البلوك تشين.. مفتاح الشفافية والكفاءة في التبادل التجاري الزراعي (مقال)

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

برزت الحاجة إلى تقنية البلوك تشين، في وقت تُعدّ فيه الزراعة من الركائز الأساسية للاقتصاد العالمي؛ إذ تؤدي دورًا حيويًا في توفير الغذاء والموارد الأساسية للسكان.

ومع تزايد التحديات التي تواجه هذا القطاع، مثل تغير المناخ، وزيادة الطلب على الغذاء، ونقص الموارد الطبيعية، برزت الحاجة إلى تبني تقنيات مبتكرة لتحسين كفاءة الزراعة وإنتاجيتها.

في هذا السياق، تُعدّ تقنية البلوك تشين أداة قويّة يمكن أن تُحدث تحولًا جذريًا في كيفية إدارة سلسلة التوريد الزراعية، وتعزيز شفافيتها، وتحسين استدامة ممارساتها.

فمن خلال تمكين المزارعين والمستهلكين على حدٍّ سواء، تفتح تقنية البلوك تشين آفاقًا جديدة لتحقيق فوائد اقتصادية وبيئية، مما يجعلها موضوعًا مثيرًا للاهتمام يستحق الاستكشاف.

والبلوك تشين هي نوع من قواعد البيانات الموزّعة التي تسمح بتخزين المعلومات بطريقة آمنة وشفافة، وتُنظّم البيانات في "كتل" مرتبطة بعضها ببعض، مما يجعل من الصعب تعديلها أو حذفها.

وتُعدّ هذه التقنية مثالية لتتبع العمليات والمعاملات في مختلف القطاعات، بما في ذلك قطاع الزراعة.

فوائد استعمال البلوك تشين في الزراعة

1. تحسين الشفافية: توفّر تقنية البلوك تشين مستوى عاليًا من الشفافية في سلسلة التوريد الزراعية، مما يعزّز الثقة بين المزارعين والمستهلكين.

2. تتبّع المنتجات: تتيح تتبّع المنتجات من المزرعة إلى المائدة؛ مما يساعد المستهلكين على معرفة مصدر الأغذية وضمان جودتها وسلامتها، خاصة في حالات الأزمات.

3. تحسين الكفاءة: تُساعد في أتمتة المهام، مثل إدارة العقود والتسويات المالية، مما يقلّل من الوقت والجهد المطلوبَيْن في إدارة سلسلة التوريد.

4. تعزيز الأمن الغذائي: من خلال الشفافية والتتبّع، تُسهم في اتخاذ قرارات أفضل بشأن السياسات الزراعية والتجارة، مما يعزّز الأمن الغذائي.

5. دعم صغار المزارعين: توفّر منصة للمزارعين الصغار للتواصل مع المستهلكين مباشرة، مما يمكّنهم من الحصول على أسعار أفضل وتقليل تكاليف الوساطة.

صورة تعبر عن البلوك تشين بمجال العملات الرقمية
صورة تعبّر عن البلوك تشين في مجال العملات الرقمية - الصورة من الأمم المتحدة

تطبيقات عمليّة للبلوك تشين في الزراعة

1. أنظمة تتبّع المنتجات:

تستعمل بعض الشركات أنظمة البلوك تشين لتتبّع المنتجات الزراعية في الوقت الحقيقي. على سبيل المثال، يمكن لمزارع أن يسجّل معلومات حول المحاصيل التي يزرعها، ومعالجة تلك المحاصيل، وتوزيعها، مما يسهل على المستهلكين تتبّع مصدر الغذاء.

2. إدارة العقود الذكية:

العقود الذكية هي عقود تُنفّذ تلقائيًا عند استيفاء شروط معينة للمزارعين والبائعين، وتعمل على إدارة معاملاتهم بصورة أكثر فاعلية. يمكن أن تساعد هذه العقود في تسريع عمليات الدفع وتقليل النزاعات.

3. تعزيز الاستدامة:

يمكن استعمال البلوك تشين لتعزيز الممارسات الزراعية المستدامة من خلال تتبّع استعمال المواد الكيميائية والممارسات الزراعية. يمكن للمستهلكين اختيار المنتجات التي تتوافق مع معايير الاستدامة، مما يشجّع المزارعين على تبني ممارسات أفضل.

تحديات تواجه الاستعمال في مجال الزراعة

على الرغم من الفوائد العديدة لتقنية البلوك تشين في الزراعة، فإن هناك العديد من التحديات التي تعوق تنفيذها بصورة واسعة. إليك أبرز هذه التحديات:

1. التكلفة العالية

- تكلفة التنفيذ: تحتاج الشركات والمزارعون إلى استثمار في التكنولوجيا والبنية التحتية اللازمة لتطبيق البلوك تشين.

- الصيانة: تتطلّب الأنظمة المستندة إلى البلوك تشين صيانة مستمرّة وتحديثات قد تكون مكلفة.

2. البنية التحتية الرقمية

- الوصول المحدود: في بعض المناطق الريفية، قد يكون هناك نقص في البنية التحتية الرقمية، مما يجعل من الصعب تطبيق تقنية البلوك تشين.

- الاتصال بالإنترنت: تحتاج العمليات إلى اتصال مستمر بالإنترنت لضمان فاعلية النظام.

3. التعليم والتدريب

- نقص المعرفة: يحتاج المزارعون والعمال إلى تدريب، لفهم كيفية استعمال تقنية البلوك تشين.

- المقاومة للتغيير: بعض المزارعين قد يكونون متردّدين في تبنّي تقنيات جديدة نتيجة قلة المعرفة أو الخوف من التغيير.

4. تعقيد النظام

- صعوبة الفهم: قد تكون تقنيات البلوك تشين معقّدة، مما يجعل من الصعب على المستعملين الجدد فهم كيفية عملها.

- التكامل مع الأنظمة القائمة: دمج البلوك تشين مع الأنظمة القديمة قد يكون تحديًا كبيرًا.

5. مخاوف الأمان والخصوصية

- القرصنة: على الرغم من الأمان العالي الذي توفره تقنية البلوك تشين، فإن هناك مخاوف من الهجمات الإلكترونية.

- الخصوصية: قد تكون هناك مخاوف بشأن كيفية التعامل مع البيانات الشخصية وحمايتها.

6. التنظيم والتشريعات

- غياب القوانين: لا تزال العديد من الدول تفتقر إلى تشريعات واضحة تنظّم استعمال تقنية البلوك تشين في الزراعة.

- المعوقات القانونية: قد تواجه الشركات تحديات قانونية في تطبيق البلوك تشين بسبب القوانين الحالية.

7. التعاون بين الأطراف المعنية

- تنسيق الجهود: يتطلّب النجاح في تطبيق تقنية البلوك تشين تعاونًا بين المزارعين، والشركات، والحكومات، مما قد يكون صعبًا في بعض الأحيان.

- المصالح المتضاربة: قد تكون هناك مصالح متضاربة بين الأطراف المختلفة، مما يعوق التعاون.

رغم التحديات، فإن إمكان تحسين الشفافية والكفاءة في الزراعة من خلال استعمال البلوك تشين تستحق النظر.

ويتطلّب التغلب على هذه التحديات جهودًا من جميع الأطراف المعنية لضمان تحقيق الفوائد المرجوة.

صورة تعبر عن تقنية البلوك تشين
صورة تعبّر عن تقنية البلوك تشين

كيفية مواجهة التحديات

لكي يتمكن قطاع الزراعة من الاستفادة من تقنية البلوك تشين، يجب اتخاذ خطوات إستراتيجية لمعالجة التحديات المعروفة. فيما يلي بعض الحلول الممكنة:

1. تقليل التكلفة

- الشراكات: يمكن للمزارعين التعاون مع شركات التكنولوجيا لتقاسم التكاليف، وتطوير حلول تكون مخصّصة لهم .

- التمويل: استكشاف مصادر التمويل، مثل المنح الحكومية أو البرامج الخاصة لدعم الابتكارات الزراعية.

2. تعزيز البنية التحتيّة الرقميّة

- الاستثمار في البنية التحتية: يحتاج القطاع إلى استثمارات في تحسين شبكات الإنترنت والطاقة في المناطق الريفية.

- التقنيات المساعدة: استعمال تقنيات مثل الأقمار الاصطناعية أو الشبكات اللاسلكية لتحسين الاتصال في المناطق البعيدة.

3. التعليم والتدريب

- برامج التدريب: تنظيم ورشات عمل ودورات تدريبية للمزارعين والعمال، لتعريفهم بتقنية البلوك تشين وكيفية استعمالها.

- التوعية: نشر معلومات حول فوائد تقنية البلوك تشين وأهميتها في تعزيز الإنتاجية والشفافية.

4. تبسيط النظام

- تطوير واجهات سهلة الاستعمال: تصميم واجهات مستعمل بسيطة، لتسهيل التعامل مع تقنية البلوك تشين.

- التكامل مع الأنظمة الحالية: العمل على تطوير حلول تتكامل بسهولة مع الأنظمة الزراعية القائمة.

5. تعزيز الأمن والخصوصية

- تحسين الأمان السيبراني: الاستثمار في تقنيات الأمان السيبراني، لحماية البيانات والمعلومات الحساسة.

- سياسات الخصوصية: وضع سياسات واضحة، لحماية البيانات وضمان الامتثال للقوانين المحلية والدولية.

6. تطوير الإطار التنظيمي

- التعاون مع الحكومات: العمل مع الحكومات لوضع قوانين وتنظيمات تدعم تطبيق البلوك تشين في مجال الزراعة.

- مبادرات مشتركة: إنشاء مبادرات مشتركة بين القطاعَيْن العام والخاص لتطوير إطار تنظيمي مناسب.

7. تعزيز التعاون بين الأطراف المعنية

- إنشاء منصات للتواصل: تطوير منصات تعزّز التواصل بين المزارعين، والشركات، والحكومات.

- تطوير تحالفات: بناء تحالفات بين مختلف الأطراف لتعزيز التعاون وتبادل المعرفة والخبرات.

مواجهة التحديات المرتبطة باستعمال البلوك تشين في قطاع الزراعة تتطلّب جهودًا متكاملة من جميع الأطراف المعنية.

من خلال التعاون والاستثمار في التعليم والتكنولوجيا، يمكن تحقيق فوائد كبيرة من هذه التقنية، مما يُسهم في تحسين استدامة وفاعلية القطاع الزراعي.

تقنية ليبية لخفض الانبعاثات الكربونية في قطاع الزراعة
تقنية ليبية لخفض الانبعاثات الكربونية في قطاع الزراعة

الجدوى الاقتصادية والبيئية من استغلال البلوك تشين في مجال الزراعة

أولاً: الجدوى الاقتصادية:

1. تحسين كفاءة سلسلة التوريد

- تقليل التكاليف: من خلال تسريع عمليات الشراء والمبيعات، مما يقلّل من التكاليف التشغيلية.

- توفير الوقت: تحسين العمليات الإدارية، وتقليل الوقت المستغرق في المعاملات.

2. زيادة الشفافية وثقة المستهلك

- تعزيز الثقة: يوفّر تتبّع المنتجات من المزرعة إلى المستهلك معلومات موثوقة تعزّز الثقة في المنتجات.

- تحقيق أسعار أفضل: يمكن للمزارعين الصغار بيع منتجاتهم مباشرة إلى المستهلكين، مما يتيح لهم الحصول على أسعار أفضل.

3. توفير البيانات والتحليلات

- تحليل البيانات: تمكّن تقنية البلوك تشين من جمع البيانات وتحليلها حول العرض والطلب؛ مما يساعد في اتخاذ قرارات تجارية أفضل.

- توقعات دقيقة: تحسين التخطيط والإنتاج من خلال بيانات دقيقة ومحدّثة.

4. دعم الابتكار

- تحفيز الابتكار: تشجّع الشفافية والتعاون بين المزارعين والشركات على تطوير تقنيات جديدة وحلول مبتكرة.

ثانياً: الجدوى البيئية

1. تعزيز الاستدامة

- تتبع الممارسات الزراعية: يمكن للبلوك تشين تتبع استعمال الموارد مثل المياه والمبيدات، مما يشجّع على ممارسات أكثر استدامة.

- تقييم الأثر البيئي: تساعد التقنية المزارعين في فهم الأثر البيئي لعملياتهم، مما يعزّز اتخاذ قرارات مستدامة.

2. تقليل الفاقد في الغذاء

- تحسين التخزين والنقل: من خلال تحسين تتبّع المنتجات، يمكن تقليل الفاقد في الغذاء خلال مراحل النقل والتخزين.

- توزيع أفضل: تُسهم تقنية البلوك تشين في توزيع المنتجات بشكل أكثر فاعلية، مما يقلّل من الفاقد.

3. تعزيز التنوع البيولوجي

- حماية المحاصيل: يمكن استعمال البيانات لتحسين إستراتيجيات الزراعة التي تحمي التنوع البيولوجي وتقلّل من استعمال المواد الكيميائية الضارة.

4. توعية المستهلكين

- الخيارات المستدامة: توفر تقنية البلوك تشين المعلومات للمستهلكين حول مصدر المنتجات وممارسات إنتاجها، مما يعزّز الطلب على المنتجات المستدامة.

تُظهر الجدوى الاقتصادية والبيئية لاستعمال البلوك تشين في مجال الزراعة قدرة كبيرة على تحسين القطاع الزراعي. من خلال تعزيز الكفاءة والشفافية، يمكن لهذه التقنية أن تُسهم في تحقيق فوائد مستدامة على المستويَيْن الاقتصادي والبيئي، مما يعزّز من استدامة الأمن الغذائي والموارد الطبيعية.

عمليات حرث الأراضي ودورها في زيادة انبعاثات قطاع الزراعة
جانب من عمليات حرث الأراضي – الصورة من تيري داينارد

البلوك تشين وتحسين التبادل التجاري في مجال الزراعة

تُعد تقنية البلوك تشين أداة مبتكرة يمكن أن تُحدث تحولًا في كيفية إدارة التبادل التجاري في قطاع الزراعة. إليك بعض الطرق التي يمكن من خلالها استعمال البلوك تشين لتحسين هذا التبادل:

1. تتبع المنتجات

- شفافية سلسلة التوريد: تتيح البلوك تشين تتبّع مسار المنتجات الزراعية من المزرعة إلى المستهلك، مما يعزّز الشفافية ويقلّل من الغش التجاري.

- معلومات دقيقة: يمكن للمشتري معرفة مصدر المنتجات، مما يزيد من ثقتهم بجودتها.

2. تسهيل المعاملات المالية

- العقود الذكية: يمكن استعمال العقود الذكية لتبسيط عمليات الدفع، إذ تتم المعاملات تلقائيًا عند استيفاء الشروط المتفق عليها.

- تقليل التكاليف: تقليل الحاجة إلى وسطاء يمكن أن يقلّل من تكاليف المعاملات.

3. تحسين الأمان الغذائي

- ضمان الجودة: تُمكّن البلوك تشين من تتبّع ظروف التخزين والنقل، مما يضمن سلامة الأغذية وجودتها طوال مدة التبادل.

- الاستجابة السريعة للأزمات: في حال حدوث مشكلات تتعلّق بالسلامة، يمكن تتبّع المنتجات بسرعة لتحديد مصدر المشكلة واستدعاء المنتجات المعيبة.

4. تعزيز الامتثال للمعايير الدولية

- تسهيل التوافق: يمكن استعمال البلوك تشين لتوثيق التزام المنتجات بالمعايير والمتطلبات الصحية الدولية، مما يسهّل عمليات التصدير.

- تحسين الوثائق: تخزين الوثائق اللازمة مثل شهادات الجودة والتراخيص بشكل رقمي، مما يسهّل الوصول إليها والتحقق منها.

5. تعزيز التعاون بين الأطراف المعنية

- منصات مشتركة: إنشاء منصات تعتمد على البلوك تشين لتعزيز التعاون بين المزارعين، والشركات، والحكومات.

- تبادل المعرفة: تسهيل تبادل المعرفة والخبرات حول أفضل الممارسات الزراعية والتجارية.

6. تحليل البيانات

- تحسين التخطيط: جمع البيانات حول الإنتاج والطلب من خلال البلوك تشين يمكن أن يساعد في تحسين خطط الإنتاج والتوزيع.

- توقعات دقيقة: استعمال البيانات لتحليل الاتجاهات في السوق، مما يمكّن المزارعين من اتخاذ قرارات مستنيرة.

يمكن أن تُحدث تقنية البلوك تشين تحولًا كبيرًا في التبادل التجاري في مجال الزراعة من خلال تعزيز الشفافية، وتحسين الأمان، وتسهيل المعاملات.

إن اعتماد هذه التقنية يُعدّ خطوة إستراتيجية نحو بناء نظام زراعي أكثر كفاءة واستدامة، مما يعود بالنفع على جميع الأطراف المعنية.

يُعدّ استعمال تقنية البلوك تشين في مجال الزراعة خطوة مبتكرة نحو تحقيق نظام زراعي أكثر كفاءة واستدامة.

من خلال تعزيز الشفافية، وتحسين تتبّع المنتجات، وتقليل التكاليف، يمكن لهذه التقنية أن تؤدي دورًا حيويًا في مواجهة التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي.

كما أن الفوائد البيئية التي تتمثّل في تعزيز الاستدامة وتقليل الفاقد تعزّز من أهمية تطبيق هذه التقنية.

ومع ذلك، يتطلّب النجاح في تنفيذ البلوك تشين تعاونًا بين جميع الأطراف المعنية، بمن في ذلك المزارعون، والشركات، والحكومات.

من خلال التغلّب على التحديات الحالية والاستثمار في التعليم والتكنولوجيا، يمكن أن تُسهم تقنية البلوك تشين في بناء مستقبل زراعي أكثر استدامة وفاعلية، مما يضمن الأمن الغذائي ويعزّز الاقتصاد الزراعي على المدى الطويل.

* المهندسة هبة محمد إمام - خبيرة دولية واستشارية بيئية مصرية

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق