استدامة المقاولات الجديدة تضع سياسات وبرامج الدعم العمومية على المحك

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

مع تناسل برامج الدعم الحكومية لفائدة المقاولات الصغيرة والمتوسطة والصغرى، وكذا حملة المشاريع منذ تفشي جائحة “كورونا”، تزايد الجدل حول استدامة المقاولات المنشأة حديثا، وحظوظ بقائها في الأسواق خلال السنة الأولى من حياتها، ذلك أنه في ظل غياب دراسات أو إحصائيات دقيقة بشأن العمر الافتراضي للمقاولة بالمغرب، تشير الإحصائيات المسجلة لدى المحاكم التجارية بالمملكة والمديرية العامة للضرائب إلى عدم التزام المقاولات الوليدة بوصع حصيلتها المحاسبية وتصريحاتها الدورية بشكل منتظم، قبل أن يختفي أغلبها فجأة في ظرف سنتين من التأسيس.

في سنة 2024 تم تسجيل 40,874 مقاولة جديدة بالمغرب خلال خمسة أشهر فقط، مما يبرز وتيرة النمو القوية في مجال ريادة الأعمال، خاصة في جهتي الرباط- سلا- القنيطرة والدار البيضاء- سطات، وقد تركزت هذه الدينامية بشكل خاص في قطاعات التجارة والخدمات والبناء والعقار. لكن هذه الأرقام التي تبدو مشجعة لا تعكس الواقع، ولا تؤكد استدامة هذه المقاولات وتأثيرها بشكل فعلي في الأسواق، مما يستدعي إجراء تحليل أعمق يتجاوز الأرقام الأولية لفهم مدى استدامة هذه الشركات الجديدة.

ومن خلال تحليل استمرارية المقاولات المنشأة حديثا، فإن تصاعد وتيرة إحداث هذه المقاولات لا يعكس بالضرورة الصحة الاقتصادية على المدى الطويل، ذلك أن المقاولة تعتبر مستدامة عندما تنجح في تجاوز السنوات الأولى من وجودها، والتي تكون مليئة بالتحديات، مثل تدبير السيولة والمنافسة والوصول إلى الأسواق، إلا أن العديد من هذه المقاولات تختفي قبل أن تتمكن حتى من تقديم أول حساباتها السنوية، علما أن مدونة التجارة تلزم التاجر بالامتثال لعدة التزامات، بما في ذلك التسجيل في السجل التجاري، والاحتفاظ بحسابات منتظمة، والإبلاغ عن أي تغييرات في نشاطه. ومع ذلك فإن التسجيل فقط لا يضمن النشاط الفعلي للمقاولة.

عوامل مؤثرة

حفزت برامج دعم عمومية للمقاولات وحاملي المشاريع، على غرار “انطلاقة” و”فرصة” والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وتيرة إحداث المقاولات، باعتبارها شرطا أساسيا للتقدم بطلب الحصول على الدعم، وجزءا شكليا مهما في ملف الطلب، بغض النظر عن النتيجة. وقد سجلت الفترة الماضية تناسل آلاف المقاولات الصورية دون أن يكون لها نشاط فعلي في السوق، بعدما تم رفض طلباتها للحصول على الدعم من قبل الجهات المانحة لأسباب مختلفة، إلا أن هذا الوضع لا يشمل جميع المقاولات المنشأة حديثا، التي تساهم عوامل مؤثرة أخرى في اختفائها.

وبهذا الخصوص أوضح محمد قربي، مكون ومتخصص في مواكبة وتدبير المقاولات، أنه رغم الحماس الذي يبديه أغلب رواد الأعمال عند تأسيس مقاولاتهم، فإنهم غالبا ما يفتقرون إلى التحضير في مجالات مثل التخطيط الاستراتيجي والإدارة المالية وكذا فهم السوق، مؤكدا أن هذه الثغرات يمكن أن تؤدي بسرعة إلى صعوبات لا يمكن التغلب عليها.

وأبرز أن قطاعات، مثل التجارة والخدمات والبناء، تعد تنافسية بشكل كبير، حيث تحتاج المقاولات الجديدة إلى التميز ليس فقط من خلال عروضها، ولكن أيضا عبر قدرتها على العمل في بيئة تتمتع فيها الشركات الكبيرة القائمة بمزايا كبيرة.

وأفاد قربي، في تصريح لهسبريس، أنه رغم وجود مبادرات لدعم المقاولات الناشئة، فإن الوصول إلى التمويل لا يزال يمثل تحديا كبيرا، مؤكدا أنه بدون تمويل كاف يصبح من الصعب على هذه المقاولات تحمل التكاليف التشغيلية، خاصة خلال السنوات الأولى. وشدد على أهمية الامتثال للالتزامات القانونية، مثل تلك المنصوص عليها في مدونة التجارة (التسجيل والمحاسبة وغيرهما) من أجل ضمان استدامة المقاولات، منبها إلى أن عدم التقيد بهذه الالتزامات قد يؤدي إلى عقوبات وغرامات، ويمكن أن يساهم في حل المقاولة وإفلاسها في مرحلة متقدمة.

أهمية المواكبة

تعتبر السنوات الأولى لأي مقاولة من أصعب الفترات، وبدون مواكبة مناسبة يمكن أن يرتكب رواد الأعمال أخطاء استراتيجية أو إدارية أو مالية تضر بمقاولاتهم، في حين كان متاحا تجنبها بمساعدة المهنيين. ولخص حسن أوخويا، مسير مكتب للمحاسبة بالدار البيضاء، هذا الوضع بالقول: “المقاولات الجديدة تحتاج إلى استشارات مستمرة لتجنب الفخاخ الشائعة مثل الأخطاء الضريبية أو سوء تدبير السيولة”، مبرزا أن المواكبة تساعد على تخطي هذه التحديات، مما يقلل من مخاطر الفشل المبكر واختفاء المقاولات من الأسواق.

وأفاد الخبير المحاسب، في تصريح لهسبريس، أن “الكثير من رواد الأعمال يقللون من شأن تعقيدات الالتزامات القانونية والإدارية”، مضيفا أن عدم الامتثال للقوانين التجارية أو الالتزامات الضريبية أو قواعد المحاسبة قد يؤدي إلى عقوبات قاسية، وحتى إلى إغلاق المقاولة. واعتبر أن مواكبة الخبراء وسيلة تساعد أصحاب المقاولات على الالتزام بالقوانين، وهو أمر حيوي لضمان استدامة المقاولة، مشيرا إلى أهمية التخطيط الاستراتيجي الجيد منذ البداية، بما يسمح بوضع خطة عمل واقعية وقابلة للتكيف، يمكن أن توجه المقاولة في قراراتها المهمة، وتحدد الفرص المتاحة للنمو، وتجنبها العقبات في السوق.

وأوضح أن المواكبة لا تقتصر على النصائح التقنية فقط، بل تشمل أيضا تطوير مهارات المقاولين وفرقهم. وتابع قائلا: “نحن نقدم دورات تكوينية في التسيير المالي والمحاسبة والضرائب لكي يكون المقاول الشاب مستعدا بشكل أفضل وأكثر استقلالية لإدارة مقاولته”، لافتا إلى أن تطوير المهارات يعتبر أساسيا لاستدامة المقاولة، ويزيد من فرص بقائها خلال السنوات الأولى الحرجة. وأشار في السياق ذاته إلى أن “المواكبة هي استثمار ضروري لأي مقاول يرغب في تحويل مشروعه إلى مقاولة دائمة ومزدهرة”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق