل يمكن أن تكون التوترات بين ترامب وزيلينسكي جزءًا من ردود فعل مستمرة على تلك الضغوط والتدخلات التي حدثت في عام 2019؟ هذا التساؤل يستدعي النظر في العلاقة المتوترة بين الطرفين وافتعال مواقف سياسية جديدة قد تكون متأثرة بالأحداث الماضية؟
السياسة شاشة
عند متابعة مشهد اللقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض يوم أمس، يُلاحظ بشكل واضح كيف أصبحت الشاشة التلفزيونية أداة أساسية للتواصل السياسي وإنتقالها من الواقع الفيزيائي الملموس إلى بيئة غير واقعية للشاشات والمنصات المختلفة. ما كان يحدث خلف الكواليس حتى وقت قريب أصبح الآن يُعرض على الهواء مباشرة، ليصبح هذا اللقاء نموذجًا للتواصل الفوري والمباشر الذي يكشف خبايا العلاقات بين الدول الكبرى واستخدامًا واعيًا للوسائط الإعلامية من لدن التوجهات الشعبوية لتعزيز المواقف السياسية والتأثير على الرأي العام، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي.. فهذه اللحظات أو اللقطات السياسية، التي كان يُحتفظ بها عادة خلف أبواب مغلقة وفي تجري في فضاءات فيزيائية ملموسة ، أصبحت تُنقل للجمهور بشكل مباشر، مما يعكس تحولًا مهمًا في كيفية إدارة التواصل بين القادة.
هذا التحول يمكن وصفه بـواقع الشاشة ، وهو مصطلح يعبر عن نوع من العروض الإعلامية التي تقدم أحداثًا حقيقية أو شبه حقيقية بشكل مباشر وعفوي، بهدف نقل الوقائع كما هي، وجعل المشاهد يشعر وكأنه يعيش هذه اللحظات بنفسه. في هذه الحالة، تتحول الشاشة إلى وعاء يعكس الواقع السياسي ويعرضه بشكل حيّ ومباشر، تمامًا كما في برامج تلفزيون الواقع التي تسعى إلى تصوير حياة الأشخاص أو الأحداث بلا تعديل يذكر، مما يمنح الجمهور تجربة مشابهة للواقع. هذه التجربة تُستخدم لتوجيه انتباه المشاهدين وإثارة مشاعرهم وخلق تحيزات قوية.
وفي هذا السياق، أصبحت واقع الشاشة أداة قوية في االتواصل السياسي، حيث تُستخدم لتوجيه رسائل سياسية معينة أو لتحفيز تأثيرات عاطفية لدى الجمهور. اللقاءات السياسية. أكثر من ذلك فمقاطع المحاورات التي جرت بين ترامب و نائبه و وزيلينسكي، أصبحت تُعرض واسع على مختلف المنصات الرقمية و ذات تأثير لا محدود على الرأي العام، سواء عبر اختيار اللحظات أو المشاهد التي تُعرض، أو حتى من خلال أساليب فنية تعزز الإثارة والدراما.
هذا النوع من الممارسات الإعلامية أصبح أداة لتشكيل الرأي العام من خلال مسرحة الأحداث السياسية، حيث تُحوَّل الوقائع السياسية إلى مشاهد درامية، يتم تصويرها بطريقة تضمن لها بداية ونهاية متوقعة. الهدف من ذلك هو استخدام هذه المشاهد للتأثير على الجمهور، لخلق حالة من الهيمنة على الرأي العام أو لتبرير مواقف سياسية معينةأو الهيمنة على الطرف الآخر. وهو ما لمسناه في العديد من الأحداث السابقة ومنها أحداث عنيفة. هذا ما لمسناه في المشهدية التي لجأ إليها الرئيس ترامب ليهين رئيس دولة يعتبر أحد حلفاء أمريكا، وأحد القادة الذي تمتع بدعم الحكومات السابقة، في البيت الأبيض.
التواصل السياسي في درجة الصفر
إذا ما كان التواصل السياسي هو عملية تبادل الرسائل بين الحكومات والأفراد بهدف التأثير على الرأي العام وخلق الوساطات الممكنة كعملية تبادل للمعلومات والرسائل التي تهدف إلى التأثير على الأفراد أو الجماعات في الساحة السياسية، ففي لقاء دونالد ترامب و فولوديمير زيلينسكي، سعى الأول، بصفته قائد أكبر قوة عالمية حاليا يمثل السلطة العليا يحدد مسار اللقاء والمطالب المترتبة عليه ، إلى الإعتماد على التواصل المباشر النازل من الأقوياء إلى الآخرين للضغط على الرئيس الأوكراني للامتثال لما يطلبه منه. وتنفيذ المطالب التي فرضها ترامب، وهي مطالب تتعلق بأمور تم تجاهلها في السابق، مثل طلب فتح تحقيقات ضد جو بايدن وابنه مقابل تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا في عام 2019، والأن إنتقلت إلى مطالب تتعلق بالموافقة على إنهاء الحرب دون شروط واضحة أو إبرام صفقة ملزمة.
يُستخدم التواصل السياسي عادة كوسيلة لحل الأزمات والوساطة بين الأطراف المختلفةزالإقناع . في هذا الإطار، كان التواصل السياسي عنصرًا حيويًا في استراتيجية كلا الزعيمين لكن في إتجاه مختلف للتأثير على الجمهور من كلا الطرفين. حيث برزت كيفية استخدام الإعلام كأداة أساسية للتأثير على الرأي العام حيث استغل ترامب هذه اللقاءات لتوجيه رسالة إلى ناخبيه، مفادها أن المساعدات الأمريكية يجب أن تكون مشروطة أولًا بمصالح الولايات المتحدة. من جانبه، في حين سعى زيلينسكي من خلال محاولة توظيف التواصل الأفقي والصاعد لبناء صورة إيجابية عن أوكرانيا وكسب دعم الشعب الأمريكي. إلى تعزيز صورته كزعيم يسعى لتحقيق السلام والأمن لشعبه لا يستسلم في مواجهة التهديدات الخارجية، مع الحفاظ على استقلالية القرار الأوكراني.
من ناحية أخرى، يمكننا تفسير الشكل الإعلامي للمقابلة بأنه كان غير متكافئ، حيث خالف اللقاء البروتوكولات المعتادة في الساحة الدولية. ففي هذا الاجتماع، كان من المفترض أن يكون الحوار بين الرئيسين مباشرة بحضور مستشاريهما، إلا أن الوضع كان مختلفًا. فبينما كان الرئيس زيلينسكي يترأس اللقاء بمفرده، دون مستشار أو نائب، كان الرئيس ترامب مهيمنًا على مجريات الحديث، مما جعل اللقاء يبدو غير متوازن في شكله الإعلامي.
كما أن توزيع الكلمات بين المتحدثين لم يكن متوازنًا، إذ تحدث الرئيس ترامب لفترات أطول وبشكل متواصل، بينما بدا الرئيس الأوكراني زيلينسكي متفاجئًا ومقتصرًا على الردود القصيرة مقارنة بذلك. هذا يعكس الفارق الواضح في القوة السياسية والإعلامية بين الزعيمين، حيث كان ترامب يهيمن على مجريات اللقاء، مما جعل زيلينسكي يظهر في موقف أقل تأثيرًا. كما أن هيمنة ترامب على الحديث ساهمت في تعزيز صورة القيادة الأمريكية الأكثر قوة وتأثيرًا، بينما بدا الرئيس الأوكراني في موقف دافع عن مصالح بلاده بشكل محدود. هذا التفاوت في الكلام والإدارة الإعلامية يعكس التباين في النفوذ السياسي بين البلدين.
في ختام اللقاء، عكس قول ترامب “الناس تشاهد مشهدية جيدة” حقيقة أن اللقاء كان مُعدًا بعناية بهدف تحقيق هدف سياسي محدد، وليس مجرد محادثة دبلوماسية عادية. هذا التصريح قد يشير إلى أن اللقاء كان جزءًا من استراتيجية إعلامية لإظهار القوة والهيمنة السياسية للإدارة الأمريكية، بينما كان الرئيس الأوكراني زيلينسكي في موقف يتطلب منه التفاعل وفقًا للخطوط التي وضعتها الولايات المتحدة. يمكن اعتبار ذلك بمثابة عرض سياسي يهدف إلى تعزيز صورة ترامب كزعيم قوي، وأيضًا لإظهار هيمنة الولايات المتحدة على الشؤون الدولية، مع محاولة إخضاع زيلينسكي للضغط الأمريكي.
التواصل السياسي العاطفي
التواصل السياسي العاطفي يعد من أهم الأدوات التي يستخدمها السياسيون لتوجيه رسائلهم وإيصال أفكارهم إلى الجمهور. في السياق السياسي، لا تقتصر الرسائل على مجرد الوقائع والأرقام، بل تمتد لتشمل المشاعر والمواقف النفسية التي يثيرها المرسل في المتلقي. وفي حالة التفاعل بين دونالد ترامبو فولوديمير زيلينسكي، كان التواصل مليئًا بالعواطف والتوترات النفسية، حيث سعى كل منهما لتوظيف الموقف لصالحه.
من زاوية التواصل السياسي العاطفي، استخدم ترامب أسلوبًا هجوميًا علنيًا، متهمًا زيلينسكي بالاعتماد المفرط على الدعم الأمريكي والتسبب في مخاطر حرب عالمية ثالثة. هذا النهج يعكس استراتيجية ضغط نفسي تهدف إلى إضعاف موقف زيلينسكي وإجباره على تقديم تنازلات تصب في مصلحة روسيا.
من ناحية أخرى، كان زيلينسكي في موقع بالغ التعقيد. فبينما كان يدرك أن رفضه لمطالب ترامب قد يعرض أوكرانيا لخطر فقدان الدعم العسكري الأمريكي الحيوي، كان القبول بتلك الضغوط سيجعله عرضة لانتقادات داخلية في أوكرانيا، إضافة إلى تبعات سياسية أخرى. وهذا التوازن بين الضغوط الخارجية والتحديات الداخلية شكل نقطة محورية في تواصله مع ترامب.
كان زيلينسكي، بصفته قائدًا منتخبًا حديثًا في عام 2019، في موقف أضعف مقارنة بترامب. وغالبًا ما كانت رسائله تتسم بالتودد، محاولًا الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة لضمان الدعم العسكري والمالي.
بلرز التواصل بين الزعيمين محاطًا بتوترات عاطفية ونفسية، حيث عمد ترامب إلى استخدام كلمات وأسلوب خطاب يركز على إظهار القوة والهيمنة الأمريكية، مستغلًا القيم الوطنية الأمريكية ومصالحها لتحقيق أهدافه. بالمقابل، كان زيلينسكي يحاول الحفاظ على تماسك موقف بلاده عبر خطاب عاطفي، ساعيًا إلى إظهار التزامه بقضية أوكرانيا والتفاوض بحذر تحت ضغوط هائلة.
هذا الاستخدام السياسي للضغوط العاطفية أصبح له تأثير كبير على الرأي العام الأمريكي، حيث تحول الموضوع إلى محور رئيسي في النقاشات السياسية وأدى إلى تصعيد الاستقطاب .
من الناحية العاطفية، استخدم الرئيس ترامب أسلوبًا هجوميًا، متهمًا زيلينسكي بعدم الدبلوماسية وقلة الامتنان للدعم الأمريكي في مواجهة روسيا. هذا النهج يعكس استراتيجية ترامب في استخدام لغة حادة للتأثير على الرأي العام وإظهار القوة في المفاوضات. على الجانب الآخر، ركز زيلينسكي على المخاطر التي يشكلها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مطالبًا بضمانات أمنية قوية. هذا الموقف يعكس محاولة زيلينسكي لكسب التعاطف الدولي وتسليط الضوء على التهديدات التي تواجه بلاده محاولا الدفاع عن موقف بلاده، معبرًا عن شكوكه تجاه التزام روسيا بالسلام. ومع ذلك، فإن تعرضه للانتقادات العلنية من قبل ترامب ونائبه جي دي فانس قد يضعف موقفه الداخلي والدولي، مما يعكس تحديات التواصل السياسي عندما يتداخل الضغط العاطفي مع الاستراتيجيات الدبلوماسية.
الشعبوية الجديدة والسياسة الدولية
أفرزت المقابلة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض، تأثير الشعبوية الجديدة في السياسة الدولية، حيث استخدم ترامب خطابه الشعبوي في تعزيز سيطرته على المواقف السياسية، وهو ما كان له انعكاسات كبيرة على العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا وقد تكون لهإنعكاساتأخرى على العلاقات الدولية.
يمثل ترامب مثالًا بارزًا للشعبوية الجديدة التي تركز على تقديم نفسه كممثل للشعب ضد النخب السياسية والاقتصادية. في هذه المقابلة، لم يكن ترامب يسعى فقط إلى تعزيز المصالح الأمريكية في أوكرانيا، بل سعى أيضًا إلى استغلال اللقاء لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، متجاوزًا بذلك القنوات الدبلوماسية التقليدية. الشعبوية الجديدة تتميز باستخدام خطابات مباشرة وغير تقليدية تهدف إلى تحفيز المشاعر الشعبية، وهو ما تجسد في أسلوب ترامب أثناء اللقاء، الذي ركز على تقديم صورة نفسه كمحارب ضد “الفساد” والنخب السياسية التي تمثلها المعارضة، لا سيما الحزب الديمقراطي وخصمه جو بايدن.
في المقابلة، حاول ترامب توظيف أوكرانيا كأداة لتحقيق أهداف سياسية شخصية. هذا التكتيك يعكس جانبًا من الشعبوية الحديثة التي تحول السياسة الخارجية إلى أداة لتحقيق مصالح محلية. في هذا السياق، كانت أوكرانيا مجرد جزء من المعركة السياسية الأمريكية، مما يعكس كيف يمكن أن تكون القضايا الدولية، من خلال الشعبوية، جزءًا من الصراعات السياسية الداخلية.
من خلال هذه المقابلة، يتضح أن الشعبوية الجديدة حولت السياسة الخارجية إلى “صفقات” تجارية، حيث يتم تقييم الدعم السياسي بناءً على مكاسب سياسية داخلية قصيرة الأجل. ظهر ترامب كرجل أعمال يسعى لتسليع العلاقات مع أوكرانيا، إذ جعل المساعدات العسكرية أو السياسية مرهونة بتحقيق أهدافه. هذه الطريقة في التعامل مع العلاقات الدولية تضعف المؤسسات الدبلوماسية التقليدية وتقوض التنسيق بين الدول عبر القنوات المعترف بها دوليًا.
تتحدى الشعبوية الجديدة، كما يظهر من أسلوب ترامب، غالبًا الطرق التقليدية لإدارة العلاقات الدولية. في هذه المقابلة، تجاهل ترامب استخدام القنوات الدبلوماسية المعروفة، وفضل التواصل المباشر مع زيلينسكي من خلال خطاباته المثيرة للجدل. هذا الأسلوب يعكس تقليص دور المنظمات الدولية والدبلوماسية متعددة الأطراف، حيث يتم تحويل السياسة الخارجية إلى مواقف أحادية الجانب تركز على علاقات شخصية بين الزعماء بدلاً من التعاون عبر مؤسسات دبلوماسية متعددة الأطراف.
في سياق الشعبوية، لا تقتصر السياسة على اتخاذ القرارات بناءً على المعايير الدبلوماسية التقليدية، بل تشمل أيضًا خطابًا موجهًا للجماهير المحلية. في هذه المقابلة، استخدم ترامب خطابه الشعبوي للتأثير على الرأي العام الأمريكي، مشيرًا إلى أنه يسعى لتطبيق سياسات تجلب “النجاح الاقتصادي” عبر تقليل تدخلات أمريكا في شؤون الدول الأخرى. هذا النوع من الخطاب قد يؤثر في العلاقات الدولية، حيث يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة، في حين أن التفاهمات الدولية تكون مشروطة بما يمكن أن تحققه أمريكا من هذه العلاقات.
من خلال الشعبوية، يتم تعزيز الثنائية بين “نحن” و”هم”، حيث تظهر الدول الأخرى كمنافسين أو تهديدات ينبغي مواجهتها. في هذا السياق، كان ترامب يسعى لخلق نوع من القوة الأمريكية المسيطرة على حلفائها، بل وفرض شروط على أوكرانيا. هذا الأسلوب يعزز التوترات بين القوى الكبرى ويقلل من فرص التعاون الدولي.
إن المقابلة الأخيرة بين ترامب وزيلينسكي في البيت الأبيض تجسد تأثير الشعبوية الجديدة التواصل وعلى السياسة الدولية، حيث تم تحوير العلاقات الثنائية لتصبح أداة لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية قصيرة الأجل. فالشعبوية التي اعتمدها ترامب تسعى إلى الإستحواذ على وسائل الإعلام وكسر القيم الصحفية وتبسيط العلاقات الدولية وتحويلها إلى صفقات تجارية، مما يضعف التعاون الدبلوماسي طويل الأمد وو هو يزيد من التوترات بين القوى العالمية.
0 تعليق