تحذير غازبروم من تداعيات انخفاض مخزونات الغاز الأوروبية.. خطر قادم (مقال)

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اقرأ في هذا المقال

  • • هذا الشتاء شهد استهلاكًا أعلى بكثير للغاز بسبب الطقس البارد الممتد.
  • • متوسط معدّل سحب الغاز في الاتحاد الأوروبي ارتفع بنسبة 36% عن الموسم الماضي.
  • • مشترو الغاز الأوروبيون سيحتاجون إلى شراء كميات إضافية خلال الصيف مقارنة بالسنوات السابقة.
  • • تركيا قد تعطي الأولوية بشكل متزايد للاحتياجات المحلية على إعادة تصدير الغاز إلى أوروبا.

حذّرت شركة غازبروم الروسية من تداعيات تراجع مخزونات الغاز لدى دول الاتحاد الأوروبي، وجاء ذلك ضمن تحليل تقني بحت.

في 3 مارس/آذار 2025، أصدرت الشركة الروسية تحذيرًا بشأن التحديات التي ستواجهها أوروبا في إعادة ملء مرافق تخزين الغاز تحت الأرض (UGS) لموسم الخريف والشتاء المقبلين 2025-2026.

وأشارت شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم، التي كانت تهيمن سابقًا على سوق الغاز الطبيعي الأوروبية، إلى بيانات مثيرة للقلق من مؤسسة "البنية التحتية للغاز في أوروبا" Gas Infrastructure Europe (GIE)، مسلطةً الضوء على أن الاتحاد الأوروبي يدخل الربيع باحتياطيات غاز منخفضة بشكل خطير.

وعلى عكس العامين الماضيين، عندما منعت فصول الشتاء المعتدلة حدوث أزمة طاقة جديدة، شهد هذا الشتاء استهلاكًا أعلى بكثير للغاز بسبب الطقس البارد لمدة طويلة؛ ما أدى إلى استنفاد حاد لمستويات التخزين.

مخزونات الغاز الأوروبية

بحلول نهاية فبراير/شباط 2025، بقي 39.2 مليار متر مكعب فقط من مخزونات الغاز الأوروبية - 38.5% فقط من إجمالي السعة وأقل بنحو 24.3 مليار متر مكعب عن العام السابق.

وبحسب غازبروم، يتفاقم هذا العجز بسبب أن متوسط معدل سحب الغاز ارتفع بنسبة 36% عن الموسم الماضي وبنسبة 22% عن متوسط الـ10 سنوات.

وكانت الاحتياطيات التي كان من المفترض أن تستمر طوال فصل الشتاء قد استنفدت بحلول شهر يناير/كانون الثاني الماضي؛ ما أجبر مشغلي الغاز الأوروبيين على الاستفادة من الاحتياطيات القديمة بوتيرة متسارعة.

ويزداد الوضع سوءًا بسبب أن أوروبا لديها، حاليًا، مصادر أقل بكثير من إمدادات الغاز الموثوقة مقارنة بما كانت عليه قبل عام 2022.

محطة تخزين الغاز التابعة لشركة بلغارترانسغاز ببلدة تشيرين في بلغاريا
محطة تخزين الغاز التابعة لشركة بلغارترانسغاز ببلدة تشيرين في بلغاريا - الصورة من رويترز

ومع انخفاض تسليمات الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية بشكل كبير بسبب التوترات السياسية والقيود المفروضة على البنية التحتية، اعتمد الاتحاد الأوروبي بشكل متزايد على واردات الغاز المسال والموردين البدلاء مثل النرويج والجزائر وأذربيجان.

ورغم ذلك؛ تواجه شحنات الغاز المسال منافسة شديدة من الأسواق الآسيوية، وتعمل محطات إعادة التغويز الأوروبية بكامل قدرتها تقريبًا؛ ما يجعل من الصعب زيادة الواردات بشكل أكبر.

وفي الوقت نفسه، وصل إنتاج النرويج إلى مرحلة الثبات، وظلّت عمليات التسليم من شمال أفريقيا ومنطقة بحر قزوين محدودة.

ويأتي تحذير غازبروم خلال وقت تتعرّض فيه المفوضية الأوروبية لضغوط هائلة لمنع حدوث أزمة طاقة جديدة.

ووفقًا للوائح المفوضية الأوروبية، يجب أن تكون مرافق تخزين الغاز تحت الأرض ممتلئة بنسبة 90% على الأقل بحلول الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 2025، لضمان أمن الطاقة لموسم التدفئة المقبل.

ونتيجة لانخفاض مستويات التخزين الحالية بشكل مثير للقلق، سيحتاج مشترو الغاز الأوروبيون إلى شراء كميات إضافية خلال الصيف مقارنة بالسنوات السابقة.

وقد اعترفت المفوضية الأوروبية بالتحدي، وفي خطة عمل صدرت في 26 فبراير/شباط الماضي، اقترحت تنسيقًا أقوى بين دول الاتحاد الأوروبي ونهجًا أكثر مرونة لحقن الغاز لتحقيق الاستقرار في السوق.

وحتى مع هذه التدابير، تظل المشكلة قائمة، حيث سيكون تأمين ما يكفي من الغاز لتلبية الطلب أكثر صعوبة من ذي قبل.

التهديد المتزايد لاستهلاك الغاز في تركيا

أثارت شركة غازبروم الروسية مخاوف بشأن المنافسة المتزايدة على إمدادات الغاز، خصوصًا من تركيا.

وفي أحدث تقييم لها، سلّطت الشركة الروسية الضوء على أن استهلاك الغاز التركي بين نوفمبر/تشرين الثاني 2024 وفبراير/شباط 2025 قد وصل إلى مستويات قياسية، متجاوزًا 30 مليار متر مكعب خلال مدة الأشهر الـ4.

وشهد شهر فبراير/شباط الماضي وحده أعلى مستوى شهري على الإطلاق عند 8 مليارات متر مكعب؛ حيث حطّمت تركيا رقمها القياسي في الاستهلاك اليومي مرتين في ذلك الشهر، ووصل إلى 333.7 مليون متر مكعب يوميًا.

ويمثل هذا الارتفاع في الطلب التركي تحديًا خطيرًا لأوروبا؛ حيث تتنافس تركيا الآن بشكل مباشر على الغاز من المصادر نفسها التي يعتمد عليها الاتحاد الأوروبي.

تاريخيًا، جعلت تركيا نفسها مركز عبور حيويًا للغاز المتدفق من روسيا وأذربيجان والشرق الأوسط إلى الأسواق الأوروبية.

وبالنظر إلى ارتفاع استهلاكها، قد تعطي تركيا الأولوية بشكل متزايد للاحتياجات المحلية على إعادة تصدير الغاز إلى أوروبا.

وقد يتسبّب هذا في زيادة تضييق العرض؛ ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ويجعل من الصعب على المشترين الأوروبيين إعادة ملء مرافق التخزين لديهم قبل الشتاء.

مستودعات تخزين الغاز بميناء هامبورغ في ألمانيا
مستودعات تخزين الغاز بميناء هامبورغ في ألمانيا - الصورة من إنرجي مونيتور

رسالة غازبروم الإستراتيجية: افتحوا مسارات الأنابيب

على الرغم من أن غازبروم صاغت تحذيرها بصفته تحليلًا تقنيًا بحتًا؛ فقد كانت الآثار الجيوسياسية واضحة.

فقد أشار بيان الشركة بشكل خفي ولكن لا لبس فيه إلى أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يعيد النظر في استعمال البنية التحتية للغاز الروسي الخاملة لتخفيف الأزمة الوشيكة.

ولا يزال العديد من مسارات خطوط الأنابيب الرئيسة مغلقًا أو غير مستغل بشكل كبير بسبب التوترات السياسية بين موسكو وبروكسل؛ ومن بينها:

أولًا: نظام نقل الغاز الأوكراني (GTS): على الرغم من الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا، يظل خط الأنابيب هذا خيارًا محتملًا لزيادة تدفقات الغاز.

رغم ذلك؛ فإن جدواه على المدى الطويل موضع تساؤل؛ حيث أنهت كييف عبور الغاز الروسي عبر أراضيها بعد عام 2024.

ثانيًا: خط أنابيب يامال-أوروبا عبر بولندا: كان هذا الخط في السابق ممرًا بالغ الأهمية للغاز الروسي إلى ألمانيا، ولكنه أصبح معطلًا إلى حد كبير منذ عام 2022 بسبب العقوبات الأوروبية ومعارضة الحكومة البولندية.

ثالثًا: خط "أنابيب نورد ستريم 2 ب": على الرغم من تدمير نصف خط أنابيب نورد ستريم 2 في هجوم تخريبي مشتبه به في عام 2022؛ فإن "خط الأنابيب ب" غير التالف لا يزال يعمل من الناحية التقنية.

رغم ذلك؛ فإن استعماله يتطلب تحولًا سياسيًا غير مسبوق في سياسة الاتحاد الأوروبي؛ حيث علّقت ألمانيا رسميًا اعتماد خط الأنابيب في أوائل عام 2022.

وكانت الرسالة الأساسية التي وجّهتها شركة غازبروم إلى الاتحاد الأوروبي واضحة: "ما لم تكن أوروبا على استعداد لاستكشاف إعادة فتح بعض طرق العبور هذه؛ فستواجه وقتًا أصعب بكثير في تأمين ما يكفي من الغاز لفصل الشتاء".

بدورها، تظل المفوضية الأوروبية ثابتة في موقفها، وتضاعف جهود التنويع بدلًا من النظر في العودة إلى غاز خط الأنابيب الروسي.

منصة حفر في منشأة لمعالجة الغاز تديرها شركة غازبروم الروسية
منصة حفر في منشأة لمعالجة الغاز تديرها شركة غازبروم الروسية - الصورة من رويترز

إستراتيجية غازبروم المحلية: الاحتكار وزيادة الأسعار

مع تضاؤل قدرتها على تصدير الغاز، تتطلع غازبروم بشكل متزايد إلى الداخل لتعزيز مواردها المالية.

في ديسمبر/كانون الأول 2024، وافقت "هيئة مكافحة الاحتكار الفيدرالية الروسية" على زيادة أسعار الغاز بالجملة؛ ما يسمح لغازبروم برفع الأسعار بنسبة 10.3% بدءًا من 1 يوليو/تموز 2025.

وسيواجه منتجو الكهرباء ومزودو الخدمات البلدية زيادة أكثر حدة بنسبة 11%.

وتأتي هذه الزيادات في الأسعار في مرحلة حرجة لشركة غازبروم، التي عانت خسائر كبيرة في الإيرادات منذ انهيار سوقها الأوروبية.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة لإعادة توجيه الصادرات إلى الصين؛ فإن خط أنابيب باور أوف سيبيريا يعمل بكامل قدرته، حيث يوفر 38 مليار متر مكعب سنويًا.

وقد توقفت المفاوضات بشأن خط أنابيب باور أوف سيبيريا 2، وهو خط أنابيب مقترح بسعة 50 مليار متر مكعب؛ حيث يعتقد العديد من المحللين أن الصين لا تحتاج إلى غاز روسي إضافي في المستقبل القريب.

من ناحيتها، لا تقدم الأسواق المحتملة الأخرى، مثل آسيا الوسطى، سوى فرص نمو محدودة؛ الأمر الذي لا يترك لشركة غازبروم خيارًا سوى تعظيم الإيرادات داخل روسيا.

وتشير التقارير إلى أن إحدى الإستراتيجيات التي تستكشفها الشركة هي الاستحواذ على ما يسمى بشبكات توزيع الغاز "الميل الأخير" - البنية الأساسية لخطوط الأنابيب الإقليمية التي تتصل مباشرة بالمستهلكين النهائيين.

وعند نجاح غازبروم في شراء هذه الشبكات؛ فإنها ستكتسب سيطرة شبه كاملة على سوق الغاز المحلية في روسيا، وهو ما يعزز قوتها الاحتكارية.

رغم ذلك؛ فإن مثل هذه الخطوة من المرجح أن تثير مقاومة من جانب مستهلكي الغاز الصناعيين والسلطات الإقليمية، الذين يخشون أن يؤدي التركيز المفرط في السوق إلى زيادات أكثر حدة بالأسعار.

أهمية آسيا الوسطى الإستراتيجية بالنسبة لغازبروم

مع إغلاق سوقها الأوروبية التقليدية إلى حد كبير وتباطؤ نمو الطلب في الصين، تتطلّع شركة غازبروم بشكل متزايد إلى آسيا الوسطى بصفتها بديلًا مهمًا، وإن كان محدودًا، لتوسيع صادراتها من الغاز.

وكانت المنطقة، التي تضم قازاخستان وأوزبكستان وتركمانستان، موردًا تقليديًا ومركزًا للعبور للغاز الروسي. وفي الوقت نفسه؛ فإن التحولات الأخيرة في مسارات الطاقة الإقليمية تجبر غازبروم على إعادة النظر في نهجها.

وواجهت قازاخستان وأوزبكستان نقصًا متزايدًا في الغاز المحلي؛ ما دفعهما إلى البحث عن عقود توريد أكثر استقرارًا وطويلة الأجل مع روسيا.

إزاء ذلك، زادت غازبروم من تسليمات الغاز إلى هذه البلدان ووقّعت اتفاقيات جديدة في عام 2024 لتوريد ما لا يقل عن 10 مليارات متر مكعب سنويًا.

محطة لتخزين الغاز تحت الأرض في بولندا
محطة لتخزين الغاز تحت الأرض في بولندا - الصورة من بلومبرغ

من جهتها، تعمل تركمانستان، التي تمتلك رابع أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم، على تعزيز علاقاتها في مجال الطاقة مع الصين؛ ما يقلل من اعتمادها على البنية التحتية الروسية.

وهذا يُعقّد طموحات غازبروم لاستعمال آسيا الوسطى بصفتها ممرًا إستراتيجيًا للتصدير.

ورغم أن زيادة الصادرات إلى قازاخستان وأوزبكستان توفر بعض الإغاثة المالية؛ فإن هذه الكميات تظل جزءًا ضئيلًا مما كانت غازبروم تبيعه ذات يوم لأوروبا.

إلى جانب ذلك، يواجه النفوذ الجيوسياسي الروسي في المنطقة تحديات متزايدة بسبب مبادرة الحزام والطريق الصينية والاهتمام المتزايد من جانب الاتحاد الأوروبي بالشراكات في مجال الطاقة البديلة.

نتيجة لهذا، وعلى الرغم من أن آسيا الوسطى توفر دعمًا مؤقتًا لإيرادات غازبروم المتراجعة؛ فإنها بعيدة كل البعد عن الحل المستدام طويل الأجل لأزمة صادراتها.

الخلاصة: اختبار جيوسياسي لأمن الطاقة في أوروبا

يبدو أن موسم ضخ الغاز في عام 2025 سيكون أحد أكثر المواسم تحديًا في الذاكرة الحديثة.

ومع انخفاض مستويات التخزين بشكل مثير للقلق، سيحتاج المشترون الأوروبيون إلى تأمين كميات هائلة من الغاز خلال الصيف لتلبية المتطلبات التنظيمية.

وفي المقابل؛ فإن المنافسة المتزايدة من تركيا، وسوق الغاز المسال المقيدة، ومصادر الإمداد البديلة المحدودة؛ ستجعل هذه معركة شاقة.

من جانبها، يبدو أن شركة غازبروم تستغل الأزمة للدفع نحو إعادة فتح طرق خطوط الأنابيب الروسية إلى أوروبا، وهي النتيجة التي تظل غير مرجّحة للغاية بالنظر إلى المناخ السياسي الحالي.

وفي الوقت نفسه، تحوّل الشركة تركيزها نحو احتكار سوق الغاز الروسية المحلية؛ ما يثير المخاوف بشأن ارتفاع تكاليف الطاقة داخل روسيا نفسها.

فيلينا تشاكاروفا، متخصصة في الشؤون السياسية بالدول المنتجة للطاقة.

*هذا المقال يمثّل رأي الكاتبة، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق