أوضح عمل أكاديمي حديث الصدور أن “تحقيق العدالة المجالية الصحية بالمغرب، كهدف أساسي، لم يتحقق بعد، موازاة مع وجود تفاوت وتباين للعرض الصحي بين المجال الحضري والمجال القروي أو بين الجهات أو حتى داخل الجهة نفسها، على الرغم من كثرة النصوص القانونية المتعلقة بالصحة والحماية الاجتماعية بالمملكة”.
وأكدت الدراسة، التي صدرت أخيرا ضمن المؤلف المعنون بـ”السيادة الصحية في جنوب المتوسط ورهان تحقيق الأمن الاستراتيجي”، عن مركز “تكامل للأبحاث والدراسات”، أن “هذه اللاعدالة المجالية في الولوج للعلاجات الصحية تتجلى ضمن الأرقام والمؤشرات الصادرة عن الوزارة الوصية على القطاع أو عن المندوبية السامية للتخطيط”، داعية بذلك إلى “تقييم السياسات الصحية السابقة”.
كما أشارت إلى أنه “لا يمكن تحقيق الأهداف المرجوة بخصوص العدالة المجالية في الوصول للعلاجات الصحية إلا إذا تم القيام بالتنزيل الفعلي لمضامينها ومقتضياتها على أرض الواقع، ثم الرفع من الميزانية العامة لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية والاجتماعية إلى نسبة 12 في المائة على الأقل، فضلا عن معالجة النقص والاختلال الحاصل في توزيع الموارد البشرية ومحاربة الفساد، فضلا عن تنفيذ السياسات الصحية وتقييمها”.
ووقفت هذه المعدّة من لدن طارق الحجوجي، إطار صحي وطالب بسلك الدكتوراه، عند أبرز الإشكاليات التي يعاني منها المجال الصحي الوطني، مشدّدة على “كون العدالة المجالية الصحية منصوص عليها ضمن ثانيا الدستور المغربي لسنة 2011، وتحديدا ضمن الفصل 31 منه، والذي يوضح عمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كل الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة جميع المواطنات والمواطنين من الحق في العلاج والعناية والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية(..)”.
في سياق متصل، بيّنت الدراسة المذكورة أن “القانون الإطار رقم 06.22 المتعلق بالمنظومة الصحية الوطنية يعتبر متمما للنقص الحاصل في المقتضيات التشريعية المتعلقة بالعدالة المجالية الصحية بالمغرب، والذي نصّ على إحداث المجموعات الصحية الترابية في شكل مؤسسات عمومية تتولى تنفيذ سياسة الدولة في مجال الصحة على المستوى الجهوي”.
كما طرحت تساؤلات عمّا إذا “كانت الترسانة القانونية الصحية التي يتم الحديث عنها حققت أدوارها وقضت على الاختلالات التي تعرفها المنظومة الصحية المغربية لحد الآن، ثم عن مبدأ الإنصاف بين الجهات فيما يخص عرض العلاجات الذي تنص عليه الخريطة الصحية الوطنية والجهوية وفقا للقانونين الإطاريْن 30.09 و06.22”.
وذكّر المرجع ذاته بأن “تقريرا سابقا لمجموعة العمل الموضوعاتية المكلفة بالمنظومة الصحية رصد اختلالات عديدة؛ كغياب مستشفيات جامعية في بعض جهات المملكة، وضعف عدد الأسرّة بالمؤسسات الاستشفائية مقارنة مع توصيات منظمة الصحة العالمية، فضلا عن وجود اكتظاظ على مستوى المستعجلات وغياب آليات عمل قانونية وتقنية للمواكبة والتتبع كالأنظمة المعلوماتية الوطنية المرتبطة بالمجال الصحي”.
واستحضرت الوثيقة عينها “ضعف ميزانية القطاع الصحي، موازاة مع توصية منظمة الصحة العالمية برفعها إلى نسبة 12 في المائة؛ فضلا عن التباين الواضح المسجّل في توزيع عدد الأطباء ومهنيي الصحة بين جهات المملكة، إذ تتمركز نسبة 30,7 في المائة منها في جهة الدار البيضاء سطات و18 في المائة بجهة الرباط ـ سلا ـ القنيطرة، مع توزّع الباقي على 10 جهات المتبقية بالمملكة”.
ووفق المصدر ذاته، فإن “جسامة التباين في توزيع هذه الأطر الطبية تزداد من خلال التمييز بين الوسطين الحضري والقروي ونسبة التغطية الطبية، إذ إن العالم القروي يعاني كثيرا من قلة الخدمات الصحية (حوالي 10,6 في المائة من الأطر الطبية الصحية)، في حين أن الوسط الحضري يضم ما يقارب 90 في المائة من هذه الأطر”.
وخلصت الدراسة المعنونة بـ”آفاق تحقيق العدالة المجالية بالمغرب” إلى أن “دور القانون بالمجال الصحي يبقى جد محدود؛ وذلك راجع إلى عدم تفعيل مواد مجموعة من القوانين على أرض الواقع”، مؤكدة بذلك “أهمية الالتزام بالتنفيذ الفعلي لمضمون القانون الإطار 06.22 وتوفير مختلف الإمكانات المناسبة لتنفيذه”.
كما دعت إلى “رفع الميزانية العامة لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية إلى نسبة 12 في المائة على الأقل من الميزانية العامة للدولة؛ ثم التنزيل الفعلي لمضامين القوانين بمراسيم تطبيقية واضحة على أرض الواقع كمّا وكيفا، إلى جانب تحسين أنظمة التكوين الصحي بالقطاع وتقييم السياسات والاستراتيجيات السابقة”.
0 تعليق