هل تستطيع ألمانيا الخروج من كبوتها الاقتصادية؟

الاقتصادية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

على مدار العقود السابقة كان ينظر للاقتصاد الألماني على أنه النموذج الأنجح في القارة الأوروبية معتمدًا قطاعا صناعيا قويا ومتقدما وإنتاجا يتم توجيه الجزء الأكبر منه للتصدير. وقد شكلت إمدادات الطاقة الرخيصة القادمة من روسيا، والأسواق الاستهلاكية الكبيرة الصاعدة في آسيا وبالأخص في الصين محورا مهما لنجاحه. ومع انتشار جائحة كورونا وما تبعها من أوضاع جيوسياسية غير مستقرة، بدأت الأزمات تحاصر الاقتصاد الأكبر في أوروبا وتدفعه للانزلاق في مرحلة ركود مستمرة منذ عامين.

التراجع الاقتصادي الذي تعانيه ألمانيا تتنوع أسبابه بين الاقتصادية والاجتماعية والداخلية والخارجية. البداية من القطاع الصناعي الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد الألماني. فعلى مدار عقود تربعت ألمانيا على عرش كثير من الصناعات المهمة وفي مقدمتها السيارات، والآلات والمعدات الثقيلة، والكيماويات، والسلع الاستهلاكية. حيث شكلت تلك القطاعات الركيزة الأساسية للنمو الاقتصادي والتشغيل والصادرات.

لكن التطورات اللاحقة بداية من الإغلاق وأزمة سلاسل الإمداد والتوريد، ومرورًا بانقطاع إمدادات الغاز الروسية، وصولًا إلى التشديد النقدي وارتفاع تكاليف الاقتراض كلها عوامل خلقت أعباء إضافية على الصناعة ودفعتها للانكماش، متأثرة بارتفاع تكاليف الإنتاج وضعف الطلب المحلي والمنافسة الشرسة من الخارج وبخاصة من الصين. ومع نهاية عام 2024 كانت الصدمة الكبرى للأوساط الاقتصادية الألمانية مع إعلان عملاق صناعة السيارات شركة "فولكسفاجن" عزمها إغلاق 3 مصانع للسيارات في ألمانيا بهدف خفض التكاليف.

وعلى المدى القصير يبدو أن الصعوبات التي يعانيها القطاع ستستمر في ظل التوترات التجارية مع أهم الشركاء، بجانب عدم القدرة على خفض التكاليف في ظل أسعار الطاقة المرتفعة ونقص الأيدي العاملة.

بجانب تعثر القطاع الصناعي فإن ألمانيا تواجه أزمة كبرى تتعلق بالارتفاع في مستويات شيخوخة السكان. فوفقًا لبيانات البنك الدولي فإن نحو 23% من إجمالي عدد السكان في ألمانيا تتجاوز أعمارهم 65 عاما. ويواكب الارتفاع في مستويات الشيخوخة انخفاض كبير في معدلات المواليد. على سبيل المثال في 2023 بلغ عدد المواليد نحو 719 ألفا، بينما وصل عدد الوفيات إلى أكثر من مليون. يعني ذلك ببساطة انخفاضا في عدد السكان الإجمالي للبلاد، والأهم انخفاض حجم القوة العاملة.

المحصلة تكون تأثيرا سلبيا مزدوجا في الاقتصاد، فمن ناحية تؤدي الشيخوخة إلى زيادة الإنفاق الحكومي على خدمات الرعاية الاجتماعية والصحية لكبار السن، مقابل خفض الإنفاق على الاستثمار ودعم القطاعات الإنتاجية. ومن ناحية أخرى يؤدي ارتفاع نسب الشيخوخة إلى تآكل الطلب المحلي وضعف الإنفاق الاستهلاكي، الأمر الذي يدفع الاقتصاد نحو الانكماش.

وعلى الرغم من الصعوبات العديدة التي تواجه الاقتصاد الألماني إلا أن الحكومة حافظت بشكل كبير على سياسة "مكابح الديون" الهادفة إلى تحجيم الاقتراض الحكومي لضمان عدم ارتفاع العجز المالي لمستويات تتجاوز المسموح به داخل الاتحاد الأوروبي.

لكن يبدو أن تجاوز تلك السياسة سيكون واقعًا خلال السنوات المقبلة، مع انتخاب حكومة جديدة، وفي ظل معدلات ديون منخفضة مقارنة بالاقتصادات الكبرى في العالم، حيث وصلت الديون الحكومية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي في ألمانيا خلال 2023 إلى 62.9%. وذلك مقارنة بنسبة 122% في الولايات المتحدة، ونسبة 111% في فرنسا، و135% في إيطاليا.

سيسمح ذلك للحكومة الجديدة بتبني سياسات أكثر توسعية، عبر زيادة الإنفاق الحكومي سواء على الإعانات الاجتماعية للأسر لتشجيعم على الإنفاق ودعم الطلب، إضافة إلى حزم الدعم الحكومية المرتبطة بتشجيع السكان على الزواج والإنجاب، بجانب تعزيز الاستثمار الحكومي على مشاريع البنية التحتية والقطاعات الأساسية مع تقديم الحوافز المختلفة لإعادة جاذبية الاقتصاد الألماني للاستثمار المحلي والأجنبي.

ختامًا، يعيش الاقتصاد الألماني مرحلة صعبة على الصعيدين المحلي والخارجي، وستحتاج الحكومة الجديدة إلى تبني سياسات غير تقليدية تستطيع من خلالها تنشيط الاقتصاد ودعم القطاعات المتعثرة وإعادة الثقة للمستثمرين، والوصول إلى حلول للخلافات التجارية مع أهم الحلفاء الاقتصاديين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق