اقرأ في هذا المقال
- أغلب الحكومات تضطر لإلغاء مشروعات الوقود الأحفوري تحت الضغوط الشعبية والبيئية
- الشركات المتضررة تفوز بأغلب نزاعات التحكيم الدولي التي ترفعها ضد الحكومات
- هندوراس تواجه دعاوى قضائية تطالب بـ18 مليار دولار، ما يتجاوز ميزانيتها السنوية
- متوسط التعويض في نزاعات شركات الوقود الأحفوري لم يقلّ عن 1.2 مليار دولار
- أغلب أنظمة التحكيم الدولي تحمي استثمارات الشركات، بغضّ النظر عن القطاع
ما زال الجدل حول التخلص من الوقود الأحفوري مستمرًا بين المؤيدين والمعارضين، وسط ضغوط متزايدة من نشطاء المناخ والمنظمات البيئية لإجبار الحكومات على حظر أنشطة الاستكشاف والإنتاج القائمة ومنع الاستثمارات الجديدة.
ورغم استجابة عدد من الحكومات لهذه الدعوات خلال السنوات الأخيرة بصورة أو بأخرى، تحت ضغط الحملات الإعلامية والانتخابية، فإنها ما زالت قلقة من كثرة دعاوى التحكيم الدولي التي ترفعها الشركات المتضررة أمام المحاكم الخاصة.
وبحسب تحقيق حديث، اطّلعت عليه وحدة أبحاث الطاقة (مقرّها واشنطن)، فقد حصلت شركات الوقود الأحفوري على تعويضات بمليارات الدولارات عبر دعاوى التحكيم الدولي أو نظام تسوية المنازعات بين المستثمرين والدول (ISDS)، وهو عبارة عن محاكم خاصة يمكن للشركات مقاضاة الحكومات فيها وفق شروط التعاقد.
ورصد التقرير شكاوى حكومية متصاعدة من تكبُّد الدول -خاصةً النامية- تكاليف باهظة، بسبب تراجعها عن مشروعات الوقود الأحفوري أو التعدين بعد التعاقد عليها مع الشركات الأجنبية، استجابة للضغوط الشعبية أو الحملات الحقوقية.
حظر مشروعات التعدين والوقود الأحفوري
كثرت حالات تراجع الحكومات عن مشروعات التعدين و الوقود الأحفوري خلال السنوات الأخيرة، وكان من أبرزها سحب حكومة رومانيا في عام 2013 مشروع شركة غابرييل ريسورسيز الكندية (Gabriel Resources) لإنشاء منجم ضخم للذهب والفضة في جبال ترانسلفانيا.
واضطرت الحكومة لاتخاذ هذا القرار وإغلاق المنجم بعد احتجاجات شعبية استمرت لشهور في الشوارع؛ ما دفع الشركة الكندية إلى رفع دعوى تحكيم دولي ضد رومانيا، لكنها خسرتها في عام 2024.
وتكرر هذا الأمر في إيطاليا، عندما اضطرت الحكومة في أبريل/نيسان 2023 لحظر أعمال الاستكشاف في نطاق 12 ميلًا من ساحلها بسبب احتجاجات المجتمعات المحلية.
وأدّى هذا التراجع إلى قيام شركة روك هوبر إكسبلوراشن الإنجليزية (Rockhopper Exploration)، بتفكيك حقلها النفطي في المنطقة ورفع دعوى تحكيم دولي ضد إيطاليا.

كما تكررت هذه الحالة في خليج المكسيك، عندما قررت حكومة المكسيك في أغسطس/آب 2024 سحب تصريح إحدى الشركات لاستكشاف رواسب فوسفات ضخمة في الأعماق قبل بدء الأعمال.
وجاء قرار الحكومة مدفوعًا بمخاطر أثارتها المنظمات البيئية حول أنشطة التعدين بالخليج واحتمالات تهديد الكائنات البحرية، لا سيما الحيتان الرمادية والسلاحف البحرية.
ويبدو من هذه الحالات الأثر الواضح للضغوط الشعبية والحقوقية في تغيير قرارات الحكومات الخاصة بمشروعات الوقود الأحفوري أو التعدين أو تعديل القوانين البيئية المتصلة.
ورغم ذلك، فإن كل حادثة من تلك، تبعها رفع الشركة المعنية المتضررة دعوى تحكيم دولي ضد الحكومة لتعويض خسائرها، وفي كثير من الأحيان تفوز الشركات بمليارات الدولارات، كما في حالة إيطاليا والمكسيك، بينما فازت رومانيا على شركة التعدين الكندية.
تقديرات مكاسب شركات الوقود الأحفوري
بحسب تحقيق موسَّع أجرته صحيفة الغارديان البريطانية -شمل 1400 حالة تحكيم الدولي-، حصلت شركات الوقود الأحفوري على تعويضات من الحكومات بقيمة 84 مليار دولار منذ عام 1976 حتى عام 2024.
وحصل مستثمرون من القطاع الخاص بجميع القطاعات على 120 مليار دولار من الأموال العامة، وكان متوسط الحكم الواحد في نزاعات التحكيم الخاصة بقطاع الوقود الأحفوري بحدود 1.2 مليار دولار.
وفي بعض الحالات كان مقدار التعويض يعادل جزءًا كبيرًا من ميزانية الدولة السنوية الإجمالية، كما في حالة نزاع شركة أوكسيدنتال بتروليوم (Occidental Petroleum) الأميركية مع حكومة الإكوادور.
فقد حصلت الشركة على حكم تحكيم دولي في عام 2015 يقضي بحصولها على 1.1 مليار دولار، وكانت ميزانية البلاد الإجمالية نفسها لا تتجاوز 30 مليار دولار في عام 2016.
كما تواجه هندوراس -التي لا يتجاوز عدد سكانها 12 مليون نسمة- 11 دعوى تحكيم دولي تصل من شركات أجنبية تطالب مجتمعة بمبلغ يصل إلى 18 مليار دولار، ما يزيد على إجمالي ميزانية البلاد السنوية، بحسب التحقيق.
مخاوف الحكومات تتصاعد
زاد قلق الحكومات من تراكم نزاعات التحكيم الدولي والمبالغ المالية الضخمة التي يُقضى بها لصالح شركات الوقود الأحفوري والتعدين؛ بسبب التراجع في القرارات الحكومية وإلغاء المشروعات والتراخيص تحت ضغط الحملات الشعبية والحقوقية.
وقال وزراء في عدد من البلدان لصحيفة الغارديان، إن الخوف من دعاوى التحكيم الدولي بين المستثمرين والدول ما زالت قائمة لديهم، وهي السبب في خشية بعض الحكومات من إصدار قرارات حاسمة بشأن التخلص من الوقود الأحفوري.
ففي أبريل/نيسان 2028، اضطرت نيوزيلندا لحظر مشروعات التنقيب عن النفط في المناطق البحرية، لكن قرارها لم يتضمن حظرًا صريحًا أو إلغاءً للامتيازات القائمة الممنوحة للشركات العاملة في القطاع.
وقال وزير المناخ في ذلك الوقت، جيمس شو، إن السبب في إصدار القرار بهذا الشكل، هو مخاوف الحكومة من فتح ثغرة واضحة لشركات النفط والغاز الأجنبية لرفع دعاوى تحكيم دولي.
وأشار الوزير إلى أن الحكومة كانت منقسمة حول هذا القرار وصياغته، بعد تحذيرات من وزارتي الخارجية والتجارة بشأن مخاطر النزاعات التحكيمية المحتملة وآثارها المالية.
ويتفق توبي لاندو -وهو محامٍ مشهور في مجال التحكيم الدولي لمدة 30 عامًا- مع وزير المناخ النيوزيلندي السابق، فيما يتعلق بمخاوف الحكومات من اتخاذ قرارات بيئية ضد شركات الوقود الأحفوري الحاصلة على تراخيص أو الموقّعة لتعاقدات قائمة.
ويعتقد لاندو أن الحكومات أصبحت في مأزق قانوني دولي بعد اتفاق باريس للمناخ في عام 2015، الذي يقضي بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، بينما يوفر نظام التحكيم الدولي ضمانات تحمي المستثمرين، ولو كانت استثماراتهم في النفط والغاز.
وكان وزير التجارة والصناعة في جنوب أفريقيا عام 2009، روب ديفيز، قد قاد بلاده للانسحاب من المعاهدات التي تتضمن حماية التحكيم الدولي للشركات الأجنبية، مخافة التأثير في تشريعات الحكومة في الداخل أو تكبيد البلاد مليارات الدولارات مع أيّ نزاع ينشأ معها.

كما عبّرت رئيسة أيرلندا السابقة ماري روبنسون، في مارس/آذار 2024، عن مخاوف مشتركة بسب كثرة دعاوى التحكيم الدولي، التي رفعتها شركات الوقود الأحفوري ضد الحكومات التي تحاول معالجة حالة الطوارئ المناخية، على حدّ تعبيرها.
وانضمت الحكومة الدنماركية إلى قائمة المتحسبين لهذا الاحتمال عبر تمديد موعد حظر استكشاف الوقود الأحفوري في البلاد إلى 2050 بدلًا من عام 2030 أو 2040، خشية تكبُّدها تعويضات باهظة الثمن للشركات الأجنبية العاملة في القطاع، كما قيدت فرنسا وإسبانيا سياستها المناخية بسبب المخاوف ذاتها.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
تحليل نزاعات التحكيم الدولي لشركات الوقود الأحفوري وتكاليفها المالية من الغارديان.
0 تعليق