"المقترحات البائدة" تفضح فشل دي ميستورا في قضية الصحراء المغربية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أعاد ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، إحياء النقاش حول مقترح التقسيم الذي يعود إلى فترة المبعوث الأسبق جيمس بيكر؛ وهو الطرح الذي سبق للمغرب أن رفضه بشدة مطلع الألفية، والقاضي بإنشاء “دولة مستقلة” جنوب الصحراء، مع احتفاظ المملكة بسيادتها على الجزء الشمالي، في محاولة لفرض تسوية “أممية جديدة” تنهي الصراع الذي عمر أزيد من خمسة عقود.

غير أن هذا المقترح قابله رفض حاسم من كلا الجانبين، وفق ما لمح إليه دي ميستورا خلال تقديم إحاطته في 17 أكتوبر الجاري أمام مجلس الأمن، رغم تأييد ضمني من بعض اللاعبين الدوليين مثل الجزائر وموريتانيا بـ “تحفظ” وروسيا وجنوب إفريقيا، ورفض مباشر من المغرب وفرنسا والولايات المتحدة وإسبانيا.

ويأتي هذا الطرح في سياق حالة من الركود السياسي الذي تشهده القضية منذ تعيين دي ميستورا قبل ثلاث سنوات، ووسط استمرار المواقف المتصلبة للأطراف المعنية. ولم تُخفِ إحاطته وجود خيبة أمل بشأن مدى تجاوب الأطراف، وهو ما يفسر حالة الجمود التي باتت تُهدد بإعاقة مهمته.

وللتغلب على هذا التعثر، شدّد المبعوث الأممي على ضرورة التعمّق وشرح أكثر لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، التي تحظى بدعم متزايد على الصعيد الدولي، مؤكدا أن المغرب، من خلال مشاوراته مع وزير الخارجية ناصر بوريطة، “أبدى استعداده لتقديم تفاصيل إضافية حول آليات تطبيق الحكم الذاتي، مما يعكس انفتاح الرباط على الحلول العملية التي تضمن تسوية سياسية نهائية تحت سيادتها الكاملة”.

وكانت هسبريس سباقة في كشف نوايا مبعوث غوتيريس إلى الصحراء منذ زيارته لمدينتي العيون والداخلة في شتنبر 2023، خلال اللقاءات المغلقة التي جمعته بمنتخبي وشيوخ القبائل الصحراوية، حيث بادر إلى مناقشة سبل تفعيل مقترح الحكم الذاتي وإمكانيات تعديله، مركزا في الوقت ذاته على إثارة أسئلة حول جوانبه القانونية، التي تمنح السكان صلاحيات محلية واسعة تعتمد “سيادة المملكة” قاعدةً أساسيةً لتنزيل وتطبيق هذا الحل.

وخلال تقديم إحاطته، لم يخف دي ميستورا بأن “الخلافات بين المغرب والجزائر تظل إحدى أهم العقبات الأساسية التي تُعطل إحراز تقدم ملموس في المسار السياسي”، مشيرا إلى أن “الديناميات الإقليمية المتوترة، إلى جانب استمرار الانتهاكات من قبل البوليساريو، تعمّق أزمة الثقة بين الأطراف”. وفي هذا الإطار شدد المبعوث على ضرورة “تمديد ولاية بعثة المينورسو لتعزيز الاستقرار على الأرض وتهيئة الظروف الملائمة لاستئناف المفاوضات، رغم الصعوبات التي تعترض هذه البعثة في ظل تجاوزات وقف إطلاق النار”.

ورغم استعراضه الفرص المتاحة، ربط دي ميستورا نجاح جهوده بتحقيق تقدم في غضون الأشهر الستة المقبلة، مُلمّحا إلى “احتمال إعادة النظر في منصبه في حال استمرار جمود الملف وعدم تجاوب الأطراف”؛ وهو ما يفسر حفاظه على لغة دبلوماسية هادئة لتفادي القطيعة بين أطراف النزاع، خصوصا في ظل عضوية الجزائر الحالية في مجلس الأمن، وما يعنيه ذلك من تأثير على مسار النقاشات داخل أروقة المنظمة الأممية.

كما استعرض المبعوث الأممي آخر التطورات، التي قد تُعيد تشكيل مسار القضية مثل خطاب الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح البرلمان، وحكم محكمة العدل الأوروبية وما خلفه من ردود فعل متباينة، إلى جانب اعتراف فرنسا الأخير بسيادة المغرب على الصحراء، الشيء الذي قد يدفع نحو إعادة تفعيل المسار التفاوضي بما يتماشى مع الديناميات الجديدة، والتركيز على مقترح الحكم الذاتي كخيار واقعي في ظل تآكل شرعية الخيارات الأخرى كالتقسيم والاستفتاء ومشروع الكونفدرالية.

مقترحات بائدة

قال إبراهيم بلالي اسويح، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، إن إحاطة دي ميستورا الأخيرة، التي عرض خلالها اقتراحاته لتسوية النزاع الإقليمي المفتعل بتقسيم الأقاليم الجنوبية، تعتبر حلا غير عادل وغير واقعي، بل تتناقض مع جهود الوساطة، التي من المفترض أن يقودها الوسيط الأممي خلال المرحلة الراهنة للتعاطي مع هذا الملف.

وأضاف الخبير السياسي ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “مهمة دي ميستورا منذ ثلاث سنوات تؤطرها قرارات مجلس الأمن الأخيرة، التي تدعو إلى مواصلة المسار الذي خلفه سلفه هورست كولر سنة 2018، سواء تعلق الأمر بطبيعة الحل السياسي وخصوصياته، التي أصبحت مع مرور الوقت عناصر حاسمة وثابتة ولا رجعة فيها، أو بالأطراف وطرق استئناف العملية السياسية والعودة إلى مربع المفاوضات”.

وأبرز أن إعادة إحياء مقترحات بائدة، ولو ضمن إطار اقتراحي، مؤشر على بداية فشل الجهود التي يقودها هذا الوسيط، الذي لم يستطع تحريك المياه الراكدة منذ توليه هذه المهمة، لافتا إلى أن “قرارات مجلس الأمن منذ سنة 2020 إلى الآن تعرب عن القلق العميق من الإخلال باتفاق وقف إطلاق النار من طرف جبهة البوليساريو الانفصالية”. وأضاف أن “التمديد لمهام المينورسو في الجوهر ضمن المعايير الجديدة، التي ستحكم جهودها في خلق بيئة مناسبة لاستمرار العملية السياسية، يعد في حد ذاته موقفا يدين الذين عملوا ويعملون على عرقلة مهامها”.

فشل الوساطة

سجل اسويح أن فكرة التقسيم التي جاء بها دي ميستورا تبعده عن حياد الوساطة، مشيرا إلى أن “المساعي الجزائرية في الحد من ارتباطات المملكة بالعمق الإفريقي كانت وراء افتعال هذا النزاع، وبالتالي فإن المسيرة التنموية للمغرب حالياً في بعدها الاستراتيجي موجهة لهذا العمق الذي أشار إليه تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، سواء في الفقرة الخامسة حين تطرق إلى المبادرة الملكية الأطلسية لولوج دول الساحل أو بخصوص الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية والطاقات المتجددة وغيرها”، مؤكدا أن “هذه التطورات عززت واقعية الطرح المغربي وفتحت أبواب المنطقة على آفاق الاهتمام الدولي بهذه الأقاليم، التي سيلعب المغرب من خلالها دورا كبيرا في جنوب المحيط الأطلسي كبوابة للأمن والاستقرار”.

ولفت الباحث في خبايا الملف الانتباه إلى أن “اختيار المبعوث الأممي بعض المحاورين الإقليميين، كما جاء في التقرير، لم يكن بريئا كما هو الحال بالنسبة لجنوب إفريقيا شهر أبريل الماضي، وهو ما نبه المغرب إليه آنذاك، حيث تعارض مع الجغرافيا وأحيى عقيدة عداء هذا البلد للوحدة الترابية للمملكة”، مبرزا أن “ما ورد في الإحاطة يعتبر من حيث الجوهر فشلا لدي ميستورا في مهمته، خصوصا أن المقاربة التي اعتمدها لحد الساعة لم تثمر نتائج عملية في الدفع بمسلسل التسوية السياسية، الذي لا يزال يراود مكانه، خصوصا أن لقاءاته المتتالية مع الأطراف تظهر إخفاقه في إقناع الجزائر وجبهة البوليساريو بالجلوس على طاولة المفاوضات مع المغرب، التي يعتبرها مجلس الأمن الآلية الوحيدة للتوصل إلى اتفاق نهائي”.

القرار الأممي

“تقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس s/2024/707 لا يمكن أن نعطيه مداه إلا إذا وضعناه في سياق تقاريره السابقة، حيث يشير إلى أن الحالة في المنطقة العازلة مشحونة بالتوترات والأعمال القتالية منخفضة الحدة، ولا يزال التقدم في العملية السياسية يشكل تحديا على الرغم من الجهود التي يبذلها مبعوثه الشخصي دي ميستورا، الذي عاد بهذا النزاع الإقليمي إلى سنة 2002 حين اقترحت جزائر بوتفليقة آنذاك فكرة التقسيم، والتي قابلتها المملكة بالرفض القطعي”، يسجل المهتم بالصراع حول الصحراء، قبل أن يضيف أن “اعتبار السيادة على الأقاليم الجنوبية خط أحمر كان وراء رفض المغرب قرار مجلس الأمن 1495 الذي تبنى خطة بيكر الثانية سنة 2003، والذي أعقبه تقرير الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك، كوفي عنان، الذي أوصى بدوره بالبحث عن حل سياسي دفع فيما بعد الوسيط الأممي بتر فان والسوم سنة 2006 إلى الإقرار باستحالة تطبيق خطة التسوية السابقة بوصفها بغير الواقعية”.

واعتبر اسويح أن “النص الجديد الذي يؤسس لقرار مجلس الأمن الدولي المقبل يستشف منه تكريس المكتسبات السياسية للمملكة من خلال الاعترافات الدولية، آخرها فرنسا التي أشار إليها التقرير، ثم التأكيد على إطار العملية السياسية والجهات الفاعلة فيها وأهدافها واحترام مهمة بعثة المينورسو فيما يتعلق بوقف إطلاق النار”، لافتا الانتباه إلى أن “ذكر المبادرة التي تقدم بها المغرب لمنح الأقاليم الجنوبية حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية منذ 2007 إلى الآن تعتبر إيذانا بمنعطف جديد في التعاطي مع خصوصية الحل نحو البرغماتية والواقعية”.

وختم السويح حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن “قرار مجلس الأمن المقبل سيمدد ولاية المينورسو سنة جديدة على الرغم من إشارة دي ميستورا في إحاطته إلى إنهاء مهامه في ستة أشهر كما هو متداول، وسيجرى هذا الاعتماد في سياق وضع دولي منشغل بما يجري في الشرق الأوسط وسياق إقليمي متسم باستمرار التوتر في العلاقات بين المغرب والجزائر ومواصلة البوليساريو انتهاكها وقف إطلاق النار”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق