محاولات الهجرة بالشمال تسائل نجاعة السياسات العمومية والتنمية المحلية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

أثارت محاولة الهجرة الجماعية للعشرات من الأطفال والقاصرين من شاطئ مدينة الفنيدق سباحة نحو ثغر سبتة المحتل، في الأسبوع الأخير من غشت المنصرم، جملة من التساؤلات حول الأسباب والدوافع التي تقف وراء هذا الهروب “الجماعي”، واضعين السياسات الحكومية ومشاريع التنمية المحلية في المنطقة محط اتهام وتشكيك بسبب عدم تحقيق الأهداف التي جاءت من أجلها.

ويقفز إلى الواجهة كلما سجلت محاولة جماعية للهجرة بالمنطقة موضوع التهريب المعيشي، الذي قطع المغرب دابره بقرار لا رجعة فيه منذ أواخر سنة 2019؛ وهو النشاط الذي كانت تعيش من ورائه غالبية أسر المناطق الحدودية المجاورة للمدينة المحتلة.

محمد العمراني بوخبزة، المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي، رفض الجزم بأن الهجرة دافعها الأساسي يكون “اقتصاديا أو غياب التنمية في منطقة ما”.

وأوضح العمراني بوخبزة أن “دوافع الهجرة متعددة، يمكن أن تكون “إشكالات اقتصادية؛ لكن الدوافع الأخرى المرتبطة بالمشاكل العائلية والصحة والتعليم والبحث عن المغامرة وغيرها فاعلة في الموضوع”.

وأكد المحلل السياسي، ضمن تصريح لهسبريس، أن الحديث عن الربط بشكل أوتوماتيكي بين الهجرة وبين الوضعية الاقتصادية أو التنمية في منطقة معينة “ليس تحليلا سليما في نظري؛ وبالتالي ينبغي النظر في أبعاد أخرى”.

وأضاف المتحدث ذاته أن المنطقة الشمالية عرفت “تحولات كبيرة جدا على مستوى التنمية، وخاصة الشريط القريب من سبتة، الذي عرف تحولا نوعيا في السنوات الأخيرة، وأصبح يستقطب السياح بشكل كبير”، مذكرا بأهمية البنيات الاقتصادية التي أنشئت في المنطقة بهدف “خلق فرص الشغل، ومواجهة النتائج المترتبة عن إنهاء التهريب المعيشي إلى غير ذلك من التحديات”.

وأفاد العمراني بوخبزة، في قراءته للموضوع، أن الحديث ينبغي أن ينصب على فئة “الأطفال والقاصرين ورغبتهم في الهجرة”، لافتا إلى أن هذا يدفع إلى الحديث عن “التعليم والأنشطة الموازية للأطفال”، مجددا التأكيد على أن الموضوع “ليس مرتبطا بالضرورة بمستوى التنمية التي عرفتها المنطقة أو بمستوى طبيعة السياسات العمومية المنتهجة بقدر ما هو مرتبط بأمور أخرى؛ مثل هشاشة الأسرة وإشكالات التعليم والتحديات المرتبطة بها”.

وأشار إلى أن المشاريع التي أنجزت بالمنطقة متعددة؛ منها من سيكون لها “وقع مباشر على الفئة المستهدفة وإحساس مباشر بمردودية تلك المشاريع، إلا أن غالبية المشاريع ذات مفعول على المدى البعيد من الناحية الزمنية، ولن نحس بالوقع الآني لها على السكان”.

ونبه المحلل السياسي ذاته إلى أن الأطفال المعنيين بالهجرة “لا ينتمون جميعا إلى هذه المنطقة؛ بل تبين أن هناك عملا يستهدف استقطاب فئات متعددة من مناطق مختلفة، وهو الأمر الذي اتضح بأنه ليس رغبة منفردة بل كان هناك توجيه لعمليات الهجرة بالشكل الذي لاحظناه”، وفق تعبيره.

من جهته، اعتبر عبد الله أبو عوض، أستاذ العلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة، أن المسؤولية في موضوع الهجرة الجماعية للقاصرين بالفنيدق نحو سبتة المحتلة “مشتركة، ويساهم فيها كل حسب دوره”.

وأكد أبو عوض، في تصريح لهسبريس حول الموضوع، أن السياسات العمومية اتجاه المنطقة تحتاج إلى “مزيد من الترشيد فيما يتعلق بالحاجات الاقتصادية البديلة والمستعجلة التي تحتاجها المنطقة”، مذكرا أن منطقة المضيق الفنيدق عرفت مرحلة “اتباع ولا أقول ازدهار في مرحلة معينة، بما اصطلح عليه التهريب للبضائع من باب سبتة المحتلة، وهو نوع من الاقتصاد المعيشي الاستهلاكي والمرحلي غير المهيكل”.

وزاد المتحدث ذاته موضحا أنه “كان من باب أولى، بعد انقطاع المسير في هذا الاقتصاد، أن يكون البديل مستوعبا وبشكل استعجالي لليد العاملة النسائية والشبابي، خاصة في اقتصاد مهيكل”، لافتا إلى أن هذا الأمر يسائل “مدى نجاعة المنطقة الاقتصادية التي أحدثت بالمنطقة، ويسائل الجمعيات عن دورها في التوعية والاندماج، والسياسيين في مرافعاتهم عن المنطقة”.

وبخصوص الدلالات التي حملتها واقعة ما وصف بـ”الهروب الجماعي”، لفت أبو عوض إلى أنها “كثيرة؛ لكنها في تقديري تبقى مرحلية”، مبرزا أن من الناحية الداخلية ينبغي وضع صورة أن من قام بهذا الفعل “مجموعة من الشباب الذي له رؤية فردوسية عن نعيم أوروبا، وهم فئة عمرية تتميز بطغيان الاندفاع والتهور”، مشددا على أنه “ليس كل من في أوربا هو في رغد من العيش”.

وتابع مفسرا “إنما الضابط القانوني والزجري في أوروبا يجعل من هؤلاء في حالة تحقق حلمهم، منضبطين وملتزمين بالعمل والبحث عنه، وإلا كان مآلهم التشرد”، مبرزا أن “الواحد منهم من يجلس في وطنه ينتظر العمل، في الغربة يصير من لا يعمل لا يعيش”، معتبرا أنه إن لم تكن هناك خطوات صارمة لمعالجة الوضع فإنه “سينعكس ضمنيا لتشجيع المزيد من هذه الاندفاعات الخطيرة على شبابنا وأسرهم”.

أما بشأن التأثير المحتمل للحدث على الصورة الخارجية للبلاد، أكد أبو عوض أنه لم يرَ ذلك الزخم الذي كان متوقعا؛ وذلك يرجع إلى أن دول العالم تعرف “تضخما اقتصاديا انعكس سلبا على مقارباتهم لمعنى الهجرة”، مستدركا بالقول: “إلا أن هناك بعض محاولات التشويش من دولة الجوار الذي كان موضحا أكثر لأزمتها مع الهجرة كذلك”، حسب تعبيره.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق